ثقافيةعراقية

الاهداف المتحققة من الحرب الناعمة

بقلم : عبد الرحمن المالكي

خلال مشاهدتي شاشة قناة الميادين الفضائية وفي لقاء مع احد المتظاهرين آنذاك في الحراك الشعبي لعام 2019م, يقول: إن الخطأ الذي ارتكبه عادل عبد المهدي هو ذلك الاتفاق الذي أبرمه مع الصين لتطوير البنى التحتية للعراق مقابل عقودٍ نفطية آجلة بمبلغ 500 مليار دولار، ويضيف (المتظاهر) : كان على عبد المهدي أن لا يغضب أمريكا بمثل هذا الاتفاق، وهي التي خسرت في حروب العراق مليارات الدولارات، كما لم يتردد ذلك المحسوب على ( المتظاهرين العراقيين) أن يكمل قوله : إن ذلك أحد أسباب تحريك الشارع العراقي ضد حكومة عبد المهدي.

صدق المتظاهر لان الحرب الناعمة التي استخدمتها امريكا اكلت ثمارها في التاثير واستمالة عقول الشباب وغرس افكار وتوجهات وثقافات جديدة  خارج نطاق الروح الوطنية والمعتقدات المجتمعية والعقيدة الدينية بوعود ناغمت فيه حاجاتهم بكل اريحية وباتوا يحلمون بان يكونوا وسط المجتمعات الغربية ليمارسوا حقوقهم وانحرافاتهم ورغباتهم دون رقيب او رادع مثل الذي يحكم مجتمعاتنا العربية.

ولكم ان تتصورا كم حجم هذا التأثير الكبير الذي يجعل  شاب عراقي يفكر بهذه الطريقة ولا يؤيد تصرف رئيس حكومته لبناء الدولة الذي اغضب الامريكان، نعم, حركت امريكا الشارع كما وعدت وقد صرح بذلك السيد عادل عبد المهدي بعد استقالته بأن الامريكان هددوه اذا لم ينسحب من الاتفاقية سيحرقون الشارع وتحقق وعدهم وتحقق هدف القوة الناعمة.

إن هذه القناعة بهذا الشكل الفج لم تأت من فراغ فقد تعرض غالبية الشباب لعمليات ترويض جعلتهم يعتقدون بان الأمريكيين قادرين على كل شيء يريدونه ،وينطلق في هذه الرؤية من قناعة سلبية خطيرة استوطنت عقولهم وانعكست على تصرفاتهم ومواقفهم ومالت اليه الامور، وكم هي المرات التي اكدنا فيها بكتاباتنا ومقالاتنا وندواتنا ولقائتنا على زرع الافكار في عقول شبابنا واحتضانهم واستيعابهم قبل ان يتم خطفهم والتأثير عليهم ليكونوا اداة مسيرين غير مخيرين من خلال استخدام القوة الناعمة عليهم.

نعم, ان أمريكا قد نجحت في بناء قناعات خطيرة لدى كثير من الجماهير من خلال الحروب الناعمة التي شنتها وتشنها على بلدان العرب والمسلمين.

الحرب الناعمة ساحتها  بعيدة عن ساحات الحروب التقليدية، وبعيدة عن استخدامات الاسلحة الثقيلة والدبابات والصواريخ والراجمات والغواصات الحربية.

الحرب الناعمة, هي اسلوب جديد يخاطب الناس، ويزرع فيهم افكارا جديدة، ويغير من توجهاتهم وقناعاتهم ويتلاعب، بعقائدهم وافكارهم، ويغير بوصلة اتجاههم، ويكسب ودهم ورضاهم، تحت عناوين شتى، واولها حرية الانسان وحقوقه، والنظام الديمقراطي والحضارة والتطور، مما يولد لديهم  نقمة على اوضاعهم داخل بلدانهم وعلى الوضع العام فيه، وبالتالي خلق مشكلة كبيرة وهي العنف وعدم الرضا بما تقدمه الحكومات ، اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ان غالبية طبقة الشباب ولدت في مرحلة التحول العلمي والتقني والتكنلوجي وصار جزءا من حياتهم المعاصرة .

ومع تطور استخدامات الانترنيت ووجود منظمات مدنية وانسانية دولية, تدعي لنفسها تعمل وتتحرك دون رقيب او حسيب لأعداد الشباب في المجتمع على الطريقة الغربية، دون مراعاة القيم الانسانية والاسلامية من خلال دورات وسفرات ومؤتمرات من كلا الجنسين بحجة اعداد قادة شباب، وهؤلاء القادة الجدد مرسوم لهم الايمان بمفاهيم جديدة ، ويحملون افكارا جديدة ، ويرفضون كل القيم السائدة في مجتمعهم بل ويحاربونها ويسقطون القدوة والابطال والقادة والمرجعيات.

وكل هذا تابعناه وقد تحقق هدف القوة الناعمة في العقول وخير دليل قتل شخصيات في الحشد الشعبي وكذلك منع مرور المشيعين لجثمان الشهداء القادة في محافظة ذي قار والتطاول على مقام المرجعية الدينية.

المثال الاخر لتأثير القوة الناعمة في عقول المستهدفين والمتأثرين بها، عقد مؤتمرا للتطبيع في كورد ستان تحت عنوان (السلام والاسترداد وهو نتاج الحرب الناعمة التي عمل عليه الكيان الصهيوني من خلال قنواته الاعلامية وارسال رسائل استمالة وتغيير القناعات بحجة الدعوة الى ”  اتفاقيات أبراهام”، والانضمام لها  ودعوا  للتطبيعٍ الكامل للعلاقات مع إسرائيل وتبني سياسة جديدة للتنمية والازدهار”، واتفقوا على انه لا توجد قوة محلية أو أجنبية ستمنعهم من التقدم إلى الأمام.

تابعنا كذلك الربيع العربي والتظاهرات في البلاد العربية، والحراك الشعبي العراقي في تشرين انموذجاً بعد ان انحرفها عن اهدافها, فكان من نتائجها استهداف القادة والاساءة للحشد الشعبي ومس المرجعية الدينية وعنف لا حدود له وتجاوز على رجال الامن وهذه الاهداف مرسومة ولكن لا نشمل الجميع منهم ، كل هذا حصل بحرب ناعمة استطاعت ان تقيل حكومة عبد المهدي وتغير قانون الانتخابات والمفوضية وفرضت انتخابات مبكرة، نعم نجحت الحرب الناعمة دون خسائر وحصلت على ثمار جهودها داخل البلدان واوتيت اكلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى