مقالات

انتصار الإرادة على السلاح

كتب إسماعيل النجار..

صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس… قراءة في ميزان القوة والإرادة،
حماس ستؤكل من العرب قبل الصهاينه!
والخطأ في حساباتها كانَ كبير جداً بحجم ٧ أوكتوبر؟
لم تكن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الإسرائيلي مجرّد اتفاق إنساني لإنهاء معاناة المعتقلين، بل جاءت كحدثٍ سياسيٍّ واستراتيجيٍّ بالغ الدلالة، جسّد للمرة الألف أنّ الصراع في جوهره ليس صراعَ عتادٍ وسلاح، بل صراعُ إرادةٍ ووعيٍ وإيمانٍ بالحق.
من الميدان إلى طاولة التفاوض إنتقلت الحركة وبعد عامين من حربٍ مدمّرة على قطاع غزة، بعدما حشد الاحتلال ترسانته العسكرية وأجهزته الأمنية والاستخباراتية لإخضاع المقاومة، جاءت صفقة ترامب لتقلب الموازين إذ تمكّنت حماس من فرض شروطها في التبادل مطمئنه لتنفيذها، بعدما أجبرت العدو على الاعتراف بوجود مئات الأسرى لديه من المدنيين والمقاتلين الفلسطينيين.
وفق المصادر الرسمية، تم الإفراج عن 1968 أسيرًا فلسطينيًا، من بينهم نساء وأطفال وقيادات ميدانية وأسرى محكومون بالمؤبد، مقابل إطلاق سراح 20 أسيرًا إسرائيليًا على قيد الحياة.
ورغم الفارق العددي الهائل، فإنّ رمزية الحدث كانت أقوى من الأرقام، إذ أثبتت أنّ القوة الحقيقية ليست في اليد التي تضغط على الزناد، بل في تلك التي تفرض شروطها رغم الجراح.
إن انهيار صورة الردع الإسرائيلي شكلت صفعه على وجه نتنياهو وترامب والدول العربية المُطبِّعه، والصفقه قدمت دليلًا حيًّا على فشل “نظرية الردع” التي يتغنّى بها الاحتلال منذ عقود. فبعد أن حاصر غزة، وقصفها، ودمّر بناها التحتية، عاد مجبرًا للتفاوض مع الحركة ذاتها التي حاول كسرها. فتبيّن لإسرائيل أنّ المقاومة، رغم ما تعانيه من حصارٍ ونزيفٍ بشري، لا تزال تمتلك أوراق القوة: من الميدان إلى المفاوضات.
ولعلّ هذا ما أربك الداخل الإسرائيلي، إذ بدت حكومة الاحتلال أمام جمهورها كمن يُهزم مرّتين: مرة في الحرب، ومرة في التبادل. فأُجبِرَت تل أبيب على إبرام الصفقة كرسالة سياسية ومعنوية؟
تحمل هذه الصفقة أكثر من بعد. فهي ليست مجرد “تبادل للأسرى”، بل تأكيد على أنّ المقاومة تفاوض من موقع القوة لا الضعف. إنّها تقول بوضوح إنّ الفلسطيني الذي يُعتقل ويُعذّب في السجون قادر على العودة بكرامة، وإنّ دماء الشهداء لم تذهب سدى.
وفي المقابل، كشفت الصفقة هشاشة المنظومة الإسرائيلية التي انهارت تحت ضغط عائلات الأسرى والرهائن، وضغط الرأي العام العالمي الذي بدأ يرى الاحتلال كما هو: قوة بطشٍ لا تعرف الرحمة، لكنها عاجزة عن تحقيق النصر.
فكان للصفقه أبعاد إقليمية ودولية على المستوى الإقليمي، فجاءت الصفقة في لحظة مفصلية. فبينما راهن بعض العرب على انكسار غزة واندثار خيار المقاومة، أثبتت حماس أنّ الإرادة قادرة على إعادة صياغة المشهد.
أما دوليًا، فقد واجهت إسرائيل إحراجًا كبيرًا أمام حلفائها، بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية، واضطرت إلى القبول بشروط المقاومة بوساطة قطرية ومصرية، في ظل مراقبة أميركية لم تنجح في إنقاذ تل أبيب من مأزقها الأخلاقي والسياسي.
إن انتصار المعنى قبل الحدث في صفقة تبادل الأسرى لم تكن مجرّد عملية سياسية، بل كانت موقعة وعيٍ ومعنى.
لقد انتصرت فيها الإرادة على السلاح، والإيمان على القوة الغاشمة، والصبر على الحصار. ومهما حاول الاحتلال أن يجمّل صورته أمام العالم، فإنّ الحقيقة تبقى ساطعة: من يملك الحق والإيمان بقضيته لا يُهزم، حتى لو سقطت الجدران فوق رأسه.
هكذا كتبت غزة فصلًا جديدًا في تاريخ الصراع: اليد التي تُقيد بالحديد، هي ذاتها التي تصنع مفاتيح الحرية.
لكن بعد إنتهاء عملية التبادل وتجريد الحركة من أوراق قوتها هل ستأمن حماس غدر إسرائيل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى