من يتدخل بالسلطات… يهدم أساس الدولة
بقلم الكاتب والخبير السياسي حسن درباش العامري

في أي نظام ديمقراطي حقيقي، تُبنى الدولة على مبدأٍ مقدس هو فصل السلطات. فالقضاء، والتشريع، والتنفيذ هي أعمدة متوازنة، لا يجوز لأي طرف أن يمدّ يده على الآخر، لأن ذلك يشكل خرقًا صريحًا لجوهر الديمقراطية ويحولها إلى شكلٍ بلا مضمون.
إن التدخل في شؤون أي سلطة من قبل سلطة أخرى، أو من قبل حزبٍ سياسي مهما كان حجمه ونفوذه، يُعد عملاً منافسًا لمعنى الديمقراطية الحقيقية، بل هو اغتصابٌ للسلطة وتجاوزٌ على إرادة الشعب التي فوضت تلك المؤسسات لتعمل باستقلالٍ ومسؤولية.
وأخطر ما يكون التدخل حين يطال السلطة القضائية، لأنها حارس العدالة وضمانة النزاهة في الدولة.فاي مهادنه أو مجامله مهما كانت صغيره قد تؤسس لما هو أكبر وستكون السوية التي تزخر جسد معنى العداله والمساواة أمام القضاء !! فحين تُخترق استقلالية القضاء، يصبح القانون أداةً بيد الأقوياء، وتضيع حقوق الضعفاء، وتتحول العدالة إلى مزادٍ سياسي تُشترى فيه الأحكام وتُباع فيه الذمم. إن معنى الاستقلالية في القضاء هو أن يُطبق القانون على الجميع بلا استثناء، وأن تُحترم مفرداته بوصفها الرادع الحقيقي لأي خرقٍ أو انحرافٍ عن القانون.
أما حين يمتدّ التدخل إلى السلطة التشريعية والرقابية، فهنا الكارثة الأكبر، لأن البرلمان هو التعبير المباشر عن إرادة الشعب، وأي ضغطٍ عليه أو تسخيرٍ له لمصلحة حزب أو تيار هو اعتداء على سيادة الأمة نفسها. فالبرلمان ليس مكتبًا تابعًا لحزب، ولا أداةً لتصفية الحسابات، بل هو بيت الشعب الذي يجب أن يُحترم ولا يُملى عليه ما يفعل أو يقول. وقضية تمرير القوانين بما يسمى السلة الواحدة هو التفاف لتحريف المعنى الحقيقي لإرادة الشعب ويؤسس لتمرير قرارات قد تضر بمصلحته!!
وتظهر خروقٌ أخرى لا تقل خطورة، منها استخدام موارد الدولة وإمكاناتها العامة لخدمة مرشّح في الانتخابات لأنه يشغل منصبًا رسميًا. فهذا السلوك يمثل ميزةً غير عادلة، وعلبة انتخابية مغلقة بوجه الآخرين، ويقوّض مبدأ تكافؤ الفرص الذي هو أساس العدالة الديمقراطية. إنّ الدولة لا تُختزل في شخصٍ ولا في حزب، ومواردها ليست ملكًا ولاورثا ورثتة السلطة بل حقٌ لكل المواطنين، وأي توظيفٍ لها لأغراض انتخابية هو خيانةٌ للأمانة واحتقارٌ لفكرة المنافسة النزيهة.
إن نتيجة هذه الخروقات جميعًا هي واحدة: تراجع الالتزام بالقانون وارتفاع معدلات الفساد، لأن من يرى السلطة تُخرق ولا تُحاسب، سيقتنع بأن الفساد هو الطريق الأسهل للصعود والنفوذ. وهكذا تتدهور القطاعات تباعًا: الاقتصاد ينهار، والخدمات تتراجع، والأخلاق العامة تُصاب بالعطب، وتفقد الدولة هيبتها شيئًا فشيئًا.
ومن آمن العقاب… أساء الأدب.
فلا ديمقراطية في ظل التعدي على السلطات، ولا عدالة حين يصبح القضاء أداة سياسية، ولا وطن حين تُختزل مؤسسات الدولة في أيدي القوات المسلحة أو الأحزاب المتنفذة وتُستغل مواردها لمصالح شخصية.