منذ نعومة اظافري، وانا اقرء واسمع الكثير من المعطيات والمنابر والكتب والخطب والنقاشات، التي تتعلق بقضية ظهور الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ولكوني شيعي اعيش في بلد كالعراق، ظُلِمَ فيه الشيعة لقرون طويلة، لذا كنت أجد روايات الظهور حاضرة في المخيال الاجتماعي، وهي تفور وتغلي كل يوم في وعي الجمهور الشيعي، ويعاد تشكل انطباقاتها على الوقائع والاحداث بشكل مستمر .
عندما تقدم بي العمر توقفت كثيرا في محاولة فهم متلازمة (وجود علامات الظهور+ حرمة التوقيت). !
وصراحة كانت هذه المتلازمة من اشد الامور ضبابية وتعقيدا وتشابكا عندي، ولم تفلح كل الاجوبة التي حصلتها عليها من المختصين من فضلاء حوزتنا، لخلق قناعة او لخلق فهم مطمئن عندي بشأنها، يعينني على فهم فلسفتها العميقة.
وغالبا ما كنت أسأل: اذا كانت هناك حرمة للتوقيت، ولم يذكر الأئمة عليهم السلام توقيتاً للظهور (سواء اكان دقيقا محددا بيوم او شهر او سنة، او كان عاما عصريا بقرن او الفية)، فهذا يعني ان الظهور قد يكون بعد ٧٠ تيليار و٢٠٠ بليون و٦٥٠ مليون سنة. !!!
نظريا، وبحسب روايات الأئمة، فان هذا الأمر جائز، ومحتمل. !!!
لم اعترض على ذلك، ولكنني اعترضت (عقليا) في أن اكون مطالب بانتظار امر قد يحصل بعد هذه الارقام المهولة من الزمن، فما فائدة ان اكون منتظرا لامر يحصل بعد هذه العصور السحيقة في المستقبل.
حاولت فهم فلسفة الانتظار، لافهم معناه، وقارنته مع سيرورة الثنائية التطورية التي حصلت من آدم ع الى يومنا هذا، الا وهي سيرورة ثنائية (الدين، الانسان)، فوجدت ان تفاصيل احدهما يتعلق بالآخر، فكل ارهاصات الفعل البشري، في تفاعلها مع تعاليم دين من الاديان، او نبي من الانبياء في زمن معين، تكون ذات نمط تطوري تصاعدي.
اي ان الانسان خلال تاريخ وجوده كان يتطور رويدا رويدا في وعيه وتفكيره وفهمه للوجود، وتطور امكانته، من خلال تفاعله مع الاديان والرسائل والشرائع الالهية.
لذا كان كل دين ياتي، يكون بمرحلة متطورة اكثر من الذي سبقه.
المعنى: ان سلوك وتعاطي وتفاعل البشر بطريقة تطورية مع الاديان، جعل البشرية تنتقل لمرحلة اعلى من التي سبقتها.
فالتفاعل البشري مع الدين، هو الذي ساهم بتهيئة المرحلة اللاحقة للدين الذي يليه.
النتيجة:
ان فلسفة الانتظار، هي من اهم عوامل تطور الوعي البشري، ليكون مهيئا في مراحل متقدمة، لتقبل فلسفة بسط العدل الالهي، وسيادة دين الاسلام، في بيئة بشرية، قد تكامل فيها الوعي الى درجات متقدمة، ليكون مؤهلا لحمل هذا المشروع.
وهذا لن يحصل دون وجود فلسفة الانتظار، والتي تعمل على مر القرون والازمان، على نحت الوعي الديني، عبر اجيال عديدة، ليكون انسان المستقبل قادرا على حمل رسالة المشروع الالهي المهدوي.
يعني: انتظار الامام ليس بالضرورة يكون انتظار لظهور بعد يوم او سنة او قرن، بل هو انتظار يشتغل ويعمل بشكل مستمر على عملية صهر وتشكيل الوعي البشري الديني، لظهور الامام عج.
الزبدة: انت مساهم بمشروع الامام عج، ومحسوب من انصاره، سواء اظهر غدا وكنت معه، ام سيظهر بعد مليار عام، فانت جزء من هذا المشروع الالهي الكبير والعملاق، مشروع الامام، طالما انك منصهر في هذه المعادلة التطورية البطيئة، لتكون حلقة في سلسلة تطورية طويلة، لولاك ولولا امثالك، لما وصلت لعصر الظهور.