شؤون اقليميةمقالات

النفوذ التركي: طموحات عثمانية أم تهديد جديد للمنطقة العربية؟

كتب رياض الفرطوسي

على مدى العقود الماضية، تسعى تركيا لتوسيع نفوذها الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مستغلةً حالة الضعف والتشرذم التي تعاني منها الدول العربية. في تصريحات مثيرة للجدل، هنأ دولت بهجلي، رئيس الحركة القومية التركية، مؤيديه بما وصفه “عودة حلب إلى حياض الوطن العثماني”، مستشهداً بالتشابه العمراني بين أسواق حلب وأسواق إسطنبول، في إشارة واضحة إلى النزعة التوسعية التركية التي تسعى لاستعادة الإرث العثماني . كشف مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي “ستراتفور” عن خريطة افتراضية تُظهر امتداد النفوذ التركي المتوقع بحلول عام 2050. وتشمل هذه الخريطة دولًا عربية رئيسية مثل مصر والسعودية وسوريا والعراق ولبنان، إضافة إلى مناطق استراتيجية مثل شبه جزيرة القرم وحوض بحر قزوين. كما أشار كتاب “مائة عام القادمة” لجورج فريدمان، مؤسس “ستراتفور”، إلى أن تركيا تسعى لتوسيع هيمنتها من البحر الأبيض المتوسط إلى آسيا الوسطى، وهو ما يثير قلق القوى الغربية ودول المنطقة على حد سواء . تحاول تركيا، بقيادة حزب العدالة والتنمية وحلفائه القوميين، استغلال حالة الضعف في العالم العربي لبسط نفوذها عبر استراتيجيات متعددة تشمل التدخل العسكري، والتأثير الثقافي والديني، والهيمنة الاقتصادية. هذه الطموحات تتلاقى مع خطط قديمة تهدف إلى تقسيم المنطقة إلى “كانتونات” صغيرة متناحرة لضمان بقاء قوى إقليمية مثل تركيا وإسرائيل في موقع الهيمنة . ترتبط الطموحات التركية بشكل غير مباشر بمخططات أوسع تقودها القوى الغربية والصهيونية، حيث تهدف إلى تفتيت المنطقة العربية والإسلامية لضمان استمرار السيطرة على مواردها وتحجيم قوتها السياسية. خطة كيسنجر الشهيرة لتفتيت “الحزام العربي” المحيط بإسرائيل كانت بداية لتلك المشاريع، التي تلتها محاولات ضرب الحزام الإسلامي الممتد من إيران إلى تركيا وباكستان . إثارة الفتن الطائفية والخلافات بين السنة والشيعة، والمسلمين وغير المسلمين، ليست إلا أداة فعالة ضمن هذه المخططات. وقد أثمرت هذه السياسات عن حالة من الصراع الداخلي والاقتتال بين أبناء المنطقة، ما أدى إلى إضعاف الدول العربية والإسلامية وجعلها أكثر عرضة للتدخلات الخارجية .
في ظل هذه التحديات، تبقى الوحدة بين الشعوب العربية والإسلامية، إلى جانب دعم قوى المقاومة الحقيقية، هي السبيل الوحيد لمواجهة هذه الطموحات والمخططات. الطريق نحو الحرية والكرامة لا يمر إلا من خلال الوعي بالمخاطر المحدقة، ورفض الفتن الطائفية، والعمل المشترك نحو بناء مستقبل يليق بتاريخ هذه الأمة ومكانتها الحضارية.إن ما يحدث اليوم ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة خطط طويلة الأمد تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالح القوى الكبرى. ومع ذلك، فإن إرادة الشعوب وقواها المقاومة قادرة على إحباط هذه المخططات. المطلوب الآن هو وعي جماعي يتحرك نحو بناء دول قوية قادرة على حماية سيادتها ومواردها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى