اقتصاديةعراقيةمقالات

الفخ الريعي وتحديات النمو والاستقرار الاقتصادي في العراق

م.م هاني مالك العسكري - مركز تبيين للتخطيط والدراسات الستراتيجية

يتسم الاقتصاد العراقي بانه اقتصاد منتج للخامات والمواد الأولية، ولاسيما النفط. وبذلك فهو يعد اقتصاد وحيد الجانب يعتمد بشكل أساسي على المورد الريعي في تمويل موازنة الدولة وتوفير مستلزماتها، وحالة كهذه جعلت الاقتصاد  يدور في فلك أسواق النفط وتقلباتها.

هذه التحديات تفرض على الاقتصاد العراقي أن يولي اهتماما خاصا لمسالة التنويع الاقتصادي لتجنب الاتجاه الطبيعي نحو التركيز الاقتصادي. فقد اعتمد أداء الاقتصاد العراقي على استخراج النفط وتصديره لسنوات طويلة، حيث تعد الإيرادات النفطية عماد الموازنة العامة، وركيزة الصادرات، ومحرك النشاط والنمو الاقتصادي. وتتعدى الحاجة لتوفير التنوّع الاقتصادي إلى بناء قاعدة اقتصادية متينة من شأنها أن تستمر في الوجود بعد أن تنضب الموارد الطبيعية، حيث أن التنوع الاقتصادي هو أمر أساسي لحماية الاقتصاد المحلي من عوامل الخطر المفاجئة والقوية ذات الصلة بالطلب والعرض العالميين على النفط والتغيرات المفاجئة فيهما.  كما ان النفط كمورد طبيعي يعتبر مورداً ناضباً غير متجدد أي لابد من إيجاد مصادر جديدة بديلة للإيرادات .

وعلى الرغم من أهمية الإيرادات النفطية في الاقتصاد العراقي بوصفها الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية إلا أن العراق لم يستفد من هذه الإيرادات بالمستوى المطلوب، إذ لم يتم تبني استراتيجيات مالية ذات كفاءة عالية يتم من خلالها تحقيق الاستغلال الامثل للريع النفطي على نحو يتجه الى تنويع مصادر الايرادات العامة . وعليه نقترح في هذه الورقة  الالية او الكيفية التي ينبغي من خلالها  استغلال الايرادات المالية النفطية . وذلك عبر تبني استراتيجية مقترحة لتفعيل دور السياسة المالية كهدف للتنوع الاقتصادي وتكوين مصدات مالية (صناديق استقرار) تعمل على تلطيف حدة التقلبات التي تعتري المورد النفطي بين الحين والآخر, يمكن معها تطوير القطاعات الانتاجية السلعية بشكل يرفع من مستوى إنتاجيتها الحقيقية, ومن ثم توسيع القاعدة الإنتاجية للقطاعات غير النفطية في الاقتصاد العراقي وبالتالي رفع مستوى مساهمتها في الناتج المحلي ألإجمالي مما يؤدي الى تقليل الاعتماد التدريجي على ناتج القطاع النفطي, وبالتالي تحقيق مستوى أعلى من الاستقرار والنمو في الناتج المحلي الإجمالي وتقليل ارتهانه للتقلبات الحاصلة في سوق النفط الدولية.

ان المتتبع لمسارات السياسة المالية في العراق يجد انها لم تصل الى مرحلة تبني استراتيجية مالية ذات كفاءة عالية يتم من خلالها تحقيق الاستغلال الامثل للريع النفطي على نحو يتجه الى تنويع مصادر الايراد العام , مما ابقى الاقتصاد بعيداً عن المستوى الذي يضمن تحقيق الرفاهية الاقتصادية ودون الحاجة الى العمل على تنمية بقية القطاعات الاقتصادية الاخرى. الامر الذي يمكن وصفه نوم على وسادة النفط وصعوبة الخلاص من المتلازمة (المالية – النفط). مع ذلك يمكن ان تمارس السياسة المالية في العراق دوراً محورياً في تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي ذلك من خلال رفع معدلات انتاجية الانفاق العام , فضلا عن تحفيز الاستثمار الخاص وتحسين مستوى كفاءته , إذ ان السياسة المالية تمارس تأثيرها على الاستثمار الخاص عن طريق ادواتها بشقيها الانفاق العام والايراد العام , وكذلك من خلال اسلوب تمويل العجز , فأوجه الانفاق الاستثماري العام تؤثر في الاستثمار الخاص ومن ثم في النمو , فإذا ما تم توجيه الاستثمار العام للإنفاق على مشاريع البنى الارتكازية المادية والبشرية فانه سوف يمارس تأثيراً موجبا على الاستثمار الخاص ومن ثم على النمو الاقتصادي برمته .

ان عائد الريع النفطي طالما انه يمثل الفائض الاقتصادي المركزي للبلاد في الامد المنظور لابد من توظيفه باتجاهين متكاملين من الناحية الاستثمارية . الاتجاه الاول يتمثل بالموازنة الاستثمارية وتوجيهها نحو انتاج السلع العامة والمتمثلة بالبنية التحتية المادية وكذلك البشرية , فضلا عن تحسين مناخ الاستثمار والتنمية في القطاع الخاص , بما في ذك توفير الشراكة الاستراتيجية بين اقتصاد السوق واقتصاد الدولة , وذلك عبر ما يمكن تسميته بالسوق الموجهة ورسم الاستراتيجية اللازمة لتحديد مسارات الاقتصاد الكلي , وتعظيم دور القطاع الخاص في مقابل ابتعاد الدولة تدريجياً وشركات القطاع العام عن انتاج السلع الخاصة . اما الاتجاه الاخر يكمن في خلق صندوق ثروة سيادي مؤازر للموازنة العامة لمواجهة حالات الاخفاق في الايرادات والانحرافات المحتملة بين الايرادات العامة والنفقات العامة وبالتالي تحقيق الاستقرار في مصدر التمويل الاكبر من جهة وحفظ حقوق الاجيال القادمة من جهة اخرى , وبمتوسط رصيد يتم تحديده من فائض الموازنة باستمرار واستثماره مالياً كحقيبة استثمارية سيادية.  ولنجاح فكرة انشاء صندوق سيادي في العراق واداء مهامها يلزم ذلك المبادئ الأتية :-

1-   الافصاح عن الاطر القانونية لهيكل الصندوق وآلية عمله

2- تحديد الهدف في سياسة الصندوق العامة

3- الكشف عن ترتيبات التمويل والسحب الخاصة به

4- الفصل بين الطموحات السياسية والاقتصادية

5- لابد من توفر اطار حوكمة دقيق يقسم الادوار والمسؤوليات .

ومن اجل تكامل الاصلاح المالي لا بد من اعادة النظر بالنظام الضريبي في العراق وابتداءً يمكن العمل على توسيع القاعدة الضريبية من خلال خلق ادوات جديدة من الضرائب مثل الضرائب على السلع والخدمات (كالضريبية على القيمة المضافة)  فضلا عن الضرائب البيئية او فرض ضرائب على انشطة القطاعات المختلفة وباعتماد مؤشرات خاصة تظهر نوع النشاط المالي على أن يقترن ذلك بتحسين الادارة الضريبية لوجود علاقة قوية بينهما اي القاعدة الضريبية ومستوى الادارة الضريبية مع توفر الإرادة السياسية لإخضاع شرائح المجتمع المشمولة بدفع الضرائب جميعاً بعيدا عن الاعتبارات السياسية والنفوذ والثروة .

وهنا لابد من الاشارة الى دراسة الاصلاح الضريبي بعناية لما له من اثار اجتماعية خطيرة , حيث ان غياب التنسيق والتدرج والمتابعة في الاصلاح يمكن ان يؤدي الى اثار سلبية تنعكس فيما بعد على مستوى التحصيل الضريبي إذا ان من شأن الاستقرار في النظام الضريبي ان يجذب الاستثمار الاجنبي ويحفز الاستثمار المحلي .

والى جانب هذا الاصلاح المهم ينبغي اصلاح النفقات العامة ايضاً من خلال توجيهها نحو المجالات التي من شأنها تحقيق الاستقرار الاقتصادي وذلك عبر شمول كلا الانفاقين الجاري والاستثماري بالإصلاح واعادة الهيكلة . ومن بين القضايا المهمة في جانب اصلاح السياسة الانفاقية هو العمل على توجيه السلع والخدمات نحو الفئات الفقيرة وتحسين مستوى الخدمات الاجتماعية فضلا عن الاهتمام بالبنية التحتية والبشرية وكذلك تعزيز نظم الرقابة الادارية بهدف تحقيق كفاءة الانفاق العام ورفع انتاجيته .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى