الشباب في العراق : طبيعة وخصائص الدور في ظل متغيرات البنية الاجتماعية
بقلم : هاني مالك العسكري // مركز تبين للتخطيط والدراسات الستراتيجية
لابد ان يدرك صناع القرار في مختلف المستويات في العراق , الاهمية المتزايدة لقضايا الشباب , والتي يجب ان تنطوي على معرفة اهمية وخطورة الدور الذي يمكن ان تضطلع به هذه الفئة الاجتماعية سلبياً او ايجابياً , عندما تتوفر البيئة والفرص المناسبة .
وعلى الرغم من الادراك المتزايد لقضايا الشباب من قبل مختلف مستويات صنع القار والسياسة في العراق , إلا ان قضايا تمكين الشباب وادماجهم ومنحهم المكانة المطلوبة بما تتضمنه من اولويات وخطط استراتيجية تبقى تصطدم بعقبات العنف وعدم الاستقرار السياسي والانقسام المجتمعي , وهذه العقبات لها انعكاسات كبيرة على واقع الشباب انفسهم , تؤدي بمرور الوقت الى تشظي هذه الفئة , وتحول معظمهم الى جزء من اليات الصراع المجتمعي , وانعدام فرصهم في المشاركة الفاعلة في تغير الاوضاع لصالحهم .
واقع الشباب اليوم في العراق يجب ان يتناغم مع الايجابيات التي يفترض انها مصاحبة لأي تغير , وبخاصة اذا كان هذا التغير ينطوي على اسقاط نظام قمعي شمولي , واقامة بدلاً عنه نظام ديمقراطي تعددي . ان نجاح الشباب او اخفاقهم وثقافتهم وانماط السلوك ستطبع المجتمع كله بطابعها الخاص, وفي بلد كالعراق يشكل فيه الشباب نسبة عالية من الهرم السكاني, تكون الحاجة ملحة لاستثمارهم وتفعيل طاقاتهم بما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية بإطارها المستدام .
- : الشباب ومتغيرات البنية الاجتماعية.
وفرت المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في العراق , اضافة الى التقدم الذي شهدته وسائل التكنلوجيا الحديثة , فرصاً كبيرة امام الشباب لا تعوض لتحقيق الكثير من الطموحات والاحتياجات وتحديد الاولويات في سن مبكر نسبياً مقارنة بالأجيال السابقة. إلا ان الواقع العملي يؤشر خلاف ذلك , فقد انخرط الشباب للعمل في ظروف غير مناسبة تصل في بعض الاحيان وعند فئات معينة الى ممارسة الاعمال المهينة للكرامة البشرية , والبعض الاخر عجز عن الزواج وتكوين الاسرة , في حين واجهت الشريحة المتعلمة منهم محدودية فرص العمل والمشاركة الفاعلة في التنمية وصنع القرار , وهنا لابد من اجراءات عملية لتذليل هذه العقبات وتمكين الشباب تبدأ من تشريعات مجلس النواب مع الاهتمام الجدي من قبل الحكومات بوضع السياسات وبرامج النهوض بالشباب ومتابعتها ومراقبتها .
ان عدم الخروج من مأزق تمكين الشباب قد يقوض ايجابيات تفاؤل هذه الفئة الشبابية بما يحمله مستقبل بلدهم من فرص وامكانات , الامر الذي يتطلب وضع الشباب وقضاياهم كهدف اساسي للاستراتيجيات المستقبلية كونها الفئة التي يجب ان يكون لها دورها الحاسم في بناء الحاضر ورسم المستقبل . الشباب في العراق كفئة اجتماعية لم تتحول بعد الى ظاهرة اجتماعية ضاغطة ومؤثرة, كونها مرتبطة بحد بعيد بدور ووظيفة وثقافة المجتمع . ويمكن في هذا الصدد الاشارة الى جملة من المقاربات التي قيدت طاقة وامكانية الشباب كفئة اجتماعية ضاغطة ومؤثرة في المجتمع من خلال الفقرة التالية[2].
1-: الشباب وتحديات ظاهرة صراع الاجيال.
