مع بداية العام الجديد لابد ان نراجع بعض الامور التي نستعملها بوعي او من دون وعي احيانا. مثلا بين ما هو مرحلي وبين ماهو استراتيجي او بين الكلي والجزئي او بين ما هو مرحلي او مستقبلي . لاننا نلاحظ ان هناك من يستغرق في الشكليات والاجراءات وتغيب عنه الرؤية السياسية البعيدة المدى . ان الكثير من ردود افعالنا تقوم على الفعل ورد الفعل ولا تقوم على تحليل موضوعي او اجرائي او تفكيكي او من خلال سياسة مختلفة . السبب هو اننا نهتم بالشكل بعيدا عن المضمون . لكل ظاهرة اسباب ومسببات ‘ نحن نستغرق كثيرا بالتفاصيل من دون ان نهتم بجذور ومسببات تلك الظاهرة او على الاقل نحاول استدعاء تفاصيلها المهمة والاساسية . غالبا ما نهتم بالنظرة العابرة للامور من دون ان تكون لدينا نظرة معمقة والسبب في ذلك يعود الى مجموعة عوامل منها ما هو تربوي ومجتمعي اضافة الى طرق ونوعية التعليم والبيئة الحاضنة . سنوضح ابعاد كل عامل من تلك العوامل واسقاطاته على السياسة العامة . لابد ان نؤكد ان التربية الواعية تسهم الى حد كبير في تشكيل الشخصية ونواتها ولدينا امثلة كثيرة تشير الى طرق التربية سواء كانت تربية حادة ام صارمة او كانت تربية ثقافية ام دينية ام عقائدية قائمة على المواعظ والعبر ‘ تلك العوامل تساهم في تشكيل بيئة الطفل منذ السنوات الاولى لحياته . قد تؤثر صرامة الاب او الام على الدفع بالطفل نحو اتجاه معين ولا تظهر هذه الاثار ( السلبية او الايجابية ) على الطفل بشكل مباشر انما تبدأ اسقاطاتها عليه عندما يكبر وينضج ويصبح شابا ‘ في مواجهة ظروف الحياة والاحداث والمواقف . اما عن التعليم فهذا له علاقة بهندسة العقل ويمكن للانسان ان يتعرف على الاخر من خلال حوار سريع ليعرف نوعية تعليم هذا الشخص ‘ سواء كان تعليمه مدنيا ام دينيا ام ادبيا ام علميا وعليه فأن التعليم يجدول وعي الانسان . عادة ما تكون مناخات المجتمع في مرحلة معينة لها تأثير على مكونات ( العقل الجماعي ) . على سبيل المثال ‘ المناخ السياسي لزمن الملكية في العراق يختلف عن المناخ السياسي لزمن الجمهورية . كل زمن له ثقافته وهذه الثقافة تنعكس على شكل العلاقة بين الفرد والمؤسسات وهذا الامر ينسحب على الادباء والشعراء والمفكرين حيث تختلف اساليب تناولهم للموضوعات وخصوصا ما له علاقة بالخطاب السياسي وبدل ان ينهمك الناس بالحديث عن التفاصيل الكبيرة تجدهم ينشغلون بالعناوين الجانبية فقط . اما الحاضنة الاجتماعية وهي النقطة المعقدة في حياة معظم الشعوب ‘ فالموضوع الاجتماعي ينعكس على طبيعة حركة الفرد داخل المجتمع والبيئة التي خرج منها . انني اتناول هذه القضية من اجل القاء الضوء على جدلية العلاقة بين المؤسسة والانسان ‘ وبين الانسان والدولة . وبين التابع لسياسات الدولة وبين من يصنع تلك السياسات ‘ كما هي دعوة مفتوحة للتفكير من اجل وضع رؤية شاملة ومتكاملة بعيدا عن النظرة الضيقة والمحدودة . كذلك اتطلع الى اعادة مراجعة ( منهج العقل ) من خلال الافكار التي طرحناها لكي يصبح ذلك العقل معنيا بالسياسات العامة للدولة قبل الشروع بأي اجراءات فرعية . اننا من خلال كتاباتنا نتناول رؤيتنا للمستقبل بعد ان اكتشفنا طبيعة العلاقة بين العقل المشرقي والعقل الغربي . وتلك عوامل مهمة ومؤثرة في ان نقف على ارضية وطنية مشتركة بين جميع اصحاب الفكر والرأي والموقف والقناعات . لا يتحقق ذلك من دون الانتقال من الرؤيا الاوسع الى الرؤيا الاضيق من اجل ان نستشرف المستقبل ونرى الضوء في آخر النفق رغم كل التحديات والصعوبات والازمات التي نمر بها .
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
-
بلا تحفظ ولاخطوط حمراءيناير 21, 2024