وفق لأطروحاتها التي مثلت منعطفا تاريخيا وسياسيا في العراق وعموم المنطقة العربية ، عملت المرجعية الدينية في النجف الاشرف ، على تأصيل النظام السياسي وبناء الدولة العراقية الحديثة ، من خلال تبنيها لأدوار سياسية وأمنية وإعلامية واجتماعية ، ذات تأثير صارم على أحياء الدولة العراقية ، التى اندثرت و تكبلت بقيود الاحتلالات و الدكتاتوريات ، التى أحاطت نفسها بهالة من العصمة ، فهشمت الدولة وارثها الديني وتركتها الثقافية ، وتسلطت بشكل كامل على مقومات الدولة ( أرض وحكم وخيرات ) فكانت كل خياراتها عسكرية بحته ، وفي المحصلة النهائية عسكر المجتمع وطغى الصراع والعنف والإبادة •
شكلت أوضاع العراق مابعد 2003 علامة فارقة في حياة المرجعية الدينية في النجف الاشرف ، لتلعب دورا متكامل وعلى مستويات متعددة ، سياسية ، اجتماعية ، دينية ، إعلامية ، أمنية ، واقتصادية ، فأعادت للاذهان الادوار الصارمة والمتكاملة التى اضطلعت بها المرجعية الدينية في عام 1920 ، التى اثرت بشكل واضح في الحياة الفكرية والسياسية ، بل وتعتبر نقطة الانطلاق الحقيقية والفعلية لبناء الدولة العراقية حديثة آنذاك •
حطمت المرجعية الدينية رهانات امريكا ، و بددت أحلامهم وآمالهم ، ورفضت رفضا قاطعا إدارة البلد بقانون مؤقت وبدستور معلب ، ومنعت كل أشكال استخارة قوات الاحتلال ، واغماض العيون والمشي خلف ما اختاروه لنا ، واكدت على أن العراقيين يملكون القدرة على كتابة دستور عام وشامل ، شرط أن يطرح على عامة الشعب للاستفتاء عليه ، وبيان مدى صلاحيتة من عدمها ، ونبذت العنف والطائفية باعتبارهما حصبة الجنس البشري ، ولمحت على ان دراسة السلام افضل من دراسة الحروب ، وارادت ان تقول لنا إن كنتم تأمنون ببلدكم وتطمحون إلى ان يصبح لكم قدر كبير وقيمة عظيمة ومكانة مرموقة بين الشعوب والأمم الأخرى فاحسنوا أختياراتكم •
واكدت على رفضها القاطع لكل القرارات التى تؤخذ في أروقة وتحت قبة البرلمانات الغربية ، والتي تخص الشأن الداخلى العراقي من دون الرجوع والمرور بالحكومات العراقية ، وحرصت على إيجاد تنسيق عالي المستوى بين السياسين بمختلف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية ، من جهة وبين القوات الأمنية بمختلف صنوفها •
هذا ولا تزال فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها مرجعية السيد السيستاني رضوان الله عليه، مناسبة مقدسة لدى جميع العراقيين ، لما أحدثته من تجسيد لمعنى الانتصارات الحقيقية على الارهاب الطائفي وقوى الاستكبار العالمي ، فشخصت الخلل وإعادة التوازن للتشكيلات العسكرية ولملمة الاوراق وإعادت ترتيبها من جديد ، وفق رؤية جديدة بأليات عمل جديدة ، نقلت العراق من خانة الفشل الذريع لخانة الشجاعة والاقدام والقوة •