تؤكد العديد من الدراسات التي تناولت قضايا تمكين الشباب في المجتمع العراقي على ان هذه الفئة الاجتماعية غير قادرة على تأكيد الذات كعضوية اجتماعية تامة , والسبب في ذلك هو الثقافة العامة التي تسود المجتمع العراقي والتي لا تمنح العضوية التامة والفاعلة إلا للكبار, وهذا سيكرس ازمة الاختيار لدى الشباب وافتقارهم الى الوضوح والمهارة اللازمين للانخراط في الحياة الاجتماعية بإيجابية ونجاح , يرافق هذه الثقافة اخفاق نظام التعليم في صياغة المرجعيات الفكرية التي تنظم للشباب صياغة فرديتهم وتنظيم سلوكهم , وهذا كله بسبب اقتصار نظام التعليم على الاهتمام بالعرض المعرفي التلقيني , وهكذا يجد الشاب امامه فقط مجريات الحياة اليومية يخوض غمارها ليتعلم منها الصح والخطأ بالتجربة , وسيتصرف وفق ما تتوقع منه المجموعة المرجعية المهيمنة في محيطه الصغير . ووفقاً لهذا المحيط الصغير والذي يكون في الغالب (اقرانه) تتحدد اتجاهات الحراك الاجتماعي والسياسي للشباب فيما بعد , اي ان السلوكيات لن تكون ذاتية , بل هي مسايرة او امتثال لقواعد النمط المهيمن [1]. وهذا يعني ان قضايا التنشئة الاسرية وبيئة التعليم ومنظومة القيم تعتبر عناصر تمكين للشباب اذا اجتمعت تساعدهم على استكمال بناء الشخصية واكتساب الخبرات وصناعة المستقبل عوضا عن الامتثال للدارج والمحيط الصغير.
2- الشباب وقضية الاغتراب الثقافي والسياسي والاجتماعي.
يعاني الشباب اليوم في العراق من مظاهر استبعاد متعدد الابعاد , افضى الى فقدان البعض منهم لأيمانهم بإيجابيات التغير , وحتى عدم ثقتهم ببعض الممارسات الديمقراطية وبما تتيحه لهم من فرص وامكانيات للمشاركة والتمكين , فمع فشل الدولة او تأخرها في بناء او توصيف النظام الاقتصادي على الاسس الحديثة وتنويع النشاط الاقتصادي , فان الاستبعاد الثقافي ( المعرفي ) والسياسي والاجتماعي للشباب , اصبح ايضاً سمة غالبة من سمات الحياة المجتمعية والياتها وهياكلها في العراق . وهذا الاستبعاد بمظاهره المتعددة الذي افصح عن نفسه في العراق كعدم ادراك الشباب لهويتهم وطبيعة انتمائهم والدور المباشر وغير المباشر الذي تمارسه القيم والمؤسسات المتنفذة وتفرضه عليهم وتحدد طبيعة ودرجة استجابتهم للتحديات التي تواجههم ولكيفية اغتنام الفرص المتاحة لهم في شتى المجالات . كذلك يواجه الشباب اليوم استبعاد عن طريق تقيد اليات الحوار والمشاركة المجتمعية في المرحلة الانتقالية , فالمراح الانتقالية لأي مجتمع تتطلب قدراً كبيراً من الضبط المؤسسي , اذ ان تجاهل دور الشباب في هذا الصدد يمكن ان يحولهم من وضعهم الساكن الى انتهاج سلوكيات عنيفة للاحتجاج على الاوضاع القائمة تزيد من صعوبة الحوار المجتمعي بين مختلف التيارات والقوى السياسية والاجتماعية , وهذا سيعطل اي فرصة او امكانية للتوصل الى رؤى تنموية في كافة المجالات . يفترض بالمؤسسات الانتقالية ان تكون ضابطة وموجهة للانتقال نحو اوضاع اقتصادية واجتماعية اكثر رقياً, بدلاً من ان تتحول الى ميادين للتنافس الانتخابي والى منابر للسجال الايديولوجي , الخطير في الامر هو ان هناك ادراك شبابي مفاده ان استبعادهم وتهميشهم في المشاركة وصياغة السياسات وتوجهات المرحلة الانتقالية سيجعل الوجهة في غير صالحهم كمستقبل.
المصادر:
[1] للمزيد ينظر
– احمد ابريهي , ورقة خلفية في التقرير الوطني للتنمية البشرية , العراق , 2014
-حارث الكرعاوي , ورقة خلفية للتقرير الوطني للتنمية البشرية , 2014.
– اديب نعمه , اشكاليات البحث في مجال الشباب ورقة عمل في ورشة بيروت حول تقرير التنمية البشرية للشباب , بيروت , 2012, عدة صفحات
[2]- عماد عبد اللطيف سالم , الشباب في العراق , طبيعة وخصائص الدور في اطار مفهوم التنمية البشرية , مجلة حمورابي, العدد الثاني عشر , 2019, عدة صفحات .