ثقافية

الإعلام الإلكتروني الدلالة والمفهوم

بقلم : تبارك الرا ضي

يشكل الفضاء الافتراضي أهم إنجازات ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي شهدها العالم، فالتطور المذهل لشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) وانتشار التقنيات الحديثة للاتصال، وتزايد تطبيقاتها في مجال الاعلام والاتصال، ساهم في ظهور نوع جديد من الإعلام، وهو الإعلام الإلكتروني المقروء والمرئي والمسموع، الذي يعتبر ظاهرة اعلامية جديدة يتميز بسرعة الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور وبأقصر وقت ممكن وأقل تكلفة، وبات يشكل نافذة مهمة جداً لنشر المعلومات والحصول عليها.
ظهر جيل جديد لم يعد يتفاعل مع الاعلام التقليدي بقدر ما يتفاعل مع الاعلام الالكتروني يسمى بالجيل الشبكي أو جيل الانترنت، وأصبحت هناك شبكات تواصل اجتماعي كـ ( تويتر، الفيسبوك) كوسيلة للتواصل بين الناس حيث جعل من الفرد مؤسسة إعلامية ينشر مواده الاعلامية على شبكات التواصل الاجتماعي.
أصبح الإعلام الإلكتروني محور الحياة المعاصرة له أهميه كبيرة باحتواء قضايا الفكر والثقافة وبات يطلق عليها (ثقافة التكنولوجيا) أو (ثقافة الميديا)، أصبح مستخدموا الانترنت في العالم في تزايد مستمر في ظل ثورة الانفوميديا والتي تتجسد في الدمج بين وسائل الإعلام والاتصال فالقنوات التلفزيونية أمكن لها أن تبث برامجها عبر الموبايل؛ وبذلك استطاع الإعلام الإلكتروني أن يفرض واقعاً مختلفاً على الصعيد الإعلامي والثقافي والفكري والسياسي، فهو لا يعد تطويراً فقط لوسائل الإعلام التقليدية وإنما هو وسيلة إعلامية احتوت كل ما سبقها من وسائل الاعلام، من خلال انتشار المواقع والمدونات الإلكترونية وظهور الصحف والمجلات الالكترونية التي تصدر عبر الانترنت، بل إن الدمج بين كل هذه الأنماط والتداخل بينها أفرز قوالب إعلامية متنوعة ومتعددة بما لا يمكن حصره أو التنبؤ بإمكانياته، فالعصر الحالي يعد بحق عصر الإعلام الإلكتروني، إعلام المستقبل، والعالم أجمع يتجة اليوم بشكل عام نحو الانترنت وتطبيقاته في المجالات المختلفة.
مفهوم الإعلام الإلكترونى
نظرا لحداثة مصطلح الإعلام الإلكتروني فقد اختلف العلماء والخبراء في وضع تعريف محدد له، ولكننا سنركز على تعريف اللجنة العربية للإعلام فتعُرف الإعلام الإلكتروني بأنه: (الخدمات والنماذج الاعلامية الجديدة التي تتيح نشأة وتطوير محتوى وسائل الإتصال الإعلامي آلياً أو شبه آلي في العملية الإعلامية باستخدام التقنيات الالكترونية الحديثة الناتجة عن اندماج تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات كنواقل إعلامية غنية بإمكاناتها في الشكل والمضمون ويشمل الاشارات والمعلومات والصور والأصوات المكونة لمواد اعلامية). ويمكن وضع تعريف مختصر للإعلام الإلكتروني (هو نوع جديد من الإعلام ينشط في الفضاء الإفتراضي ويستخدم الوسائط الالكترونية كأدوات له تديرها دول ومؤسسات وافراد بقدرات وإمكانيات متباينة، يتميز بسرعة الانتشار وقلة التكلفة وشدة التأثير).
نظرية الاعلام الالكتروني
أولاً: أطر المديات العامة لنظرية المجال العام بوصفه نظرية الاعلام الالكتروني إن الاسس النظرية للإعلام الإلكتروني مبنية على النظرية التي صاغها الفيلسوف الألماني المعاصر يورغن هابرماس والتي تسمى بنظرية المجال العام. حيث كثرت الحوارات والمناقشات العلمية حول مفهوم المجال العام منذ أن قام هابرماس بنشر كتابه التحول البنائي للمجال العام ،عام 1989 (Structual Trsnsformation of the Puplic Sphere) .
