سوريا بين شرعية السلاح وإرادة الشعب: صراع على الهوية والمستقبل.
كتب رياض الفرطوسي
مرت سوريا خلال السنوات الماضية بمرحلة مليئة بالصراعات والنزاعات، ما أدى إلى وصولها إلى وضع مفتوح على كل الاحتمالات. أصبح المشهد السوري أكثر تعقيداً مع ظهور حقائق جديدة وتغير في الخطابات السياسية التي تعكس تحولاً جذرياً في التفكير والتوجهات.
من أبرز هذه التحولات الخطابية ما يُلاحظ في تصريحات أحمد الشرع، الذي استبدل مفهوم “الأمة العربية” بـ”الأمة الإسلامية”. هذا التغيير يعكس انسجاماً مع الأطروحات السائدة في الغرب، حيث يطرح نفسه كإسلامي معتدل بدلاً من القومي العربي. يأتي ذلك في سياق محاولته تقديم سوريا كعمق استراتيجي لتركيا، ما يشير إلى تحوّل في هوية سوريا المستقبلية من العروبة إلى إطار أوسع يتمحور حول الإسلام السياسي.
إلى جانب ذلك، نرى تغييباً ملحوظاً للقضية الفلسطينية في خطاباته، وعدم التركيز على إسرائيل، بل نجد خطاباً من الجماعات المسيطرة على سوريا يروج لفكرة أن لا مصلحة لهم في محاربة إسرائيل. هذه الرسائل التي تبدو موجهة لطمأنة الجانب الإسرائيلي تتناقض مع الواقع، حيث استمرت إسرائيل في قصف سوريا وتدمير بنيتها التحتية.
إننا أمام تكوين فكري جديد في المنطقة، حيث الذين استولوا على السلطة بدعم من السلاح التركي والتمويل الخليجي يفرضون شرعية قائمة على القوة، وليس على إرادة الشعب. إن شرعية القوة هذه، وفقاً لما يراه الفيلسوف لابوسي في كتابه “العبودية الطوعية”، تجعل من سوريا ساحة مفتوحة أمام عصابات مسلحة تتصرف وكأنها في أرض غزو.
بدلاً من الانتخابات النزيهة والمؤسسات الدستورية، يتم تقديم شخصيات مدربة بعناية لتصبح زعامات سياسية، رغم أن تاريخها يرتبط بالعنف والإرهاب. ومع ضخ إعلامي مكثف، تتحول هذه الشخصيات تدريجياً من قادة عصابات إلى زعماء سياسيين، بينما يتم تسويقها للجماهير كمنقذين للوطن، في حين أن تاريخها يكشف عن ماضٍ دموي.
إذا لم يتمكن الشعب السوري من اختيار نظامه السياسي عبر انتخابات حرة ونزيهة، فإنه سيجد نفسه تحت هيمنة أقلية مسلحة تفرض سلطتها بالقوة، تحت ذريعة الإنقاذ التي قد تتحول إلى غرق جديد أكثر خطورة. إن الكارثة الحقيقية تكمن في استغلال العقائد، سواء الدينية أو الفكرية، لتبرير القتل والهيمنة، ما يجعل المستقبل السوري عرضة لمزيد من الانقسامات والتدهور.
يبقى أمل الشعب السوري في بناء نظام سياسي يعكس إرادته الحرة بعيداً عن الإملاءات الخارجية وشرعية القوة. فبدون انتخابات حقيقية ومؤسسات دستورية، ستظل سوريا عالقة في دوامة من العنف والتلاعب، ما يهدد وحدتها واستقرارها لعقود قادمة.