لقد خاض العراق حربا ضارية ضد الارهاب وانتصر عليه ولم يكن ليحصل ذلك من دون دعم المرجعية الرشيدة التي شددت على ضرورة توحيد كلمة القيادات السياسية والحكومة لتنسيق الجهود في سبيل الوقوف بوجه الارهاب وتوفير الحماية للمواطنين من شرور الارهابيين. الفرصة المهمة التي عززت من التلاحم الجماهيري هو التفاف القوى الشعبية من اجل تنفيذ ضرورات الحرب على منابع الارهاب والبيئة الحاضنة للارهابيين حتى استطاعت القوى الامنية من السيطرة على تلك الجماعات التكفيرية الضالة وقد قدموا في هذه المواجهة الكثير من الشهداء اكراما لعزة الوطن والشعب . هذه الانجازات كانت نتيجة حتمية لتظافر جهود الدولة مع القوى المجتمعية لارساء الامن والامان الضروريين لمشروع التنمية والبناء والمستقبل . لكن ما زال في طريقنا الكثير من المعوقات منها افة الفساد والمخدرات وهي المعركة القادمة ضد مشروع التنمية خاصة بعد ان تفشت ظاهرة الفساد في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي مما يساهم في ابطاء التنمية وحتى في عدم الاستقرار السياسي . بعد ان تفشت ظواهر الرشوة والاختلاس واستغلال المنصب لمصالح ذاتية والتجاوز على المال العام استطاعت الدولة من خلال مؤسساتها المختلفة ذات العلاقة من تحقيق الكثير من الخطوات المهمة في هذا المجال مستندة في ذلك على ثراث الامة الاخلاقي والتربوي من ان تحرز الكثير من الانجازات في مكافحة الفساد الذي اخترق بعض مفاصل المؤسسات الخدمية والحكومية حتى وصف من قبل بعض المسؤولين ( ان الفساد وصل الى حالة لا يمكن السكوت عنها ابدا ) . في معركة السيطرة على الفساد والمخدرات ومن اجل النجاح في ذلك لابد ان نعمل في اكثر من اتجاه . بعض هذه الاتجاهات قد تم تحقيقها فعلا ومنها تحديث اللوائح والانظمة والاجراءات الادارية بما يتلاءم والمتطلبات المستجدة في الاداء الحكومي التي تعتمد على التطور النوعي في التكنلوجيا والمعلومات والاتصالات ومعالجتها او نقلها بشكل الكتروني في اطار استعمال المهارات . اضافة الى تشخيص المشاكل والاختلالات التي قد تعيق عملية تحقيق الاهداف المخطط لها وتمثل فؤاد في تحديث الانظمة . يبقى حلم الانتقال الى الحكومة الالكترونية في الطريق مواكبة لتطور الجهاز الاداري للدولة . هناك خطوات مهمة في تنظيم العمل الاداري لمنع التلاعب الذي قد يحصل احيانا . لابد ان تكون هناك تسهيلات وخطوات جدية تتعلق بالاجراءات الرسمية للمواطنين من خلال تقديم الخدمات والسيطرة لمنع فرص الفساد او التلاعب بالبيانات الادارية الرسمية وسهولة الكشف عن ذلك التلاعب فيما لو حصل. اما الاتجاه الاخر فأنه يتعلق بتطوير القوانين بحيث نجعل الاجهزة الرقابية تتمكن من ضبط اي محاولة للتلاعب وفي نفس الوقت يتعرض اي مسؤول للمساءلة عندما يكون الفساد في دائرته او مسؤوليته او اختصاصه . وستتعاون في هذا الاطار كل الجهات ذات العلاقة بما في ذلك مجلس الوزراء ومجلس النواب وديوان الرقابة المالية . مع الاستعانة بمنظومة المعلومات واحكام القوانين الصارمة . كل ذلك سيكون بمثابة عوامل ضبط اساسية تواكب حصر الجرائم وملاحقتها ‘ يضاف لذلك التعاون الدولي في مكافحة الفساد والمخدرات في جميع الاماكن . هذه الجهود ستحقق غايتها عندما يكون هناك وعي مجتمعي وشعبي . يتجسد ذلك في التبليغ عن الجرائم مهما كانت ومتابعتها من قبل الاجهزة الامنية والقانونية . ان تلك التهديدات تمثل تهديدا للامن القومي من حيث انها تشكل هدرا كبيرا للطاقات البشرية والمالية والامنية وتفسد مشروع التنمية والاستثمار وتجعل العملة الوطنية تتراجع امام العملات الاجنبية .
افضل وسائل الوقاية من كل ذلك هو من خلال التدخل المباشر والكشف المبكر والسريع لاي تهديد او انحراف او اختراق قد تتعرض له الاجهزة الرسمية . ان الحلقة الاساسية في مكافحة الفساد هو التصدي المجتمعي لها اولا وهذه القضية ممكن ان يكون لها اكثر من دور . الاول اعلامي حيث يساهم الاعلام بعملية التوعية والرصد ويوضح اثار الفساد والمخدرات على المجتمع وكيف تضرب هذه الافات بالصميم الضمير الانساني وتغير المعايير بحيث يصبح الكسب غير الشرعي معيارا عاما بديلا عن الكسب الحلال الذي يعتمد على الكفاءة والموهبة والعلم . اما الدور الثاني فهو يعتمد على تأكيد القيم الايجابية واستلهام الارث الاخلاقي والديني الذي يرى ان الفساد فيه اضرار بالامة والانسان لذلك لابد من الحرص على غرس تلك القيم العظيمة في عقول ابنائنا من خلال المنزل والمدرسة والمسجد والكنيسة . من هنا نؤكد ان معركتنا مع الفساد هي معركة وجود وهذا ما اكدت عليه القوى الوطنية والسياسية وتبنته من خلال خطاباتها السياسية ودعت الدولة من جهتها الى ان تأخذ على عاتقها مهمة التصدي والمواجهة وجعل مسألة الهدف الامن القومي مسألة التفاف سياسي واجتماعي بحيث تتلاقى جميع حلقات التصدي لحماية الوطن والمواطن .