الديمقراطية مصطلح نشأ في نهاية القرن التاسع عشر ‘ تم اشتقاقها من الصالح العام وبعض القضايا المدنية وكان لها موقف من الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمسؤولية واحترام القوانين والحريات وفصل السلطات واستقلال القضاء والتبادل السلمي للسلطة . في القرن العشرين تغير فهم الديمقراطية من خلال تطور الوعي وترجيح كفة العلم على القوة والعنف وفهم الظواهر بأسبابها . لكن كيف يمكن ان تحقق الديمقراطية وانت لا زلت تؤمن وتطبق مفاهيما وقيما واعرافا جامدة وصلبة وتراثا بدويا له قواعد ثابتة نفسيا ومجتمعيا اضافة الى الطقوس والاساطير القيمية السائدة . على اي اساس يتقبل المجتمع تطبيق الديمقراطية وهو يعيش في مناخات وبيئة من الشعارات والخطب والاسماء والرموز والعقائد والايديولوجيات والاكراه والالغاء ‘ فضلا عن كثرة المرجعيات الثقافية والفكرية والاجتماعية والدينية . لقد اثبتت التجارب السياسية ان من يدعون الليبرالية والديمقراطية هم اقل الناس تطبيقا لها ‘ خاصة بعد تجربة الحكم والسلطة ‘ بحسب الخلفيات الاجتماعية والعقائدية والنفسية . لكن هل يمكن لثقافة مستبدة بالراي والفكر والمنهج ان تقتنع بالديمقراطية على مستوى التطبيق ؟ من السياق العام نستطيع ان نفهم ان الديمقراطية ليست مرتبطة بما هو علماني او متدين ( ديمقراطي او غير ديمقراطي ) لانه ممكن ان يكون متدينا وهو ممكن ان يكون علمانيا لكنه فاشي . لدينا موروثات تاريخية قديمة تؤثر بالضرورة على الناس وبموجب تقسيمات عرقية وطائفية وقبلية وعشائرية ‘ نسقط تلك التقسيمات على السياسة ونحدد على اساس ذلك ما نكرهه او نحبه . توجد الكثير من التيارات الوطنية الاسلامية تشتق برامجها من فكرها الاسلامي وبموجب النظريات الديمقراطية لا توجد مشكلة خاصة عندما يديرون الدولة على اساس المبادىء الاساسية لادارة الدولة بما في ذلك احترام المواطنة والحرية وفق هذه القضية بغض النظر اذا كانت هذه المبادىء موجودة في الدستور ام لا. لكن لازال لدينا مشكلة في فهم مفهوم الدولة ‘ من حيث اننا نقسم الاخرين من خلال تقسيمات هوياتية وليست تقسيمات ديمقراطية . الناس عادة ما تبحث عن علاقة وتصالح بين مفهوم الدولة وبين مصالحهم كمواطنين وهوياتهم الثقافية العميقة وعاداتهم . لابد ان نعرف ان التيارات الاسلامية ليست فقط حالة شعبية ولكن هي تيارات لها قدرة واضحة على الصمود والتحدي في ظل كل الانقلابات التي حصلت والاعدامات والسجون ‘ بل اثبتت قدرتها السريعة على ان تتحول الى احزاب دولة ‘ وليس فقط ان تبقى في الظل كمعارضة . ادركت بعض هذه الاحزاب ان الدخول للدولة يتطلب تغيير العقلية والوعي بمعنى تغيير وبرمجة العقل من حزب معارض الى حزب يحكم دولة. وقد اثبتت بعض التجارب السياسية لتلك الاحزاب ان الاسلام لا يمكن ان يكون عقبة امام الديمقراطية ‘ بين انماط التدين المختلفة ( شعبية ‘ منفتحة ‘ جماهيرية ‘ مؤسسية ) وبين الديمقراطية . في الديمقراطية انت تحتاج ان تعترف بالتعددية المجتمعية القائمة على اساس المواطنة والحرية والتداول السلمي للسلطة . وعلينا ان لا ننسى ان الديمقراطية تأسست على اساس من المبادىء الاجتماعية والفكرية والاقتصادية وفي مناخات من الامن والعدالة والحقوق والتعليم الرصين . بلا شك سنضيع الوقت لو تحدثنا عن ديمقراطية من دون مقومات عصرية او قوى اجتماعية فاعلة . لانه في نهاية المطاف من يمتلك خيوط التفاعل هو المجتمع . وبما ان المجتمع مكون من مجموعات فكرية ودينية وعرقية وسياسية وثقافية ‘ لابد لهذا المجتمع ان يؤمن ببعض المبادىء الاساسية منها :
اولا : قبول الاخر والتسامح مع الخلافات والتعاون للوصول الى حلول ترضي الجميع حيث الكل رابح
ثانيا : اثناء الانتخابات الحرة والنزيهة وفي حالة فوز الاغلبية لابد ان تحترم حقوق الاقليات على قدم المساوة بين الجميع حسب الدستور
ثالثا : على الحكومة المنتخبة ان تكون شفافة في عملها وفعالة في ادارة شؤون البلاد ومواردها المختلفة ومتجاوبة مع متطلبات المجتمع .
رابعا : لابد لكل مواطن ان يثقف نفسه ثقافة ذاتية بشأن توجهات المرشحين وسياساتهم وما يفكرون به حيال المواطنين.
خامسا : يلعب الاعلام دورا مهما في العملية الديمقراطية من حيث انه ممكن ان يكون رقيبا منصفا حول اداء المسؤولين من خلال اعداد التقارير الاعلامية وكتابة المقالات التي تكشف مواضع الخلل ومواطنها وتطرحها للرأي العام وترك المجال مفتوحا لكل مسؤول ان يتحدث عن برنامجه وسياساته للناس.