اقتصاديةعراقية

الصناعات الصغيرة ودورها في التنمية المستدامة في محافظة البصرة

بقلم : م.م هدى احبيني عاشور البيضاني - مركز دراسات البصرة / جامعة البصرة

لا يوجـد تعريـف محـدد لمصـطلح الصـناعات الصـغيرة، ، لتبـاين أنظمـة الـدول ومسـتويات تطورها الاقتصادي ،إلا إن هناك شـبه إجمـاع علـى خصائصـها الرئيسـة والمتمثلة في  الإدارة الفرديـة، وصـغر حجوم منشآتها وضآلة عدد العاملين فيها، واعتمادها في الغالـب علـى مـدخلات محليـة.

لقد مثلـــت الصـــناعات الصـــغيرة مـــا يقـــرب مـــن ٩٥ %مـــن إجمـــالي عـــدد منشـــآت الصـــناعة التحويليــة فــي العــراق.

يشتمل مصطلح الصناعات الصغيرة على طيف واسع من الصناعات التـي تشـترك بمزايـا، اتصـفت بصـغر حجم منشآتها ومستواها التقني البسيط إضافة إلى إدارتها الفردية ومحدودية رؤوس الأموال وتعدد أنواعها مما يؤهلهـا لإشـغال دور هـام فـي محفـل التنميـة المسـتدامة، إذ لهـا امتـداد مكـاني واسـع، ومرونـة فـي التكيـف للمتغيـرات المختلفـة،  وتوفيرهـا فـرص عمـل لغيـر المـؤهلين فضـلا عـن مزايـا إيجابيـة أخـرى لا تقـل أهميـة ، عما سبق.

تضم الصناعات الصغيرة  طائفـة واسـعة مـن المنشـآت والـورش ، فبعضـها يهـتم بإنتـاج البضـائع الجـاهزة المصـنعة أو نصـف ً المصــنعة  وأخرى تقدم  الخــدمات للمستفيدين،  كما إن بعضــها يعتمــد العمــل داخــل الأســرة، وبعضــها الآخــر يعتمــد العمــل علــى عمــال مســتأجرين .

تشمل الصناعات الصغيرة ما يلي:-

أولا: الصــناعات الغذائيــة : مثــل الألبــان، المخلــلات ، الــدهون ،كــبس التمــور ،الــدبس ، الأفــران والمخابز ، والمعجنات

ثانيا : المنسـوجات والحياكـة والمنتجـات الجلديـة: مثـل النسـيج، التطريـز ، الخياطـة ، الحياكـة .

ثالثا : تصنيع الأحذية :، الصباغة ، دبغ الجلود ، منتجات السراجة ، والسجاد اليدوي.

رابعا: الصناعات الخشبية : صناعة الأثاث الخشبي بمختلف أنواعه .

خامسا : الصناعات الورقية: التجليد ، الزنكوكراف ، الطباعة والاستنساخ ، التجليد والتذهيب. سادساً : الصناعات الإنشائية : مثل البلوك ، الكاشي ، السيراميك ، والخزفيات.

سابعا : صـناعات أخـرى متنوعـة : مثـل تلـك التـي تعتمـد علـى جريـد النخـل والقصـب ، وتصـنيع المجوهرات الذهبية والفضية ، السبح والترب.

مفهوم التنمية المستدامة:-

فـي المعنـى اللغـوي يعد مفهوم التنميـة المسـتدامة هـي تلـك التنميـة التـي يـديم النـاس اسـتمراريتها ، أمـا المسـتديمة فهـي التـي تسـتمر بشـكل تلقـائي . إلا إن المصـطلحين اسـتخدما للتعبيـر عـن معنـى واحد هو ذلك الذي يتضمن حدوث تنمية راجعة إلى قوى دفع ذاتي نابعـة مـن التنميـة ذاتهـا محدثـة الاستدامة.

ومن ناحية بعض الجغرافيين فأن الاستدامة تعرف (بأنها قدرة المشاريع وبرامج التنمية علـى تحقيـق مـوارد  جديدة غير مستنفذة لضمان الاستمرارية دون الحاجـة إلـى دعـم بمـوارد جديـدة ، فهـي إذن الاهتمـام بالمتطلبات الإنسانية الحالية والمستقبلية اقتصاديا وبيئيا ً واجتماعيا )، فيما رأى آخـرون أن التنميـة المستدامة هي السعي الدائم لتطوير نوعية الحياة الإنسانية فيمــا يضــيف آخــرون لمســات ٌ كــل بحســب تخصصــه، فـالمهتمون بالجانـب التقنـي يؤكـدون علـى أن هـذا السـعي يجـب أن يتضـمن نقـل المجتمـع تقنيـا  إلى مستوى ارقى،  ومـن الوجهـة الاقتصـادية فـان التنميـة المسـتدامة لابـد أن تقـود إلـى خفـض هـام فـي اسـتهلاك الطاقـة والمـوارد الطبيعيـة، فيمـا تـرى الـدول الناميـة أن هـذه الاسـتدامة يجب أن تتضمن استثمار الموارد لرفع المستوى المعاشي للسكان الأكثر فقر.

أبعاد التنمية المستدامة  : للتنمية المستدامة  ثلاثــــــة أبعــــــاد أساســــــية هــــــي :

البيئــــــة، العدالــــــة الاجتماعية، والاقتصاد، على أن هذه الأبعاد يجب أن تتـوازن فـي مسـعى التنمية وتساعد في تحسين نوعية الحياة.

دور الصناعات الصغيرة في التنمية المستدامة:

للصناعات الصغيرة دور هام في احداث تنمية مستدامة وخاصة في البلدان النامية:

أولاً: أنها تتميز بمرونة عالية في تطويع العمليات الصناعية، ولها القدرة على مواجهة التحـديات واســـتمرارها فـــي المنافســـة فـــي الســـوق بتغييـــر وتحســـين طـــرق الإنتـــاج والاســـتجابة لرغبـــات المستهلكين.

ثانياً: إن انتشـارها الواسـع بـين الأقـاليم والوحـدات الإداريـة وحتـى الريـف يجعلهـا أكثـر قـدرة على إنجاز أهداف التنميـة المتوازنـة والعدالـة الاجتماعيـة وخفـض حـدة التبـاين الإقليمـي، والحـد مـن ظاهرة الهجرة من الريف ومن المدن الأصغر.

ثالثاً: توفيرها فرص عمل للفئـات غيـر المؤهلـة مـن الشـباب غيـر المـؤهلين للانخراط فـي المنشـآت الصناعية الكبيرة.

رابعاً : اســتيعابها طاقــات نســوية مــن المهــم مشــاركتها فــي العمليــة الإنتاجيــة ، ســواء بالعمــل فــي الورش والوحدات الإنتاجية أو بتوزيع العمل بين المنازل.

خامساً: تنمية المهارات البشرية وتدريبها على فنون الإنتاج والتسويق والإدارة.

سادساً : نظر لكونها تعتمد الإدارة الفردية والمباشرة في عمليات الإنتاج والتسويق، فإنها تسـهم فـي تراكم الخبرات الإدارية، وفي سعتها أفقيا ً .

سابعاً: تخدم هدف العدالة في توزيع الدخول فحاجتهـا إلـى إمكانـات اسـتثمارية متواضـعة مـا يسـمح لعدد كبير من أفراد المجتمع الدخول إلى أنشطتها الصناعية ، وهذا يساعد على توسـيع حجـم الطبقة المتوسطة ، وتقليص حجم الطبقة الفقيرة في المجتمع.

ثامناً : تحتــاج بطبيعتهـــا إلــى قـــدر محــدود مـــن المــدخلات ممـــا لا يتســبب فـــي اســتنفاذ المـــوارد الطبيعية ، ومن ثم المحافظة على حقوق الأجيال اللاحقة.

تاســعاً: توفر سلعا وخــدمات لفئــات المجتمــع ذات الــدخل المحـدود التــي تســعى للحصــول عليهــا ً بأسعار رخيصة نسبيا حتى وان تطلب الامر أحيانا التنازل عن بعض اعتبارات الجودة. عاشرا: إن انتشـارها الواسـع يخفـف إلـى حـد بعيـد مـن كلـف نقـل المنتجـات إلـى المسـتهلكين, وبـذلك يمكـنهم الحصـول علـى السـلع والخـدمات بـثمن مقبـول يتناسـب والإمكانـات المتواضـعة للشرائح الأكثر فقرا.

احدى عشــرة : للقــائمين عليهــا قــدرة أفضــل علــى التكيــف مــع حالــة الســوق والبحــث عــن الأســواق لتصريف الإنتاج.

اثنتا عشر : تعبئة المدخرات المحلية الشحيحة واستثمار المهارات البشرية ، لـذلك يمكـن اعتبارهـا  مصدرا مهما  لتكوين رأس المال المادي والمهارات .

ثلاث عشرة: يمكن إن تكون فيما بعد رافدا لقيام المشاريع الصناعية الكبيرة بتحويلها تدريجيا إلى متوسطة ثم كبيرة .

أربع عشرة: تعد في معظمها صديقة للبيئة وغير مسرفة في استنزاف ثرواتها.

واقع الصناعات الصغيرة في محافظة البصرة

ترتبط نشأة الصناعة بصورة عامة والصناعات الصغيرة بصورة خاصة مع حاجة الانسان لمنتجات هذه الصناعات منذ نشأته ومع بدايات استقراره ونشأة المدن معتمدا على الخصائص والمقومات الجغرافية التي يتصف بها المكان والوسط البيئي الذي يعيش فيه ، فهو بحاجة للصناعات الغذائية كطحن الحبوب وتجفيف الخضروات وعصر الفواكه لتأمين حاجاته اليومية من المأكل والمشرب كما يحتاج للصناعات النسيجية لاجل الحصول على الملابس والاقمشة وهو يحتاج لصناعة الأدوات الزراعية عند ممارسة العمليات الزراعية وغيرها الكثير من الصناعات الصغيرة التي يعتمد منجها في حياته اليومية. ومنذ العصر الإسلامي نشأت الصناعات في مدينة البصرة بفعل المقومات الجغرافية كالموقع الجغرافي الذي ربط المدينة بالعالم الخارجي كالهند والصين وشرق افريقيا ، وتنوعت الصناعات في ذلك العصر بين صناعة الأسلحة كالرماح والسيوف والسهام وصناعة المنسوجات والصناعات الخشبية وصناعة السفن .

وفي العصر الحديث وتحديدا في الثلاثينات من القرن الماضي أقيمت العديد من الصناعات الصغيرة في مدينة البصرة منها : صناعة وسائط النقل المائي وصناعة الصفر التي كان من اهم منتجاتها (الطشت والمسخنة والهاون واواني الطبخ) وصناعة الطباعة وتجليد الكتب وصناعة الاختام والصناعات الغذائية كما انتشرت في مدينة البصرة مطاحن الطحين الحجرية منذ خمسينات القرن الماضي ، واتصفت مدينة البصرة بوجود معامل الحدادة والخاصة بإنتاج العديد من الأدوات الزراعية والصناعية كما انتشرت في مدينة البصرة صناعة صياغة الذهب والفضة والنقش على الأحجار الكريمة .

عوامـل التـوطن الـصناعي للـصناعات الصغيرة في مدينة البصرة:

لا يمكن لأي صناعة ان تنتشر في مكان ما اذا ما توفرت مقوماتها فلابد لنجاح وتطور أي صناعة او خدمة تقدم للمستفيدين منها توفر مقوماتها وعواملها الموقعية والمتمثلة في الجوانب التالية :

  • الموقع الجغرافي : يعد الموقع الجغرافي من اهم مقومات التوطن الصناعي وتحقيق التنمية الصناعية اذ تتمتع مدينة البصرة بمقومات جغرافية (طبيعية وبشرية) لها تأثير كبير في توطن الأنشطة الصناعية .
  • المناخ : تعد عناصر المناخ من العوامل البيئية المؤثرة في مختلف نشاطات الانسان الاقتصادية اذ يظهر تأثير عناصر المناخ على الصناعة اما بصورة مباشرة في إنتاجية المعامل من خلال تباين درجات الحرارة والرطوبة اللذان يؤثران بصورة مباشرة على درجة راحة الانسان وامكانياته الجسمية وازدياد الطلب على بعض الصناعات نتيجة تأثير المناخ وتحديداً التباين الفصلي لدرجات الحرارة ،او بصورة غير مباشرة من خلال تأثيره على الإنتاج الزراعي بشكل مباشر الذي يستخدم منتجاته النباتية والحيوانية كمدخلات صناعية .
  • الموارد المائية : تعد الموارد المائية احدى المقومات المهمة لانشاء أي صناعة سواءا كانت صناعات كبيرة او صغيرة زراعية او صناعية وتتعدد أنواع الموارد المائية في مدينة البصرة كالأنهار والمياه الجوفية والاهوار والتي كان لها الأثر الكبير في توطن عدد من الصناعات الكبيرة كمحطات الطاقة الحرارية وصناعة البتروكيمياويات وصناعة الأسمدة وصناعة الورق إضافة الى الصناعات الصغيرة الأخرى.
  • المادة أولية: تعد المواد الأولية من اهم مقومات الصناعة كونها تعد أساس تصنيع السلع والمنتجات ، وتتعدد المواد الأولية الداخلة في العمليات الصناعية منها مواد زراعية (نباتية وحيوانية) او خامات معدنية او مواد نصف مصنعة او مواد التعبئة والتغليف.
  • السوق : لابد لاي نشاط صناعي من وجود سوق لغرض تسويق المنتج للشريحة السكانية المستهدفة داخليا او خارجيا من خلال التصدير وتظهر أهمية السوق من خلال حجم السكان ودرجة تركزهم وانتشارهم من مكان لآخر ومدى ارتفاع القدرة الشرائية للشريحة المستهدفة من اجل استهلاك وتصيف السلع المنتجة .
  • الايدي العاملة : لايمكن لاي صناعة مهما كان حجمها او نوعها من توفر الايدي العاملة الماهرة وغير الماهرة لاتمام عمليات الإنتاج وتتوفر في مدين البصرة الايدي العاملة الماهرة وغير الماهرة والذي كان له الأثر الكبير في توطن وانتشار الصناعات في مدينة البصرة.
  • الترابط الصناعي: يساهم الترابط الصناعي في أي منطقة في خلق علاقات متبادلة ومتشابكة بين الصناعات في تلك المنطقة فغالبا ما تكون مخرجات صناعة معينة مدخلات لصناعة أخرى فمثلا ترتبط معامل الصناعات الانشائية مثل صناعة البلوك والكاشي والخرسانة مع صناعة تكسير الحصى وكذلك ترتبط صناعة البتروكيمياويات مع الصناعات البلاستكية .
  • الطاقة والوقود : تعد الطاقة والوقود عنصرين أساسيين لا غنى عنهما في الصناعة بشكل عام وللصناعات الصغيرة بشكل خاص وتتميز مدين البصرة بتوفر مصادر الطاقة والوقود بكميات كبيرة ساعدت على توطن الصناعات الصغيرة وتشمل تلك المصادر (الطاقة الكهربائية والمشتقات النفطية والغاز السائل وغاز الامونيا).
  • الأرض : يعد عامل الأرض من العوامل الأساسية اللازم توفرها عند انشاء أي مشروع صناعي ، ولابد ان تتصف هذه الأرض بمجموعة من الاعتبارات المناسبة والمتمثلة بحجمها ومساحتها وموقعها بالنسبة للسوق وطرق النقل وعائدية ملكيتها .

