ثقافية

ظاهرة الغلو  في منظور اهل البيت(ع)

الشيخ الاستاذ اكرم النعماني

عندما ندرس الترکيبة النفسية للأنسان نجده دائماً ينزع نحو الکمال المطلق، هذا من جانب و من جانب آخرنجده کائناً حسّياً يريد الأشياء حسيةً يبصرها ويتلمسها بل حتّی المغيّبات حاول أن يجعلها في دائرة الحس و لکي يستوعبها دائماً حاول أن يشبّه المعقول بالمحسوس فالانسان استجابة الی تلک الرغبة الملحة في النزوع الی المطلق لجأ الی جعل الخالق أمرا حسيّا فصنع الأصنام واختلق التماثيل فقدسها وتعبد بها و في مرحلة متقدمة في عملية الاستجابة حاول أن يری الکمال المطلق متمثلاً في شخصيات مرموقة ومتميزة مثل أئمة اهل البيت (ع) و النبی عيسی (ع) و نبينا (ص)،

يبدو أن هذه هي الارضية السايکولوجية التي کانت ممهدة لظهور الغلو و انتشاره وهو يعد قراءة متطرفة ومفرطة للمعتقد الديني.

إن الغلو مذ بزوغ فجر تاريخ الاسلام المجيد إلی يوم الناس هذا کان و ما زال من اکبر التحديات التي يواجهها هذا الدين، طبعاً، إنّ هذا الظاهرة البائسة لم ينفرد بها الاسلام بل عانت منه اليهودية و المسيحية من قبل بل لعلها کانت تقض مضاجع کافة الأديان السماوية علی مر تاريخها؛ إنّ المعارک التي دارت حول هذه الظاهرة المشؤومة لم تکن أقل ضراوة و بأساً من الصدامات العسکرية، بل کانت أشد تعقيداً و أکثر خطورة علی الاسلام و مستقبله و لذلک کانت مکافحة النبي(ص) و أهل بيته (ع) لهذا الحالة المرضية علی أشدّها و قد اتبعهم العلماء الربانيون في هذا المعترک باعتبارهم أمناء الرسل و حصون الأمة و ورثة الانبياء.

فعملوا- تبعا للنبي وآله- علی احتواء الأزمة المتمثلة في الغلو من خلال ترشيد ذلک النزوع، ومن ثم شنّ حرب لا هواده فيها علی المغالين ليوقفوهم عند حدهم  ؛ في نفس الوقت حذروا الجماعة المسلمة – و علی الخصوص الشباب منهم – من مغبة الوقوع في هذا المستنقعالخطير.

لکي نتعرف أکثر فأکثر علی موقف الأئمة و النبی(ع) من ظاهرة الغلو ومکافحتهم لهذا المرض العضال نأتي بجانب من احاديثهم مع القاء أضواء عاجلة كاشفة علی عليها في هذا المعترک تحصيناً لمن يکون عرضة لهذه الرياح الصفراء المدمرة:

 

* رسولُ اللّهِ (ص): لا تَرفَعُونِي فَوقَ حَقِّي؛ فإنّ اللّهَ تعالى اتَّخَذَني عَبدا قبلَ أن يَتَّخِذَني نَبِيّا.1

  • وبذلك يقطع الطريق على كل من تسول له نفسه أن يكرر التجربة المرة التي مر بها النصارى من ذي قبل.

* عنه (ص) :صِنفانِ لا تَنالُهُما شَفاعَتي: سُلطانٌ غَشومٌ عَسُوفٌ، و غالٍ فِي الدِّينِ مارِقٌ مِنهُ غيرُ تائبٍ و لا نازعٍ.2

°النبي الأكرم  بالاقران بين المغالي والسلطان الغاشم يكشف عن فضاعة ما عليه المغالي.

 

* عنه (ص): رَجُلانِ لا تَنالُهُما شَفاعَتي: صاحِبُ سُلطانٍ عَسوفٌ غَشومٌ، و غالٍ فِي الدِّينِ مارِقٌ.3

 

* عنه (ص) :صِنفانِ مِن اُمَّتِي لا نَصِيبَ لَهُما في الإسلامِ: الغُلاةُ و القَدَرِيَّةُ.4

°وهو نفس مضمون الروایة السابقة

* عنه (ص) (ع): يا عليُّ، مَثَلُكَ في اُمَّتي مَثَلُ المَسيحِ عيسَى بنِ مريمَ، افتَرَقَ قَومُهُ ثلاثَ فِرَقٍ: فِرقَةٌ مؤمِنُونَ و هُمُ الحَواريُّونَ، و فِرقَةٌ عادَوهُ و هُمُ اليَهودُ، و فِرقَةٌ غَلَوا فيهِ فَخَرَجُوا عن الإيمانِ.5

° كان النبي(ع) بخطابه هذا يستشرف المستقبل وما يحدث من ملابسات ولغط حول شخصية الامام امير اامؤمنين(ع).

