
مقدمة:
شكل الحشد الشعبي منذ تاسيسه انوذجا للتعبئة الشعبية العامة للدفاع عن البلد وحمايته من الانهيار , وقد ساهم هذا الامر من ناحية التفكير الاستراتيجي باعادة النظر في رسم المخططات التي سعت التنظيمات الارهابية الى تحقيقها , اذ ادركت الاطراف القائمة على عملية التخطيط لهذه التنظيمات الارهابية اهمية التصدي وبكل قوى لنموذج التعبئة هذا خصوصا بعد الدور الكبير الذي قام به الحشد في تغير موازين القوى لصالح القوات العسكرية والامنية . هذه الادوار لا تتفق و الاستراتيجية الامريكية ففي هذه الاستراتيجية ان أي قوة شعبية تتولد من رحم الشعب وتحمل الولاء الوطني تتعارض مع الاهداف والمصالح الوطنية للولايات المتحدة الامريكية سواء على اراضيها او خارجها, وتعدها قوة مليشياوية غير نظامية ودكتاتورية ( مليشيات طائفية قومية اسلامية متطرفة . والحشد كقوة انبثقت من رحم الشعب بكل مكوناته تحمل الهوية الوطنية كنتيجة للترابط الاجتماعي بالمشاعر والاحساس والمصالح الوطنية هذه القوى اثارت مخاوف الولايات المتحدة الامريكية .ولذلك سوف نتطرق في هذه الورقة البحثية الى استراتيجية الولايات المتحدة المستقبلية للحشد الشعبي وفقاً للفقرة الاتية .
اولا: تجميد نمو الحشد الشعبي : ان تنامي قوة الحشد الشعبي سواء السياسية او العسكرية يضعه امام العديد من المشاريع والمخططات التي تهدف الى اضعافه وتقويضه , ومن اهم هذه المخططات التي تستهدف نزع سلاح الحشد وتسريح عناصره ودمجها مع القوات العسكرية النظامية للدولة العراقية , هو المخطط الامريكي البريطاني الذي عرف بنظرية ( نزع السلاح , والتسريح , واعادة الاندماج . ان الولايات المتحدة الامريكية لا تنظر نظرة ايجابية لقوات الحشد الشعبي فمن خلال تتبع مراكز الابحاث الامريكية القريبة من صانع القرار يلاحظ ان هناك حساسية وحذر شديد من تنامي قوة الحشد الشعبي اذ تصف الدراسات والبحوث ان الخطر يكمن في اعتماد الحكومة العراقية في معظم الاوقات على الاستعانة بقوات الحشد الشعبي في المناطق التي تجد الحكومة العراقية صعوبة في السيطرة عليها ويعكس هذا القلق والحذر الشديد من قبل السياسة الامريكية ما صرح به الكاتب والباحث في معهد واشنطن ما يكل ناتيس وهو باحث متخصص في شؤون العراق والذي تساءل ما ذا لو هزمنا داعش وخسرنا العراق في اشارة الى ان قوات الحشد الشعبي ستجعلنا نخسر العراق نتيجة لما تملكه هذه القوات من القدرة التي تؤهلها للتغلب على القطاع الامني في العراق , ولذلك يرى ناتيس ان الولايات المتحدة عليها ان تعين مواقفها بعناية حيال قوات الحشد الشعبي ومختلف القوات العسكرية الناشطة في العراق , وللتخلص او تقويض جهود الحشد الشعبي في القطاع الامني العراقي يتعين عليها حشد القوات العراقية النظامية بشكل ضخم واثبات التزام الولايات المتحدة تجاه العراق بشكل واضح للإطاحة بقوات الحشد الشعبي. الامر الذي يقلق السياسة الامريكية هو ان تنامي قوة الحشد الشعبي جعل الحكومة العراقية في حل عن الدعم الغربي , وهذا سيؤدي الى ازاحة الولايات المتحدة من المشهد في العراق , وبحسب احد الكتاب الأمريكيين يرى ان مصداق هذا التخوف والهاجس هو معركة صلاح الدين التي خاضتها قوات الحشد الشعبي مع القوات الامنية بعيداً عن التحالف الدولي والتي اظهرت عدم حاجة القوات العراقية الى مساعدة التحالف الدولي وذلك بسبب القوة العسكرية التي تتمتع بها قوات الحشد الشعبي والمرونة الكبيرة في المناورة في العمليات الحربية.
ان استمرار وجود قوات الحشد الشعبي في اطار مكافحة الارهاب يعني وفق المنظور الامريكي ابعاد الولايات المتحدة عن التحكم بالمشهد العسكري وفق الرؤية الامريكية , لذلك ليس من المستغرب ان تقوم الولايات المتحدة بصياغة السياسات التي من شأنها تجميد تنامي قوة الحشد الذي اصبح وفق المنظور الامريكي تهديدا يزعزع تأثير الولايات المتحدة على التحكم بالمؤسسة العسكرية العراقية, ولذلك تخشى الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص من تطور الحشد الشعبي بسبب اوجه الشبه المشتركة بينه وبين بعض الكيانات الاخرى كالحرس الثوري , وقوات الباسيج وحزب الله فالولايات المتحدة ترى ان هذه الكيانات تجعل الحدود بينها وبين الدولة ضبابية بل ان هذه الكيانات تفوقت وبسرعة على قوات الامن التقليدية وتوسعت لتدخل ميدان السياسة والاقتصاد واصبحت قوات مهيمنة على القرار السياسي والعسكري في بيئتها هذه المخاوف حتما ستؤدي الى اعادة النظر بصياغة المشهد المستقبلي للحشد الشعبي وتأثيره المحتمل على علاقات العراق الخارجية.
وفي هذا المنوال تشير الدراسات الامريكية التي بحثت المشهد المستقبلي للحشد الشعبي الى المخاطر الكبيرة من تطور قوات الحشد الشعبي اذا لم يتم التصدي لها من خلال عملية تدريجية لأصلاح قطاع الامن , وعدم السماح للجهات الفاعلة في الحشد من التاسيس لوقائع جديدة على الارض ففي هذه المرحلة يجب ان يبقى عمل الحشد الشعبي وميزانيته وبنيته التحتية المؤسسية محدوداً , وينبغي ان تكون الاولوية هي تجميده عند هذا المستوى من اجل الحفاظ على خيارات عملية اصلاح قطاع الامن في العراق التي تتطلب من خمس الى عشر سنوات , ولطالما الوقت غير مناسب لمصالح الولايات المتحدة لمحاولة حل القضايا الكبرى المحيطة بالحشد بشكل كامل او اتخاذ قرارات رئيسية , فبسبب التوترات بين ايران والولايات المتحدة , وايران واسرائيل وعدم الاستقرار المحلي العراقي يحتاج الامر الى مرور مزيد من الوقت لكي تصبح القضايا اقل حساسية وتشجيع النقاش المنطقي حول مستقبل الحشد الشعبي , ولذلك تشجع الولايات المتحدة في الوقت الراهن الحكومة العراقية في تجميد ) هيئة الحشد الشعبي ) ككيان وزاري فرعي لا يخصص له تمثيل وزاري او ميزانية دائمة وان الحفاظ على هذا الوضع هو الرقم واحد لجميع شركاء العراق , كما انه لا ينبغي ان يتجاوز عدد القوات المسلحة المأذون بها رسمياً في الحشد الشعبي العدد الحالي البالغ ( 135,000) ولا يجب ان تتجاوز ميزانيته ( 2) ترليون دينار .
بهذه السياسات تستهدف الولايات المتحدة الامريكية الإمكانيات المادية والبشرية للحشد الشعبي
ثانيا: الحشد الشعبي والبناء الهيكلي( القواعد القانونية والتنظيمية). نستعرض في هذا المحور تعليقنا على الدراسة الموسومة ( التكريم من دون الاحتواء مستقبل الحشد الشعبي في العراق ) للكاتب مايكل نايتس واخرون لإيضاح سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه مستقبل الحشد بصورة تفصيلية . مايكل نايتس[1]، حمدي مالك[2].
اعدت هذه الدراسة من قبل هؤلاء الكتاب المثبت انتسابهم في الهوامش اعلاه وهي بمثابة تمهيد لأي وكالة دولية او عراقية تفكر في برامج تعنى بـ (( الحشد الشعبي)) لإصلاح قطاع الامن او نزع السلاح او التسريح او اعادة الادماج. ولو امعنا النظر في عنوان هذه الدراسة تجد انها دراسة نقدية الهدف منها الحد من تنامي قوة هذه المؤسسة العسكرية التي انبثقت من التاريخ الفكري والحضاري للشعب العراقي . تنتقد الدراسة عملية تكريم الحشد دون احتواءه في اشارة منها الى قوة الحشد وامكانياته المادية والبشرية . وهذا ما سنكشفه من خلال التعليق على اجزاء هذه الدراسة .
الجزء الاول :- تطرقت الدراسة في جزئها الاول الى الهيكل التنظيمي والقانوني للحشد الشعبي مشيرة الى ان هذا الهيكل ضعيف منطقيا وتنظيمينا , فالاطار التنظيمي بسيط ولا يتجاوز العشرين صفحة من القوانين الخاصة بـ ( الحشد الشعبي ) والاوامر الديوانية التنفيذية المعلنة للجمهور . وان الحشد الشعبي يتواجد في بيئة تنظيمه على الورق فقط . اما على الواقع فهو مقسم الى امارات او اقطاعيات شبيه بالمليشيات وظائفها الاساسية هي المالية , والاستخبارات , والتلقين الديني. هذه الرؤية هي اشارة واضحة الى تنظيم الحشد العسكري واحتوائه ضمن قانون الخدمة والتقاعد العسكري رقم 3 لسنة 2010 او قانون العقوبات العسكرية رقم 19 لعام 2007.
الجزء الثاني :- اشارت الدراسة في هذا الجزء الى حقوق اعضاء الحشد الشعبي وواجباتهم . وفي هذا الجزء تتبنى الدراسة فكرة ان الحشد الشعبي كمؤسسة امنية هي منفصلة عن قوات الامن العراقية وان الحشد مليشيا او مجموعة من المليشيات محضورة بموجب الدستور العراقي وان افرده يحصلون على كامل حقوقهم ولكن على النحو نفسة لا يوفون بالتزاماتهم كأعضاء في قوات الامن , وحصلوا على امتيازات اعلى من تلك التي حصل عليها الافراد في قوات الامن النظامية بسبب افتقار الحشد الى التنظيم والانضباط , وعلى الجانب الاخر من المقايس لا يفي الحشد الشعبي بالعديد من متطلبات العضوية في قوات الامن العراقية وعلى صعيد الثقافة العسكرية فان الحشد الشعبي يتمتع بثقافة تختلف جذريا عن ثقافة الجيش العراقي او جهاز مكافحة الارهاب او الشرطة الاتحادية فالحشد يتصرف كمليشيا . ان تاريخ الحشد الشعبي يتمتع بسجل ضعيف من الانضباط العسكري وتاريخ طويل من الانتهاكات الجسمية لحقوق الانسان ضد المدنيين العراقيين فضلا عما يقوم به من انتهاكات في سوريا . واذا تركت هذه التصرفات دون انضباط فان الحشد يصبح سلطة قانونية في حد ذاته .
ونحن نرى ان هذه النظرة ليس الهدف منها اصلاح قطاع الامن العسكري بقدر ما هو تعريض بمؤسسة انبثقت من فتوى الدفاع الكفائي مستندة في ذلك الى الارث الحضاري والديني والثقافي للشعب العراقي فضلا عن سلسلة من الاوامر الديوانية ومراسيم واعمامات مجلس الوزراء , وقانون هيئة الحشد الشعبي التي نصت صراحة على ان مؤسسة الحشد الشعبي هي جزء من المنظومة الامنية والعسكرية .
الجزء الثالث: – القيادة والسيطرة والعمليات في الحشد الشعبي.
طرحت الدراسة في هذا الجزء سؤالين , الاول يتعلق بقيادة الحشد والسيطرة عليه . والسؤال الثاني يتعلق بالأدوار والمهام التي ينفذها الحشد الشعبي , وفيما يتعلق بمسالة القيادة والسيطرة فان الحكومة العراقية والقائد العام للقوات المسلحة يفتقر الى قبضة قوية على قوات الحشد الشعبي وان هذه القوات تعمل وفق نظام موازي للقيادة والسيطرة يمكنه من رفض الاوامر القانونية الصادرة عن رئيس الوزراء متجاوزة سلطاته وبشكل شبه دائم وهذا يعني ان قيادة الحشد الشعبي تتصرف كدولة موازية فهي تدير نظامنا قضائيا موازيا وسجونا موازية واقتصادا موازيا غير شرعي . اما من ناحية السيطرة العملياتية والتكتيكية فهي على ثلاثة انواع الاولى وحدات الحشد الشعبي المحلية التي يتم تجنيدها محليا والتي تخدم فقط في مناطقها الاصلية والثانية وحدات الحشد الشعبي المزروعة والتي يتم تجنيدها في جنوب العراق والثالثة هي المدعومة من ايران والتي كانت متواجدة من قبل وهي الاقوى وتعمل في كل مناطق العراق وتتصرف كيف ما تشاء .
[1] هو زميل أقدم في معهد واشنطن، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج العربي. وقد عمل بشكل مكثف في العراق منذ عام 2003 ، بما في ذلك فترات ملحقاً بقوات الأمن العراقية ,حاصل على شهادة الدكتوراه من قسم دراسات الحرب، كينغس كوليج لندن”.
[2] هو محلل لشؤون الشرق الأوسط في “تلفزيون إيران الدولي” ومقره في لندن حيث يركز بحثه على تحوّل الميليشيات الشيعية في العراق. وتم نشر كتاباته من قبل وسائل إعلام بما فيها “المونيتور” و”مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.