المشاكل والتحديات التي تواجه الصناعات الصغيرة في  مدينة البصرة:

هناك جملة من المشاكل والتحديات التي تواجه واقع الصناعات الصغيرة في البصرة نذكر منها:

  • عدم توفر معلومات كافية وحقيقية عن الصناعات الصغيرة وخاصة ما يتعلق بالأيدي العاملة والنوحي التسويقية والقيمة المضافة .
  • غياب الدعم الحكومي والمتمثل في عدم توفير الماء والكهرباء وبقية الخدمات بصورة منتظمة.
  • منافسة المنتجات الأجنبية كما هو الحال بمنتجات الالبان ومنتجات الاخشاب والاثاث المستعمل المستورد من دول الجوار.
  • غياب التخطيط الحكومي السليم الهادف الى تطوير هذه الصناعات .
  • تتصف بعض الصناعات الصغيرة بالعمل الموسمي كما هو الحال بصناعة الثلج والمرطبات.
  • تعاني هذه الصناعات من محدودية وصغر رأس المال المستثمر بها.
  • تأثير المناخ والظروف الجوية اذ ان هناك الكثير من الصناعات تتأثر بتغيير المناخ .

التوصيات: 

  • انشاء قاعدة بيانات الكترونية في الدوائر الحكومية المختصة بهذا الشأن مثل دائرة الإحصاء الصناعي ودائرة التنمية الصناعية واتحاد الصناعات ومديرية بيئة البصرة وبقية الدوائر ذات العلاقة تضم بيانات تفصيلية دقيقة عن الصناعات الصغيرة من حيث اعدادها وانواعها وأماكن تواجدها وامكانياتها المادية والبشرية .
  • إعادة تفعيل دور دوائر التنمية الصناعية واتحاد الصناعات والمصرف الصناعي لغرض دعم المصنعين بالمواد الأولية والمكائن والقروض وغيرها من وسائل الدعم.
  • تشجيع الصناعات الصغيرة من خلال حماية انتاجها ودعمه وتفعيل التعرفة الكمركية على البضائع المستوردة .
  • تطوير القطاعات التي ترفد وتزود الصناعات الصغيرة بالمواد الأولية .
  • تقليل الرسوم المادية التي تفرض على أصحاب المعامل الصناعية الصغيرة .
  • عقـــد لقـــاءات دوريـــة بـــين دوائـــر التنميـــة الصـــناعية والصـــناعيين الكبـــار مـــنهم والصـــغار فـــي ملكياتهم الصناعية للتعرف على مشاكلهم والعمل على تذليلها.
  • تشـجيع الصـناعات الموجهـة نحـو التصـدير لأهميتهـا فـي الحصـول علـى العمـلات الصـعبة.
  • تحسين آليات منح القروض للمستفيدين ومتابعة العمل لما بعد مـنح القـروض لضـمان ديمومـة المشاريع الصناعية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى