الجريمة الاقتصادية فإننا نقصد في البدء عالم الاقتصاد كبيئة خاصة لظهور ونمو الجريمة فيه، ولا شك بأن عالم الاقتصاد تطور بتطور الحضارة البشرية، فقديما كان الاقتصاد مبني على الزراعة لذا كانت الجرائم الاقتصادية في ذلك الوقت محورها الزراعة وهو مانجده في أقدم التشريعات التي عرفتها البشرية “شريعة حمورابي“.
ثم تطور الاقتصاد بتطور الحضارة في عصر النهضة الصناعية التي نقلت التطور الحضاري إلى التقدم والنمو ثم وصلنا إلى عصر النهضة الحديثة حيث ثورة التكنولوجيا والفضائيات والحاسب الآلي واستخداماته وبالتالي ظهرت أنواع أخرى من الجرائم الاقتصادية لم تكن معروفة من قبل والتي لا يصاحبها بالضرورة عنف ما، بل ظهر أن مرتكبي هذه الجرائم نوعية مختلفة تهدم نظرية “لومبروزو” من أساسها حول شكل الإنسان المجرم، إذ صرنا نشاهد مجرمين من نوع آخر أفخم من ذوي الياقات البيضاء وأذكى من أعتى المجرمين الذين قرأنا عنهم.
مفهوم الجريمة الاقتصادية في القانون يستعمل للتعبير عن سلوك مخالف للقانون الجزائي مستحقا للعقاب لوقوع المخالفة على حق – سواء لفرد أو مجتمع – يحميه القانون، لذلك عرف فقهاء وشراح القانون الجنائي الجريمة بأنها فعل أو امتناع عن فعل يؤدي إلى الضرر بالغير ويعاقب عليه القانون.
وأقصر تعريف لمفهوم الجريمة الاقتصادية هو ” السلوك المخالف للقوانين المنظمة للتصرف الاقتصادي والذي نص عليه القانون بعقوبة محددة“. ولقد سعى معهد الدراسات العليا في الأمن الداخلي (الفرنسي) سنة 1999 في دراسة قام بها لضبط مفهوم اتفاقي للجنح الاقتصادية والمالية العابرة للأوطان.
والجريمة في الاقتصاد الاسلامي كل فعل فيه مخالفة لأمر الله في استثمار الأموال أو استغلال الموارد الاقتصادية، أو كل مخالفة لأمر الله أو نهيه فيما يتعلق بالأموال أو الموارد الاقتصادية.
والجرائم الاقتصادية بأنواعها تعد أكثر تأثيراً وخطراً على برامج التنمية والتقدم الحضاري لأي مجتمع حيث إنها تقوض من تقدمه نحو النمو الاقتصادي وتضر بمصالحه ولاسيما في الوقت المعاصر حيث الانفتاح الاقتصادي والتقدم السريع لمناحي الحياة والثورة التكنولوجية التي بدورها زادت من انتشار التجارة الالكترونية وعولمة الاقتصاد وبالتالي عولمة النشاط الإجرامي.
ولا شك أن هناك جرائم عادية لها آثار اقتصادية كالسرقة والاختلاس والتزوير والرشوة والابتزاز والنصب والاحتيال والغش والتدليس والتهرب الضريبي والسطو والمماطلة في سداد الديون وغيرها من صور الجرائم المالية، حيث يتأثر بها المجني عليه كسلب أمواله فلا يحقق تقدماً ونمواً اقتصادياً يستفيد منها أو يستفيد اقتصاد بلاده إلا أن الجرائم الاقتصادية هي في المقام الأول موجهة للسياسة الاقتصادية للدولة وتضر بمصالحها المالية.
وهناك العديد من أنواع الجرائم الاقتصادية التي تختلف من مجتمع لآخر باختلاف نظمه الاقتصادية وتطوره الحضاري إلا انه مع التطور السريع الذي يمر به العالم، فان ذلك يؤدي إلى استحداث أنشطة جديدة وعولمة لأنشطتها الإجرامية وظهور أنواع جديدة الجرائم الاقتصادية، وهنا مكمن الخطر لأثر هذه الجرائم وتهديدها للنمو الاقتصادي الأمر الذي يصعب حصر نتائجها وتحديدها لأنها تشمل كل ما يلحق الضرر بعمليات الثروات والتوزيع والتجارة والتصنيع أو تداول واستهلاك السلع والخدمات وتهدد الثروات البيئية من نبات وكنوز معدنية وثروات بحرية، فتشمل تخريب الأراضي الزراعية وتبويرها ودفن النفايات النووية في باطن الأرض أو البحر والتخلص من النفايات الناتجة من استهلاك المصانع أو الاستخدامات البشرية في الحياة اليومية، وكذلك إنتاج وزراعة المخدرات الطبيعية على حساب الأراضي الزراعية أو تصنيع المخدرات والمؤثرات بطرق كيميائية وكذلك التنافس غير المشروع كإغراق الأسواق وتقليد وتزوير المنتجات الاستهلاكية وتزوير العلامات التجارية واحتكار السلع، بالإضافة إلى الجرائم المتعلقة بالحاسوب من برمجة عمليات وهمية أو تزوير معلوماتها، وكذلك الاختراق أو التجسس للحصول على معلومات بهدف التخريب أو تحقيق أرباح مالية .
وفي ظل العولمة وهيمنة التجارة العالمية علي الأقطار كافة وبسبب عوامل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية التي يشدها العالم سيترتب عليها بلا أدنى شك أنواع جديدة للجرائم الاقتصادية وستنشط الجريمة المنظمة التي تشمل أنماطا وأنشطة منحرفة هي بحد ذاتها جرائم اقتصادية خطيرة، ففي المسح الذي أجرته الأمم المتحدة عام 1994م عن اتجاهات الجريمة المنظمة تضمن عدداً من الجرائم الاقتصادية كغسيل الأموال وتهريب المخدرات واختراق قطاع الأعمال المشروع والإفلاس بالتدليس والغش والفساد ورشوة الموظفين العموميين وجرائم الحاسب الآلي وسرقة الملكيات الفكرية والاتجار غير المشروع في الأسلحة وفي النساء والأطفال والاتجار غير المشروع في الأعضاء البشرية وسرقة المقتنيات الفنية والثقافية والغش في التأمين ، ومع التقدم السريع والثورة التكنولوجية الهائلة سوف تظهر أنماط وصورة جديدة للجرائم الاقتصادي.
إلا أن ابرز أنواع الجرائم الاقتصادية التي يمكن أن تشكل أخطارا جسيمة في ظل العولمة هي جرائم غسيل الأموال.
وتعرف جرائم غسيل الأموال بأنها «أي نشاط أو عملية من شأنها إخفاء المصدر غير المشروع الذي اكتسبت فيه الأموال» ، وذلك بهدف تمويه السلطات ليجعله يبدو وكأنه دخل مشروع، وفي البيان الذي ألقاه الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة عام 1990م ذكر إن حجم الأموال التي يتم تبييضها أو غسلها في العالم يقدر ب 500 مليار دولار . الأمر الذي يوضح جلياً مدى تهديده للاقتصاد الوطني والقضاء على المشروعات الشريفة التي تعمل في المجتمع والقضاء على القيم الأخلاقية عن طريق الرشوة والفساد الإداري علاوة على إن أموال الاقتصاد الوطني تصبح ملوثة.
واستعمل اصطلاح غسيل الاموال لأول مرة في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات التي عقدت في فيينا عام 1988 وقد بينت المادة الثالثة من الاتفاقية المذكورة صورا متعددة من غسيل الاموال منها أن غسيل الأموال يتمثل إما في تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها من نتاج جرائم المخدرات أو في إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو في اكتساب أو حيازة أو استخدام الأموال مع العلم وقت تسليمها أنها من حصيلة جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية.
و يعد في قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب رقم (39) لسنة 2015 في المادة (2) مرتكبا” لجريمة غسل أموال كل من قام بأحد الأفعال الآتية: –
أولاً- تحويل الأموال ، أو نقلها ، أو استبدالها من شخص يعلم أو كان عليه أن يعلم أنها متحصلات جريمة ، لغرض أخفاء او تمويه مصدرها غير المشروع او مساعدة مرتكبها او مرتكب الجريمة الاصلية أو من ساهم في ارتكابها او ارتكاب الجريمة الأصلية على الإفلات من المسؤولية عنها.
ثانياً- أخفاء الأموال او تمويه حقيقتها أو مصدرها أو مكانها أو حالتها أو طريقة التصرف فيها أو انتقالها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها ، من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم أنها متحصلات من جريمة .
ثالثاً- اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها ، من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم وقت تلقيها أنها متحصلات جريمة.
وهناك نصوص كثيرة تعاقب على هذه الجريمة منها المادة 164 من قانون العقوبات والتي عاقبت بالإعدام على الاضرار بالمركز الاقتصادي للعراق دوليا وهي من الجرائم الماسة بامن الدولة الخارجي، وايضا عاقبت المواد 179 و180 على إثارة الإشاعات وتعد جريمة جنائية.
وأما تزوير العملة فقد عاقب عليه قانون البنك المركزي 56 لسنة 2004 بالحبس وبالغرامة أما تزييف العملة فقد تناولها قانون العقوبات في المواد 280 الى 286 وتعاقب بالسجن تصل إلى 10 سنوات على ذلك، من ناحية التجار فقد عاقب قانون حماية المستهلك وقانون منع الاحتكار الصادرين عام 2010 بالحبس سنتين وغرامة تصل إلى 30 مليون دينار عن ذلك.