* و إنَّ اُمَّتي سَتَفتَرِقُ فيكَ ثلاثَ فِرَقٍ ؛ ففِرقَةٌ شِيعَتُكَ وَ هُمُ المؤمنونَ، و فِرقَةٌ عَدُوُّكَ و هُم الشاكُّونَ، و فِرقَةٌ تَغلُو فيكَ و هُمُ الجاحِدونَ، و أنتَ فِي الجَنَّةِ يا عليُّ و شيعَتُكَ و مُحِبُّ (مُحِبُّو) شيعَتِكَ، و عَدُوُّكُ و الغالِي فِي النارِ. 6

° هذه الرواية نفس مضمون السابق بدلالاتها وابعادها.

 

* عنه (ص) لعليٍّ (ع): و الذي نفسِي بِيَدِهِ ، لولا أنِّي اُشفِقُ أن يقولَ طَوائفُ مِن اُمَّتي فيكَ ما قالَتِ النَّصارى في ابنِ مَريمَ، لَقُلتُ اليَومَ فيكَ مَقالاً لا تَمُرُّ بِمَلَأٍ مِن الناسِ إلاّ أخَذُوا التُّرابَ مِن تَحتِ قَدَمَيكَ لِلبَرَكَةِ. 7

°النبي يكرر تاكيده على التجربة القاسية التي خاضها اتباع عيسى في تاليه نبيهم.

 

* عنه (ص) لعليّ (ع): لولا أنِّي أخافُ أن يقالَ فيكَ ما قالَتِ النَّصارى فِي المَسيحِ ، لَقُلتُ اليَومَ فيكَ مَقالَةً لا تَمُرُّ بِمَلَأٍ مِن المُسلمينَ إلاّ أخَذُوا تُرابَ نَعلَيكَ و فَضلَ وَضُوئكَ يَستَشفُونَ بهِ، و لكنْ حَسبُكَ أن تكونَ مِنّي و أنا مِنك تَرِثُني و أرِثُكَ .8

°وهي كسبقتها في الضمون والدلالات.

 

* عنه (ع) :هَلَكَ فِيَّ رَجُلانِ : مُحِبٌّ غالٍ ، و مُبغِضٌ قالٍ.9

°هنا الامام يسير على نفس النهج الذي سار عليه النبي في تضييق الخناق على رواد هذا الاتجاه الهدام.

* عنه (ع) :اللّهُمّ إنّي بَرِيءٌ مِنَ الغُلاةِ كَبَراءَةِ عيسَى بنِ مَريمَ مِنَ النَّصارى ، اللّهُمّ اخذُلْهُم أبَدا ، و لا تَنصُرْ مِنهُم أحَد. 10

°الامام هنا يتبرأ من هذه الجماعة المشبوهة

حتى لا تنسب نفسها للامام ومن خلال ذلك تضفي على نفسها شرعية مزعومة.

 

* عنه (ع) :إيّاكُم و الغُلُوَّ فِينا ، قُولُوا إنّا عَبِيدٌ مَربُوبُونَ، و قُولوا في فَضلِنا ما شِئتُم. 11

°الامام بقوله” انا عبيد” يضع الحجر الاساس لكل

ما يريد الموالي أن يتفوه به في توصيف النبي واهل بيته.

عنه (ع) :لا تَتَجاوَزوا بنا العُبوديَّةَ ثُمّ قُولوا ما شِئتُم و لن تَبلُغُوا، و إيّاكُم و الغُلُوَّ كَغُلُوِّ النَّصارى ؛ فإنّي بَريءٌ مِن الغالِينَ . 12

 

°الامام بذلك يعيد الركائز الثلاثة في عملية الغلو اعني العبودية وعدم تكرار تجربة النصارى والبراءة ممن يصر على الدخول في هذا النفق المظلم الذي ينتهي باهله الى الدمار الشامل لكل المعتقدات الثابتة والاصيلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى