ثقافية

يوم الغدير اكمال للدين بالولاية

د عبير نوري القطان

قال تعالى في الآية الثالثة من سورة المائدة، آية إكمال الدين بالولاية: ﴿… ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا…﴾ يفيد أن المرادقال تعالى في الآية الثالثة من سورة المائدة، آية إكمال الدين بالولاية: ﴿… ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا…﴾ اذا تاملنا هذا المقطع من الاية نجدها قول معترض نازل في الوسط ،وان صدر الاية بالإضافة الى ذيلها كلاماً تاماً لايتوقف في معناه على المقطع أعلاه فقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ  ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ  …فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ  فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) كلام لايتوقف معناه على شيء،كما هو الحال نفسه في اية التطهير التي جاءت معترضة وسط الاية لاثؤثر على معنى الاية ان تم رفعها .

وأن قوله (ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ) الى (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)كلام واحد متصل ببعض لغرض واحد وليس لغرضين وأريد به يوم واحد لايومين ، والمراد باليوم هو يوم غدير خم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة من الهجرة  وفي امر ولاية امير المؤمنين علي ع وبهذا ترتبط الفقرتان ارتباطاً واضحاً ،فقوة الإسلام وشوكته أيأستهم من جميع الأسباب المؤدية الى افساده ولم يبقى الا سبباً واحداً يتمسكوا به وهو ان الرسول ص ليس لديه ولداً ذكراً يخلفه في أمره ويقوم بما قام عليه من الدعوة الدينية وان دينه سيموت بموته ، حتى يأسوا من ذلك عندما نصب سبحانه من يقوم مقام النبي ص في حفظه وتدبيره وارشاد الامة والذي ترتب عليه خروج الدين من صفة الحدوث الى صفة البقاء .

وقوله (اليوم يئس)، يدل على تعظيم أمر ذلك اليوم لاشتامله على خير عظيم الجدوى وهو يأس مطلق الذين كفروا من وثنيين ويهود ونصارى وغيرهم ولايتسرب للدين شيء من طوارق الفساد والهلاك إلا من قبل المسلمين انفسهم بكفرهم بهذه النعمة التامة ورفضهم لها ،وحينها يسلبهم الله نعمته وتتحول الى نقمة ويذيقهم لباس الجوع والخوف ، وقد فعلوا ذلك وسبحانه وتعالى فعل بهم مافعل ، فلنتأمل فيما اصبح حال العالم الإسلامي في وقتنا الحاضر.

بالدين هو مجموع المعارف والأحكام المشرّعة وقد أُضيف إلى عددها اليوم شيء وأن النعمة أياً ما كانت أمر معنوي واحد كأنه كان ناقصاً غير ذي أثر فتمم وترتب عليه الأثر المتوقع منه.

اما اوالأشياء إنما تكون نعمة إذا وافقت الغرض الإِلهي من خلقتها لأجل الانسان، وهي القرب منه سبحانه بالعبودية والخضوع للربوبية، قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } } [الذاريات: 56]. فكل ما تصرَّف فيه الإنسان للسلوك به إلى حضرة القرب من الله وابتغاء مرضاته فهو نعمة، وإن انعكس الأمر عاد نقمة في حقه .

والإسلام هو مجموع ما نزل من عند الله سبحانه ليعبده به عباده دين، ويشمل من حيث العمل به – على ولاية الله ،ولا تتم ولاية الله سبحانه أي تدبيره بالدين لأمور عباده إلا بولاية رسوله، ولا ولاية رسوله إلا بولاية أُولي الأمر من بعده، وهي تدبيرهم لأمور الأُمة الدينية بإذن من الله، قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم } [النساء: 59] ،وقال: { إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [المائدة: 55]

فمحصّل معنى الآية: اليوم – وهو اليوم الذي يئس فيه الذين كفروا من دينكم – أكملت لكم مجموع المعارف الدينية التي أنزلتها إليكم ، وأتممت عليكم نعمتي وهي الولاية التي هي إدارة أُمور الدين وتدبيرها تدبيراً إلهياً، فإنها كانت إلى اليوم ولاية الله ورسوله، وهي إنما تكفي ما دام الوحي ينزل، ولا تكفي لما بعد ذلك من زمان انقطاع الوحي، ولا رسول بين الناس يحمي دين الله ويذب عنه بل من الواجب أن ينصب من يقوم بذلك، وهو ولي الأمر بعد رسول الله (ص) القيّم على أُمور الدين والأمة ، وإذا كمل الدين في تشريعه، وتمت نعمة الولاية فقد رضيت لكم الدين الاسلامي الذي هو دين التوحيد الذي لا يعبد فيه إلا الله ولا يطاع فيه إلا الله ومن أمر بطاعته من رسول أو ولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى