
تقديم
أثناء أنشاره في العراق وسوريا، قام تنظيم داعش الإرهابي بتفجير مسجد نبي الله يونس في نينوى بالموصل، كما هدم ضريح الصحابي الجليل حجر بن عدي في سوريا، (وما أدرانا كيف قُتل حجر)، وهدم غيرهما في المناطق التي سيطر عليها، هذا بخلاف القتل والتهجير والاغتصاب مما هو معلوم، وينسبون كل القتل وهدم الأضرحة لله والرسول، ولو تمكن السلفيون من الحكم لهدموا كل الأضرحة والتماثيل.
على كل حال من وجه نظر التنظيم الإرهابي هو محق في ذلك، لأنه يوجد أحدايث في كتب الصحاح تنص على حرمة زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وأن لعنة الله على هؤلاء الزائرين، مما حدا بأحمد بن تيميه الحرّاني أن يفتي في الفتاوى الكبرى أن من يقصد زيارة قبر النبي فهو مشرك أو على معصية، مستندا على الأحاديث وما ورد عن عمر بن أنه قطع شجرة بيعة الرضوان عند الحديبية عندما وجد الناس يتبركون بها، رغم أن النبي نفسه لم يقطعها ولم يأمر بقطعها، ولذا لم يؤثر عن شيخ وهابي أو مفتي أنه زار القبر الشريف.
وعموما هي الأحاديث والفتاوى التي جعلت الوهابيين يهدمون كل ما يثبت وجود نبي كريم وصحابه في الحجاز المقدس.
فقد هدموا البيت الذي ولد فيه والبيت الذي تزوج فيه أمنا خديجة عليها السلام، وسووا شعب أبي طالب بالأرض، وأزالوا معظم جبل الرماة وردموا الخندق، وقطعوا النخل الذي زرعه لسلمان الفارسي وقد ظل مثمرا حتى عام 1926، وغيروا كل معالم المدينتين، وسارت تنظيمات القاعدة وداعش وأبو مصعب الزرقاوي ومعهم شيوخ السلفيين في كل مكان على درب تفاسير الوهابية والأحاديث التي وردت في كتب الحديث النبوي .
أحاديث شد الرحال
ولو أردنا الرجوع لأحاديث منع الصلاة في المساجد التي بها قبور، نجد الحديث الذي أخرجه البخاري، جاء فيه “حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن هلال عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه آله وسلم قال في مرضه الذي مات فيه لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا، قالت ولولا ذلك لأبرزوا قبره غير أني أخشى أن يتخذ مسجد”.
ولو تأملنا الحديث لوجدنا فيه تناقضا، حيث لا يوجد قبر للمسيح، او قبور لأنبياء بني إسرائيل، وإذن فالمسيحيون لا يصلون في مساجد، أما اليهود فلم يؤثر عنهم أنهم لم يصلوا في الهيكل حيث لا يوجد قبور أنبياء فيه.
إن المسجد هو مكان خاص بالمسلمين، ومصطلح المسجد ضروري أن تكون الصلاة بها سجود، وصلاة اليهود والنصارى ليس بها سجود، والآية القرآنية 21 في سورة الكهف قالت “قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا”، والمرعب أن الوهابيين قالوا عن إنهم الكفار الذي بنوا على أهل الكهف مسجدا، ولكننا لا نتصور أن يبني كافر مسجدا أو أي دار عبادة.
والآية تؤكد أن أهل الكهف لم يكونوا مسيحيين أو يهود، ربما كانوا من الحنفاء الإبراهيميين حيث يوجد صلاة بها سجود كما عند المسلمين، وذد ذكر الله تعالى كلب أهل الكهف بالخير وأنه من الموحدين، ثالثهم كلبهم وخامسهم وثامنهم، ونام معهم ثلاثة قرون ولم يمنع الملائكة من النزول للمؤمنين في الكهف…
أما حديث ” لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى “، وهو حديث متفق عليه، يتناقض مع ما ورد عن ضرورة شد الرحال لمسجد قباء والذي صرح القرآن بمباركته وفضل زيارته ولا تكون الزيارة إلا بشد الرحال إليه، قال تعالى ” لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين”، ولا يمكن التوفيق ولا التلفيق بين النص القرآني وما ورد في حديث شد الرجال، فلو كان الحديث صحيحا لقال الني لا تشد الرحال إلا لأربعة مساجد وليس ثلاثة بعد إضافة مسجد قباء المذكور بأنه مسجد أُسس على التقوى في الآية القرآنية.
وهناك حديث آخر في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فقال : أيكم يأتي بالمدينة فلا يدع فيها وثنا إلا كسره ولا صورة إلا لطخها ولا قبرا إلا سواه ؟ فقام رجل من القوم فقال : يارسول الله أنا فانطلق الرجل فكأنه هاب أهل المدينة فرجع، فانطلق الإمام علي فذهب ورجع فقال : ما أتيتك يارسول الله حتى لم أدع فيها وثنا إلا كسرته ولا قبرا إلا سويته ولا صورة إلا لطختها فقال النبي صلى الله عليه وسلم من عاد لصنعة شئ منها فقال فيه قولا شديدا..”.
ولو تأملنا الحديث لوجدنا فيه تناقضا كبيرا أيضا، أولا أين كانت الجنازة؟، بالطبع لم تكن في مكة المكرمة، فالرسول عليه السلام لم يكن حاكما آمرا ناهيا فيها، ومن ثم تكون الجنازة في المدينة المنورة، والمدينة لم يكن بها أوثان على الإطلاق نظرا لوجود اليهود فيها ومعرفة أهل المدينة بحرمة الأوثان، ثم أين كانت أرض الجنازة؟ الجنازة في البقيع المجاور للمسجد النبوي، فكيف ذهب الرجل ثم عاد ثم ذهب علي بن أبي طالب وحارب وكسّر الأوثان ومحى الصور وسوى القبور بالأرض والجنازة لم تنتهي، أليس هذا استخفاف بعقول المسلمين على طول تاريخهم المتعب والمثقل بأحمال الفقهاء ومخرجي الأحاديث؟!
أما ما جاء في تفسيرهم بأن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا المذكورين في سورة كانوا عبدا صالحين وبنيت لهم أصنام، فهي تؤكد أن عقولهم صارت مثل الأوثان، فلا يتخيل مسلم أو غير مسلم أنه يوجد تمثال لولي أو صالح فوق قبره، هي إذن أضحوكة مميته وكم هي المضحكات المبكيات على رأي أبي الطيب المتنبي.
ولكن والحق يقال إنه إذا كان الوهابيون قد اتخذوا هذه الأحاديث حجة لهدم المساجد ومنع زيارة قبور الصالحين، فإن الأزهر الشريف وأهل الصوفية أولوا هذه الأحاديث، فمثلا قالوا إن أن المفصول تحريم أن يترك المسلم القبلة ثم يصلي تجاه القبر، وهو قول مقبول بسبب اعنماد الأزهر الشريف على التأويل المنقي، ووصل لدرجة ممتدة من الصحة والقبول.
زيارة المراقد عند أهل البيت (ع)
اختص الشيعة بصورة عامة على تحليل وحث المسلمين على زيارة القبور (قبور النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام، ومرد كل ذلك إلى وصايا الأئمة، وحثهم شيعتهم على الزيارة، وترغيبهم فيما لها من الثواب الجزيل عند الله تعالى، باعتبار أنها من أفضل الطاعات والقربات بعد العبادات الواجبة، وباعتبار أن هاتيك القبور من خير المواقع لاستجابة الدعاء الانقطاع إلى الله تعالى، وجعلوها أيضا من تمام الوفاء بعهود الأئمة عليهم السلام، (إذ أن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته، وأن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة)، وهم يتفقون مع أهل السنة ما عدا المتطرفين من السلفيين والدواعش وغيرهم..
آداب زيارة المراقد المقدسة
لا يوجد نص تحريمي تطرفي للمراقد المقدسة للنبي ولأهل البيت، ، بل بالعكس، توجد أحاديث كثيرة تحض وتحث المسلمين على زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله، بالإضافة إلى زيارة قبر أمير المؤمنين وقبر سيد الشهداء الإمام الحسيين عليه السلام، وغيره من الأئمة والصالحين من أتباعهم.
ولذلك فقد حرص الأئمة على وضع ضوابط شرعية للزيارة المقدسة للمراقد الطاهرة، نذكر على سبيل المثال زيارة المرقد الشريف للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روى محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان وابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها ثم تأتي قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتسلم على رسول الله ، ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر، فإنه موضع رأس رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، وتقول: ( اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، واشهد أنك رسول الله، وانك محمد بن عبد الله، واشهد انك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لامتك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله حتى آتاك اليقين بالحكمة والموعظة الحسنة، وأديت الذي عليك من الحق، وانك قد رأفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين، فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين، الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة، اللهم فاجعل صلاتك وصلاة ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وخاصتك وصفيك وصفوتك وخيرتك من خلقك، اللهم اعطه الدرجة وآته الوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم انك قلت: “وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا” واني أتيتك مستغفرا تائبا من ذنوبي، واني أتوجه بك إلى الله عز وجل لربي وربك ليغفر لي ذنوبي ). وان كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي صلى الله عليه وآله خلف كتفيك فاستقبل القبلة وارفع يديك وسل حاجتك ..
هذه هي آداب زيارة مرقد النبي وأهل بيته عليهم السلام، وهي زيارة ملتزمة بالخلق الحسن والسلوك القويم والشريعة المحمدية، وتعلي من شأن المسلم، فهي من شمن أسس الدين، لا شبهة تحريم فيها.
كما نرى أن زيارة قبور الأنبياء والأوصياء والصالحين من ضمن شعائر الله، وأنه لا يُوجد نص قرآني أو حديث يتفق مع القرآن يحرّم زيارة المراقد المقدسة، فهو حلال منطقي يقوم على دعائم قرآنية وسلوك نبوي شريف، أما الحرام فهو التحريم التطرفي للزيارات المقدسة …