التخطيط والتنميةثقافيةمقالات

شاهدت الخميني في الاربعين

بقلم : سعيد البدري

مد بشري جارف ،متنوع الاعراق والجنسيات ، وأمم وشعوب مختلفة العادات والتقاليد والازياء ،هويات بخلفيات معرفية متعددة ،السن ولغات ولهجات لا يمكن حصرها وغير ذلك من عجائب لا يمكن ان تشاهدها الا في كربلاء .

 

من بين ما شاهدت ذلك التجمع الضخم، لاناس شديدي التنظيم من ذوي البشرة السمراء الداكنة ،رجال ونساء كثيرون تكشف راياتهم انهم من نيجيريا ، يرددون قصائد بلغة غير مألوفة ،واسلوب وطريقة لم اسمعها من قبل ، يندبون الحسين عليه السلام و اسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والعباس وزينب وكربلاء ،عدت للتاريخ فلم اجد قبل  ثورة الشعب الايراني الاسلامية ذكرا معتدا به للتشيع في غرب وجنوب افريقيا  وكان لشخصيات من النيجر ونايجيريا تأثير كبير في وصوله لدرجة الجماهيرية ، قرأت كثيرا وبحثت وادركت حجم الرعب الذي يتسبب به هذا الانتشار الكبير للتشييع ونموه في الاوساط الشعبية وهو رعب يظهره للعلن محرك البحث جوجل ،وتتضح اهدافه في كتابات وتقارير وسائل الاعلام ومراكز التبشير الوهابية والمسيحية الغربية، بمجرد ان تطلب معلومة عن التشيع في اي مكان في العالم ،فأدركت عظمة الخميني ورجالات الجمهورية الاسلامية وقادتها ،الحق ان كل ما لدينا من كربلاء وعاشوراء والمؤمنين بنهج الثورة الحسينية الافذاذ ممن حولوا ايمانهم لطاقة تجتذب المستضعفين ،و تقودهم نحو شواطئ النجاة بدل حالة الضياع والتيه ،التي كانوا يعيشون .

 

تركت  المشهد بعد احاطة  بتفاصيله  ،وعدت مجددا اتأمل  الحشد البشري المليوني ،وبذهني فكرة محددة لم تغادرني و تستفز فضولي ،كنت ابحث عن شخص الامام الخميني بين صفوف الزائرين ،وانا اسير بين هذه الحشود أستوقفتني مشاهد تودد الزائرين الايرانيين ،كانوا يقومون بعمل ثقافي مؤثر، وبسلوك تكرر كثيرا ،حيث تقوم زائرة او زائر بتقديم هدية ملونة او حلوى  لابنائي الصغار ،الذين رافقوني بهذه الرحلة المدججة بالرغبات والفضول لاكتشاف اشياء جديدة ،الحق ان هذا التودد له مفعول السحر ويعكس حالة التنظيم والاتفاق ، الذي اجزم انه بتوجيه وتأكيد يستحق الاشادة ،ووسط هذا الحشد الممتد من مركز مدينة النجف الى كربلاء  اجتذبني شكل راية مطرزة بعمل يدوي متقنو بحروف لغة لم اسمع عنها يوما عبارات لم افهمها  تقابلها كلمات بحروف عربية “يالثارات الحسين” خمنت من لون بشرة حاملها وضيق العينين انها لشعب اسيوي ، اجريت محادثة قصيرة وبصعوبة بالغة ففهمت اخيرا انه مواطن  فلبيني و في بلاده  اديان مختلفة ومذاهب شتى ،حدثني عن تأريخ التشيع هناك ،وكان بين طياته الكثير من الخوف والدم ،فقبل ثلاثة عقود كان اعلان تشيعه خطير للغاية ،حتى ان قومه يجرمون التشيع ويحاربونه ،سألته عن احواله و حدثني عن ابيه ،وكيف قضى نحبه على يد متطرفين ، استعملوا كل الوسائل لمنع وصول الفكر الشيعي لبلدته الصغيرة في مندناوا ، فقد دفع و اخرين اثمان انتمائهم  لهذه المدرسة ،وفقدوا حياتهم بعد ان اظهروا انتمائهم واعلنوا عنه ، وعرفت ان لتأسيسات الامام الخميني الفضل في تحول قسم كبير منهم للتشييع ، بعد حوادث مشابهة كثيرة .

 

هناك عشرات القصص المؤلمة التي حدثت لافراد وامم وشعوب جعلت من قدومهم لكربلاء امرا يستحق الذكر ،وفي جعبة كل زائر حكاية ،يكشف محتواها سرا من اسرار تمسك هولاء على اختلاف انتمائتهم  بالامام الحسين عليه السلام ، لم اتوقف وقررت ان تكتمل رحلة بحثي ، فساقني هدا البحث  للقاء شاب من البوسنة ، يحمل صورة صغيرة لرجل يظهر انه  كبير القدر والمنزلة لديه، سألته عن صاحبها فاخبرني انها لشخص متوف ،كان دائم الذكر لكربلاء و زيارة الامام الحسين عليه السلام ، وانه احد المتشيعيين الذين نقلوا تعاليم اهل البيت عليهم السلام لبلدته، بعد ان حارب رفقة متطوعين ايرانيين ولبنانيين شيعة ، الة الحرب و الابادة  الصربية المجرمة في تسعينيات القرن الماضي ،وانه لازال طالبا في مدرسة دينية في مدينة قم بأيران، ويطمح لأن يشارك يوما ما بموكب يمثل بلدته في العزاء الحسيني ، ويحضر معهم زيارة الاربعين .

لم اكن اعلم قبل هذا اليوم اتساع تأثير ايران وثورة شعبها ،وكل ذلك العمل الجبار الذي احدثته قيادة الامام الخميني رضوان الله عليه ،ففي الوقت الذي ننشغل فيه بهموم يومنا الصغيرة، كانت افكاره تنتشر و تؤسس وتمهد لما هو قادم ،قد يعتقد بعضكم ان ما اتحدث به انغلاق مذهبي فارغ ،لكن البحث الذي قمت به جعلني بحالة صدمة ،حيث وجدت في كل سطر منه رائحة التحذير والتحريض ضد التشيع وايران ، وسألت نفسي مرات عدة ، لما يحارب من نعتقد انهم اخوة لنا ،ويحرضون حكومات يعتقدون بكفرها على الشيعة، ولما يدفعون الاموال والامتيازات لهم  لقمع ووقف التشيع ، فهمت واستوعبت السبب اخيرا ،فهولاء يخشون مشهدا يشبه مشهد الاربعين ، وتنوع المشاركين فيه ، مشهد عنوانه الانتماء الخالص لسيد الشهداء عليه السلام ،وفيه ايضا  يمكن رؤية لمحات عن عظيم من عظماء مدرسته في العصر الحديث هو الامام الخميني بشخصه وفكره ظاهرا  بين الحشود ،داعيا ومعرفا  بمظلومية جده عليه السلام ، نعم من بين اهم المشاهدات الكبيرة التي شاهدتها هو حضور الامام الخميني وعظمته ،وتأثيره في كل الاقوام والامم ،التي مثل حضور افراد منها عالمية تأثير التشيع الذي حمل راية الدعوة اليه ، نعم هو رجل عظيم مثل ثورة الحسين عليه السلام ولأكون منصفا بما يكفي ،فقد شاهدت في هذا المحفل الايماني ما لم اكن اتوقعه، لأدرك بعده ما يعني ان نكون رساليين ،ويتحول اصحاب الهمم المؤمنين ، من افراد مستضعفين الى امة تستلهم دروس التضحية  وتلتصق بالحق وتدعو اليه  ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى