ثقافية

الجدارات الوظيفية

بقلم: خالد جاسم الفرطوسي

 

إذا ما أرادت أي منظمة أن تحقق نجاحاً خلال مسيرتها المهنية، فلابد حينها من الالتزام بالنظم والبرامج الإدارية، وعلى رأس هذه الأولويات يقف (التخطيط)، ثم تتسلسل بعده الأولويات الأخرى.

ما يأتي بعد عملية التخطيط كتسلسل عملياتي وأهميةً هو التنظيم، وأحد عملياته وأهمها هو ما يتعلق بالموارد البشرية للمنظمة.

ومن ضمن العمليات المهمة في الموارد البشرية هو الاختيار، أي اختيار تعيين الموظفين الجدد.

فهذه العملية لابد أن تتبع خطوات علمية معينة ومحددة بمناهج رصينة، يا للأسف نرى في كثير من المنظمات عدم وجود لهذه العملية أساساً، فيتم الاختيار على أساس القربى والوساطات الأخرى، وأن تم وحدث اختيار موظفين جدد بطرق علمية، فستجد أنها قديمة وغير مجدية في الغالب.

المناهج العلمية الرصينة في مجال اختيار الموظفين الجدد وتعيينهم تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول، وهو الشائع ما يعرف بتحليل المبتدئين، وهو يتم عبر تحليل الوظيفة، ثم تصميمها، ثم العمل على إجراء وصف للوظيفة، يتخلل هذه العمليات الرئيسة عمليات فرعية.

القسم الثاني، هو تحليل المحترفين المعروف بالجدارات الوظيفية، الذي تتبعه القليل من الشركات والمنظمات، ويقف في طليعة من يستخدمه شركة Google وشركة Apple وغيرهما من الشركات العملاقة.

وما استخدامهما لتحليل المحترفين، إلا للنجاحات المستمرة والكبيرة التي تحققت بفضل اتباعهما لتحليل المحترفين.

موضوع بحثنا الموجز هنا هو ليس للتعريف بتحليل المبتدئين، ذلك أننا تطرقنا إليه في كتاب مستقل.

هنا نريد البيان بشكل موجز بالتعريف بتحليل المحترفين والأهمية التي يحققها.

وهذا ما سنعمل على إيضاحه في السطور التالية ببيان يسير وواضح وموجز، ليبحث عنه بشكل موسع من أراد الخوض فيه.

إذا ما أرادت أي منظمة العمل بتحليل الوظائف من خلال الجدارات الوظيفية، أي تحليل المحترفين، وليس تحليل المبتدئين، فعليها أن تعرف أقسام الجدارات التي ينبغي توفرها بحدود أو مؤشرات معينة في شاغل الوظيفة.

حتى سنوات قليلة ماضية، كانت متطلبات المرشح الأمثل للوظيفة مختلفة عن متطلبات اليوم من حيث الأولوية، إذ كانت الشهادة العلمية والتخصص المطلوب هما رقـم واحد؛ أما اليوم، فالمهارات هي المطلوب الأول.

وبدلاً من سؤال المرشح عن الجامعة التي تخرج فيها والشهادة التي يحملها، صار السؤال الأول عن المهارات التي يمتلكها، وتغير بناءً على ذلك ترتيب المعلومات في السيرة الذاتية ليبدأ بالمهارات أولاً.

لقد أصبح اهتمام المنظمات بما يعرفه المرشح عملياً وليس نظرياً، ولم تعد الشهادة العلمية التي يحملها تضمن مواكبة مهاراته للحظة الراهنة، ليس بسبب التشكيك بمخرجات التعليم ومدى قربه من الحياة العملية، بل بسبب تسارع التطورات التكنولوجية، وتسارع تغير نماذج العمل وتطورها، وتسارع التغيير في طبيعة العملاء المحتملين للمنظمة وطرق التواصل معهم، وتغير المهارات المطلوبة بناءً عليه وتطورها.

وقبل سنوات قليلة، كانت الخبرة تتصدر الأولوية في السير الذاتية وأسئلة مقابلة العمل، لكنها اليوم أصبحت محل تساؤل، فالخبرة الطويلة تتطلب تحققاً من طبيعة المرشح؛ هل هو شخص مواكب للعصر؟ هل هو شخص “ديجيتال” يستطيع استخدام التقنيات الحديثة، ويستطيع العمل بأسلوب رشيق يتطلب التغيير والتجريب المستمر، أو أن صاحب الخبرة شخصية جامدة متمسكة بالتقاليد التي عادت غير صالحة للعمل في هذا الزمن.

وبحسب كريس لوبس، صاحب كتاب “أسرع من قدرتنا على التفكير”، فقد كانت الخبرة موضع تقدير عام 1997، لكن بدءاً من عام٢٠١٧ أصبح الشباب موضع تقدير. ولا يرتبط الشباب بالعمر الزمني، بل يرتبط بالقدرة على التجديد والابتكار والمواكبة.

وحتى سنوات خلت، كانت أعمالك التطوعية ومبادراتك لا تذكر في السيرة المهنية، ولا يسألك عنها أحد، بل ربما كان البعض يعتبرها تضييعاً للوقت، لكنها اليوم أصبحت ركناً أساسياً، تكتشف من خلاله المنظمات مدى اهتمامك بمن حولك ومدى انتمائك لمجتمعك وسعة أفقك.

وأصبحت المنظمات تستنتج منها جوانب مهمة لتقييم شخصيتك ومستقبلك كجزء من مجتمع المؤسسة، وتحولها المستمر، وتريد الاستفادة من هذه الروح المبادرة في تحسين العمل.

وحتى سنوات قليلة، كانت أسئلة مقابلة العمل تقتصر على أسماء المنظمات التي عملت لديها، والمناصب التي تقلدتها، لكنها اليوم تسأل بالتفصيل عن قراراتك التي اتخذتها والمشكلات التي عالجتها وكيف، بل باتت تعطيك نماذج محاكاة لحالات مرت بك، أو قد تمر لتستكشـف كيف تفكر فيها، والخطوات المنهجية التي تتبعها في المعالجة واتخاذ القرار.

لقد كان الاستمرار في عمل لمدة طويلة ميزة تنبئ بالاستقرار المهني، لكنه اليوم لا يمثل ميزة، بل بات ذلك محل تسـاؤل، لأن الجميع يعرف أن جيل الألفية وما بعده، أصبح يميل إلى تغيير مكان عمله بشكل أسـرع، وهذا أمر طبيعي ناتج عن سرعة التغيير في نماذج الأعمال، ورغبة الشباب في البحث عن تحديات جديدة وتجارب تحقق ذواتهم.

وعندما تكون مُعمراً في منظمة واحدة، فإن السؤال التالي هو عن مدى تطور عملك وتغيره داخل هذه المؤسسة، فإن كنت ممن تنقلوا بين المهمات وكسروا جمود الوصف الوظيفي، فأنت ممن تفتح لهم الأبواب.

يختصر كثيرون من قادة الأعمال والباحثين في هذا المجال ما يحدث اليوم في متطلبات المرشح الأمثل، بأنه الشخص “ذو الإمكانات” (Potential). هذا الشخص ذو الإمكانات هو المطلوب رقم واحد اليوم في عالم الأعمال.

وعلى أساس هذا التغير المطلوب في عالم الأعمال فقد قام علماء الإدارة بتقسيم الجدارات الوظيفية إلى خمسة أقسام، تم تحديدها بالآتي:

 

  1. الدوافع: هي الأمور والأشياء التي يفكر الفرد أو يرغب فيها باستمرار، والتي تتسبب في إقدامه على تصرف ما دون سواه. وبالتالي تقوم الدوافع باختيار السلوك وقيادته وتوجيهه نحو أفعال وأهدافٍ معينة، وبعيداً عن أهداف أخرى. مثل: دوافع الرغبة في الإنجاز، أو دوافع حب السلطة.
  2. الوعي: أي الخصائص المادية والاستجابة المتسقة للظروف أو المعلومات، مثل: زمن الاستجابة وقوة الإبصار، تعتبران للطيار المقاتل من الصفات المطلوبة والمؤكدة، ومثل دقة الرؤية تعتبر من الصفات المطلوبة للقادة والمدراء.
  3. المفهوم الذاتي: وهو توجهات الفرد، وقيمه، أو صورته الذاتية، مثل: الثقة بالنفس، أي اعتقاد الشخص أن بإمكانه أن يكون فعالاً في أي حالة تقريباً.
  4. المعرفة: هي المعلومات التي يمتلكها الشخص في مجال معرفي معين، مثل: معرفة الجراح بالأعصاب والعضلات في الجسم البشري، أو معرفة رئيس فريق التخطيط بنماذج التخطيط العالمية، ونحو ذلك.
  5. المهارة: هي القدرة على أداء مهمة ذهنية أو مادية، مثل: واحدة من المهارات المادية لطبيب الأسنان هو أن يقوم بحشو الضرس بدون أن يتلف العصب، وواحدة من المهارات المطلوبة في القائد هي سعة الصدر أو القدرة على اتخاذ القرار.

بمراعاة أقسام الجدارات الوظيفية والمقدمة اليسيرة عنها يتضح أن على كل من يريد أن يعمل بتحليل المحترفين أن يصمم بطاقة تتلاءم معه بشكل أساس، على أن تضم المعلومات الأخرى التي تتطرق إليها عملية تحليل المبتدئين، حيث أن في الأخير أساسيات لا يمكن الاستغناء عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى