زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية تُعد خطوة محورية تحمل أبعاداً استراتيجية عميقة، في ظل مشهد إقليمي معقد وتحديات داخلية متشابكة. تُظهر هذه الزيارة رؤية عراقية واعية تسعى لإعادة ترتيب الأولويات السياسية والأمنية، وتعزيز الشراكات الإقليمية بما يخدم مصلحة العراق ويعزز استقراره . منذ توليه رئاسة الوزراء، يسعى الرئيس السوداني لتبني رؤية متوازنة ترتكز على حماية السيادة العراقية وضمان مصالحها الاستراتيجية. زيارته إلى إيران تأتي في وقت حساس، حيث يواجه العراق تحديات متعلقة بدور الفصائل المسلحة، وضغوطاً دولية لحلها أو تقييد نفوذها، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في العراق بطريقة تفتح المجال لتدخلات أجنبية أوسع . الفصائل المسلحة، رغم الجدل الذي يحيط بدورها، تُعتبر أحد مكونات التوازن الداخلي التي ساعدت في حماية العملية السياسية واستقرار النظام بعد عام 2003. أي قرارات بشأن مستقبل هذه الفصائل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار انعكاساتها على قدرة العراق على مواجهة التحديات الأمنية، واستقلالية قراره في ظل ضغوط أميركية مستمرة . زيارة الرئيس السوداني إلى طهران تُبرز أيضاً دور العراق كوسيط إقليمي بين إيران والقوى الدولية. السيد السودانـي يدرك أهمية الحوار مع إيران لتأمين الحدود المشتركة ومواجهة التحديات الأمنية العابرة للحدود، لكنه في الوقت ذاته يحتاج إلى طمأنة المجتمع الدولي بأن العراق لن يتحول إلى ساحة صراع بالوكالة . إن الحفاظ على الفصائل المسلحة كجزء من المنظومة الأمنية العراقية يجب أن يُنظر إليه كجزء من استراتيجية أوسع لحماية السيادة الوطنية، مع ضمان عدم استغلال هذه الفصائل في صراعات إقليمية قد تضر بمصالح العراق . التاريخ العراقي مليء بالأمثلة التي توضح أهمية الحفاظ على توازن القوى الداخلية في مواجهة الضغوط الخارجية. من سيطرة البريطانيين على الجيش العراقي في العهد الملكي، إلى التحولات الكبرى التي شهدها الجيش تحت النفوذ السوفييتي ثم الأميركي، يظهر بوضوح أن أي فراغ سياسي أو أمني يمكن أن يُستغل بسرعة من قبل القوى الكبرى لتغيير قواعد اللعبة . لذا، فإن الحفاظ على نظام سياسي متماسك يتطلب أدوات قوة متعددة، ومنها الجيش الوطني والفصائل المسلحة، مع تعزيز الحوار الوطني لضمان توافق داخلي حول القضايا المصيرية .
زيارة الرئيس السوداني ومحوريتها في دعم الاستقرار الإقليمي: زيارة الرئيس السوداني إلى إيران تمثل رسالة واضحة بأن العراق يسعى إلى دور ريادي في تحقيق الاستقرار الإقليمي. من خلال التعاون مع إيران، يسعى العراق إلى ضبط الحدود المشتركة، مكافحة التهريب، وتعزيز التعاون الأمني لمواجهة التحديات المشتركة . كما تُظهر الزيارة رؤية عراقية أوسع تهدف إلى تخفيف حدة التوتر بين إيران والقوى الإقليمية والدولية، بما ينعكس إيجابياً على الأمن والاستقرار في المنطقة ككل. هذه الخطوة تُبرز أيضاً قدرة العراق على لعب دور الوسيط النزيه الذي يسعى لتحقيق توازن بين مصلحته الوطنية ومصالح حلفائه .
من بين المحاور المهمة للزيارة، يأتي ملف التعاون الاقتصادي، حيث يمثل العراق سوقاً رئيسية للتجارة الإيرانية. يمكن لهذا التعاون أن يشمل تطوير مشاريع البنية التحتية، تعزيز الاستثمارات، وتنشيط السياحة الدينية التي تُعد مورداً اقتصادياً مهماً للبلدين . رئيس الوزراء يسعى لاستثمار هذه العلاقة لتعزيز الاقتصاد العراقي، خاصة في مجالات الطاقة، والصناعة، والتجارة. هذا التعاون الاقتصادي يُعزز من صمود العراق أمام الضغوط الخارجية ويُرسخ دوره كشريك استراتيجي في المنطقة . زيارة السيد السوداني إلى إيران تتجاوز كونها حدثاً دبلوماسياً لتصبح خطوة استراتيجية تعكس وعياً بأهمية تعزيز العلاقات الإقليمية في ظل التحديات الراهنة. إن أي نقاش حول مستقبل العراق، سواء على صعيد الأمن أو الاقتصاد أو السياسة، يجب أن يركز على أهمية تحقيق توازن داخلي يضمن استقرار النظام السياسي ويحميه من التدخلات الخارجية .
في نهاية المطاف، تُبرز هذه الزيارة تصميم العراق على بناء شراكات إقليمية ودولية متوازنة تعزز استقراره وتدعم رؤيته لعام 2025 كعام للم الشمل والتكامل الإقليمي.