عاشوراء ميزان الإيمان والبصيرة
عندما تنتهي كل الحلول والسبل في تصحيح مسار الأمة، نتيجة غرقها في بحر الفساد والرذيلة، وبيع وشراء الذمم، ونسف أسس العدالة، والتمييز على أساس القبيلة والعرق، وعندما تكون كل محاولات التصحيح عقيمة والثورة هي الخيار الاخير، عندئذ لا بد للنخبة وأهل الحل والعقد والإيمان الثابت والبصيرة النافذة، من تحمل مسؤولياتهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الإمام الحسين (عليه السلام) ورغم مكانته العظيمة في الأمة، إلا أن الأمة لم تتخذه بوصلة للنجاة، كحامل لرسالة جده النبي الخاتم (صل الله عليه وآله) تاركةً إياه ومنشغلة عنه، حتى تمكن اللعين يزيد من زمام المبادرة، ووصل به الأمر ليطالب الحسين (عليه السلام) مبايعته، لكنه بأبي وأمي أبى إلا أن يواجه معاقر الخمر ومُلاعب القردة هذا، من أجل إنقاذ دين جده حتى لو كلفه ذلك حياته، قائلاً “يزيد شارب ضالخمر ومثلي لا يبايع مثله”
لقد كان يعلم أن هذا الرفض سيكلفه حياته، وسيُعمد بدماء الإمامة، لتستيقظ الأمة من سُباتها، وتنزع عنها ثوب الذلة والخنوع والخضوع والاستسلام لحاكم جائر فاسق منحط.
إن ما صنعه الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء من ملحمة الإصلاح العظمية، يُعد خارطة طريق لحاضر الأمة ومستقبلها، للوقوف بوجه الظلم بأشد الظروف، وأعسر الأوقات، وأقل الأنصار، حيث قاوم الظالم بلسانه ويده، كذلك قدم نموذج الأخلاق الإسلامية العالية، مقابل الانحطاط والسقوط الأخلاقي، الذي يتبناه يزيد عليه لعنة الله والناس أجمعين.
الصراع الذي خاضه الإمام الحسين (عليه السلام) ما زال قائماً هو هو اليوم، وذات نهج الظالم الجائر الذي يسفك دماء الشعوب المستضعفة ويحاصرها، لتعيش تحت وطأة القتل والجوع، وخير مثال هو ما يقوم به الكيان الصهيوني من إبادة الشعب الفلسطيني، أمام مسمع ومرأى العالم، فمواجهته ومقاومة إجرامه هو نهج حسيني كربلائي يأبى الاستسلام، ويفضل الموت على الحياة مع الظالمين، ما يسطره الآن حزب الله والمقاومة الفلسطينية، وأنصار الله والحشد الشعبي، بقيادة الجمهورية الإسلامية، خير مثال على ان النهج الحسيني الرافض للظلم، هو من يقود جبهة الجهاد العالمي ولسان الحال يقول أولسنا على الحق؟!
الحسين (عليه السلام) ميزان حق وعدل وإيمان وبصيرة، فلا يقبل أن تقف معه وأنت توالي ظالم جائر، أو تطعن وتشكك وتوهن فيمن يصارع الاستكبار، فالحسين بثورته وبدمه ودم أهل بيته وأنصاره، قد خط طريق مواجهة الظلَمة والمستكبرين، وما زال نداؤه يصم اسماع الطغاة عبر العصور: أبالموت تهددني يابن الطلقاء؟! أما علمت أن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟!