{في ذكرى سيدنا وقائدنا الشهيد الأسمى والأقدس سماحة العشق السيد حسن عبدالكريم نصرالله،}
كتب إسماعيل النجار،

*في حضرة الشهادة، تتوقف الكلمات عن أداء واجبها، وتتعثر الحروف في رسم صورة رجلٍ صار أيقونةً تتجاوز حدود المكان والزمان. اليوم، حين نكتب عن السيد حسن نصرالله، نحن لا نرثي شخصاً عادياً رحل، بل نرثي أمةً تجسّدت في رجل، وقضيةً وجدت في قائد، وعزيمةً تلبست بإنسان عاش صادقاً ومات شهيداً مقدساً.
*لقد كان السيد نصرالله شهماً، نبيلاً في خُلقه، كبيراً في تواضعه، شديداً في مواقفه. رجلٌ جمع بين دمعة الحنان في عينيه وصرخة التحدي على شفتيه. كان شجاعاً لا يهاب، يواجه الطغاة بكلمةٍ، فيرتجفون منها كما لو أنها صواريخ. كان إذا رفع إصبعه متحدياً، اهتزت أوصال الأعداء وارتبكت حساباتهم، حتى صار مشهد إشارته بالإصبع رمزاً من رموز المقاومة وعنواناً للرعب في قلوب المعتدين.
*ولم يكن سر قوته في السلاح فقط، بل في صدقه الذي اعترف به الأعداء قبل الأصدقاء. حين قال: “سننتصر”، انتصرنا. وحين توعّد العدو، ارتجف قادة تل أبيب وهرع المستوطنون إلى الملاجئ. لقد صدّقوا كلمته لأنهم خبروا أن وعده حق، وأن خلف الوعد إرادة صلبة لا تعرف الانكسار.
*إن شخصيته كانت جامعة: قائدٌ ملهم، سياسيٌّ حكيم، أبٌ عطوف، ومجاهدٌ صلب. كان العالم بأسره ينتظر إطلالته، ليس فقط ليعرف ماذا تقول المقاومة، بل ليعرف ماذا سيجري في المنطقة بأسرها. كان الناس يرونه بوصلةً للحقيقة، في زمنٍ امتلأ بالكذب والضلال. كان صوته ميزان الصدق، ونبرته إعلاناً بأن الكرامة لا تزال حيّة في هذه الأمة.
*أما انتصاراته، فهي صفحات عزّ لا تُمحى:
*عام 2000، حين مرغت المقاومة أنف الاحتلال وأجبرته على الانسحاب بلا قيد ولا شرط، فكان ذلك أول نصرٍ عربيٍّ حقيقي على “إسرائيل”.
*عام 2006، حين تحولت عدوانية العدو إلى هزيمة نكراء، وارتفعت بيروت والجنوب والضاحية رموزاً للعزيمة والانتصار، ليُكتب بدماء المقاومين أن “إسرائيل أوهى من بيت العنكبوت”.
*كل مواجهة بعدها، وكل ردٍّ على العدوان، كان يرسّخ أن المقاومة بقيادته صارت معادلة ردع، تحمي لبنان، وتفرض على العدو التفكير ألف مرة قبل أي مغامرة.
*الفرق بينه وبين أعدائه كالفرق بين الحق والباطل. هو كان قائداً صادقاً لا يبحث عن جاهٍ ولا سلطان، بينما هم تجار دماء يلهثون وراء مكاسب سياسية وشخصية. هو كان يُخيفهم بصدقه، بينما كانوا يخيفون شعوبهم بالكذب والدعاية. هو عاش بين الناس، بينهم في أفراحهم وأحزانهم، بينما هم يختبئون خلف جدران الخوف، لا يملكون إلا الحديد والنار.
*لقد كان السيد حسن نصرالله مدرسةً في القيادة والإيمان، ورمزاً للكرامة العربية والإسلامية. رحل جسداً، لكنه باقٍ فينا روحاً، منهجاً، وبوصلةً. إن دموعنا عليه ليست دموع ضعف، بل دموع وفاء لرجلٍ حوّل الحزن قوة، والخسارة انطلاقة، والشهادة حياةً متجددة.
*سلامٌ عليك أيها السيد الشهيد، يوم ولدت، ويوم قاومت، ويوم ارتقيت إلى الله شهيداً مقدساً، ويوم يُبعث الصادقون والأحرار على دربك.
بيروت في،،، 19/9/2025