وكان قد سبق نشر هذا الكتاب باللغة الألمانية عام 1961، ولكن ذيوع المفهوم وإنتشاره إرتبط بالترجمة الإنجليزية التي صدرت عام 1989، وأصبح مصطلح المجال العام مفهوماً مركزياً في مجال الدراسات الإعلامية في السنوات الأخيرة. اذ يشرح النظرية كيف أن وسائل الإعلام نقلت النقاش من المجال العام إلى المجال الخاص تتم فيه صناعة منتج إعلامي قادر على إختراق العقول و إيهامها و إبعادها عن الحقائق، كما أكد فيها أن وسائل الاعلام الالكتروني تخلق حالة من الجدل بين الجمهور تتيح تأثيرا كبيرا في القضايا العامة وتؤثر على النخبة والنخبة الحاكمة والجمهور مما يعني أن ثقافة الانترنت أصبح لها جماهيرها وشعبيتها وهي في إزدياد مطرد على العكس من قراء الصحف والكتب لاعتبارات عدة، اذ تشير الاحصائيات التي جرت مؤخرا بأن أكثر من 80% من فئة الشباب يفضلون التعامل مع الإعلام الإلكتروني، لأنه يتيح لهم إمكانيات تفاعلية عديدة مثل الدردشة والتعليق بسرعة والتزامنية الشديدة، مما يؤكد بأنه المستقبل للإعلام الإلكتروني.
طور هابرماس مفهوم المجال العام كجزء من الحياة الاجتماعية حيث يستطيع المواطنون أن يتبادلوا الآراء بطرق تهم المجتمع كله وهو ما يؤدي إلى تشكيل الرأي العام، حيث يظهر المجال العام للوجود عندما يتجمع الناس لكي يناقشوا القضايا الاعلامية والسياسية المشتركة. وتحاول النظرية أن تشرح الأسس الاجتماعية للديموقراطية من خلال النظر إلى المنظمات محددة الهوية والقائمة على أسس اجتماعية وثقافية مشتركة داخل المجتمع المدني كمنظمات قادرة على تطوير خطاب نقدي فعال يستطيع التقريب بين وجهات النظر المتعارضة. وقد دعم الانترنت فكرة ساحات النقاش حول المجال العام المشترك الذي يجمع أفراد الرأي العام ويدخلهم في حالة حوار حول القضايا التي يهتمون بها ويتأسس هذا النوع من النقاش على فكرة التفاعلية التي تفوق بها الانترنت على وسائل الاعلام التقليدية فالانترنت دعم مفهوم دمقرطة وسائل الإنتاج الإعلامي ويُسر فكرة المشاركة بين مجموعة من الأفراد في مساحة تتيح لهم تبادي الرأي والمعلومات حول القضايا الخلافية وتقريب وجهات النظر بينهم فساحات النقاش والمنتديات والمجموعات البريدية كلها أشكال اتصال تكنولوجية أوجدها الانترنت فدعم من خلالها عملية الاتصال بين الجماعات وتشمل أجندة الاهتمامات التي يتم الاتصال حولها بكل ما يتعلق بشؤون الحياة اليومية والثقافة بكافة أشكالها.
يؤكد هابرماس على الدور الكبير لوسائل الاعلام في المجال العام،إذ تقوم وسائل الإعلام (كمجالات عامة) بدور مزدوج، فهي تقوم بأتاحة الفرصة للأفراد للتعبير عن الرأي والحوار، لكنها أيضا تنقل رأي السلطة وتوجهاتها للمواطنين. أن دور وسائل الاعلام التقليدية (التلفزيون، الاذاعة، الصحف، المجلات) في الديمقراطية الحديثة قلت ، وقد أثيرت تساؤلات هامة حول قدرتها كمواقع للنقد الإعلامي أو الجدال المنطقي، إن الديمقراطية أصبحت الأيدولوجية السائدة في الحياة الاعلامية الحديثة ومع ذلك فالفجوات بين الأيدولوجية والممارسة ظاهرة لان دور وسائل الإتصال الجماهيرية في دعم النماذج الديمقراطية لم تلغ وجود المراكز القديمة للمجال العام، لكنها لم تعد أماكن للنقد السياسي أو الجدال المنطقي. فمثلا التليفزيون يبعد الأفراد عن بعضهم فالجدال العام في التليفزيون والصحف ينتج القليل من الجدال المنطقي الإنتقادي حسب نظرية هابرماس. وبدلا من إعداد تقارير عن السياسات فإن وسائل الاعلام أصبحت مشاركا فعالاً في العملية السياسية من خلال دورها في الانتشار، وأصبحت هامة للحياة السياسية والسياسيين. فالأحداث التي يتم تناولها في التليفزيون يمكن أن تحدث قدراً من التأثير التليفزيوني فالمجادلات والمناظرات التليفزيونية تسمح لوجهات النظر المختلفة أن تتصادم فيحدث التأثير لكن يبقى دور التليفزيون في تشكيل الارادة العامة أو الراي العام دور بسيط ، فاختيار الموضوعات في التليفزيون يعكس نفوذ المعلنين حتى أن برامج الجمهور في التليفزيون التي تقدم منتدى للجماعات المهمشة تحكمها بعض القيود رغم أن هذه البرامج يمكن أن تقدم فرص للمواطنين للمشاركة خاصة المواطنين الذين يشعرون بأن حقوقهم الديمقراطية مفقودة.
بالنسبة للصحافة فإنها كمهنة يمكن أن تلعب دوراً في حفظ المجال العام إلا أن ما يحد هذه القدرة هو الاتجاهات التجارية التي تسيطر على الصحافة ووسائل الاعلام والتي تهدد التوازن داخل هذه الوسائل بين الاهتمامات العامة للدولة والمواطنين وبين مصالح المعلنين.
نقد نظرية المجال العام
إن نظرية المجال العام تنطبق على فترات معينة في التاريخ الأوروبي فقط.
بظهور التناقضات الاجتماعية في هذه النظرية فان الحوار يفقد سمة المناقشة والعقلانية الخالية من السيادة والسلطة مما يسبب اختراقا بين الدولة والمجتمع بشكل متزايد.
كمفهوم يحتاج أن يتم فهمه كوضع بنائي مما يتطلب إعادة النظر في فكرة هابرماس للمجال العام كي تتضمن جماعات اجتماعية أكثر مما يسمح بتأكيد الصراع الاجتماعي الذي يكون موجوداً في المجال العام، وعلى الرغم من الانتقادات السابقة وغيرها الا أن هابرماس بدراسته حول التحول البنائي في المجال العام قدم مفهوما جديداً داخل العلم الاجتماعي بتخصصاته مما دفع العديد من الباحثين والسياسيين والعلماء بالاشتغال بهذا المفهوم الجديد.
خصائص الاعلام الالكتروني
يتمتع الإعلام الإلكتروني بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن بقية أنواع الإعلام الأخرى وهي :
خاصية التوفر: فالاعلام الالكتروني متوفر دائما اذ يمكن للاعلامي أو المواطن أن يحصل على أية معلومة تم نشرها على موقع الكتروني أو صحيفة الكترونية دون طلب الرخصة لاعطائه تلك المعلومة وفي أي وقت كان، ويوفر أرشيفاً إعلامياً إلكترونياً للجميع دون قيود.
خاصية الشمولية: أي التنوع والشمول في المحتوى، اذ كان الإعلامي في الاعلام التقليدي يعاني من مشكلة عدم وجود فسحة كافية أو مساحة مخصصة لطرح موضوع أو إنجاز عمل إعلامي أو كتابة مقالة في الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية، لكن بفضل الانترنت الذي سمح بأنشاء مواقع ومدونات وصحف ومجلات الكترونية.
خاصية المرونة : تبرز خاصية المرونة بشكل جيد بالنسبة للمتلقي (مستخدم الانترنت) إذ يمكن له إذا كان لديه الحد الأدنى من المعرفة بالانترنت أن يتجاوز عدداً من المشكلات الاجرائية التي تعترضه، وكلما إزدادت قدرات الكومبيوتر تزداد مرونة التعامل مع الانترنت من الناحية التقنية، أما على المستوى الإعلامي فتبرز خاصية المرونة من خلال قدرة المستخدم على الوصول بسهولة إلى عدد كبير من مصادر المعلومات والمواقع وهذا ما يتيح له فرصة انتقاء المعلومات التي يراها جيدة وصادقة والتمييز بينها وبين المواقع التي تقدم معطيات مزيفة مع العلم أن القدرة على تزييف المعلومة قد ازدادت كثيراً مع ظهور الانترنت الذي سهل كثيراً من عمليات تركيب الصور وتعديل الأصوات وغيرها.
خاصية الانفتاحية: ونسبة كبيرة منه تتسم بالاستقلالية عن المؤسسات الحكومية، وهو نوعا ما مجاني وساهم إلى حدود معينة في إضعاف الهيمنة الكبيرة لرأس المال والشركات الكبرى والحكومات على الإعلام في العالم.
خاصية الانسيابية من الرقابة: اذ أعطى الحرية المطلقة وتخطى الحدود والحواجز المحلية والدولية وحدود القانون والرقابة المرتكزة على تقييد حرية الاعلام والمعتقد والتعبير في معظم بلدان العالم، فهو يتميز بسرعة تغطية الاحداث ونقل الخبر بشفافيه بدون قيود وسهولة التصفح والحصول على المعلومة والبحث عنها، وسمح للفرد من إبداء رأيه دون قلق أو خوف من الملاحقة وللنقد والتعليق على الموضوع الالكتروني.
خاصية التعددية الثقافية: فالإعلام الإلكتروني يسر موضوع التعبير عن الذات والحوار الحضاري، اذ روج لثقافة احترام الرأي الأخر عن طريق توفير فرص التفاعل والمداخلات المستمرة والتواصل بين الإعلامي والجمهور وبطرق مختلفة، وأعطى فرصة للجمهور من مختلف شرائح المجتمع لأن يكونوا إعلاميين من خلال مساهماتهم وكتاباتهم وتقديمهم البرامج الاعلامية المحترفة وتبادلها فيما بينهم وعدم اقتصارها على النخب.
خاصية التواصلية: ساهم الاعلام الالكتروني بشكل ملحوظ في بناء جسور من التواصل بين القائم بالاتصال ومستقبل الرسالة مما كان له بالغ الأثر في تفاعل كل من الجانبين مع الأخر حيث أتاحت التكنولوجيا الرقمية أداة تمكن الجمهور من التعبير عن رأيه حول المادة المقدمة من حيث تبادل التعليقات وتشكيل شبكة للاتصالات والتواصل التجمع بين الكثير من التوجهات وتنمية الحوار الهادف والتعود على تقبل الآخر مهما اختلفت وجهات النظر.
خاصية التطور السريع: ان الاعلام الالكتروني يتطور بشكل سريع ومتواصل وأصبح ظاهرة عالمية لا يمكن الاستغناء عنها بحيث اصبح الاداة الاساسية في تسيير الاقتصاد الرأسمالي المعولم والادارة الحكومية وذلك بفضل الانترنت الذي يعتبر وسيلته الاساسية، فالاحصائيات والدراسات العالمية تشير إلى ان استخدام الانترنت في العالم يتزايد بشكل كبير جدا، ويتطور بشكل سريع ومتواصل.
خاصية البناء الثقافي: اذ يساهم في انتشار الثقافة الإلكترونية بين أفراد المجتمع وخاصة في مجال التعليم الإلكتروني9 (والحقيبة الإلكترونية للطالب، وزيادة استخدام التسويق الإلكتروني أو التجارة الإلكترونى و هي عملية ترويج الأعمال والبيع للعملاء من خلال استخدام الانترنت، بالاضافة إلى ارتفاع أعداد مستخدمي الانترنت بشكل عام وانخفاض تكلفة أسعار النشر الالكتروني مقارنة بأسعار النشر الورقي.
خاصية المستقبلية: انه اعلام المستقبل، بإعتماده على التكنولوجيا الحديثة بما يخفض من تكاليفه ويوسع من دائرة مستخدميه، فأنتشار أجهزة النشر الالكتروني ووسائل الإتصال الإلكترونية المحمولة في كف اليد والتي يستطيع حاملها الدخول على الانترنت ومطالعة موقعه الالكتروني المفضل أو قراءة صحيفته المفضلة من أي مكان وفي أي زمان، وكل ذلك يصاحبه استمرارية انخفاض أسعار هذه الأجهزة.
خاصية التفاعلية : سرعة استجابة الجمهور وسهولة مناقشة الحدث او الموضوع اذ أدخل الجمهور كشريك أساسي في صنع محتوى الاعلام ومكّن الجمهور من أن يتفاعل مع المادة الإعلامية من خلال النص المكتوب والصوت والصورة والفيديو وحفظ نسخة من النص وسهولة الرجوع للنص في أي وقت أو إرسالها لشخص آخر، أو التعليق على الخبر أو المقال وقراءة تعليقات وآراء الآخرين على الموضوع.
خاصية التحديث: اذ يتم تحديث وتجديد الأخبار والمواد الاعلامية بإستمرار دون مواعيد ثابتة، فالمحتوى الإعلامي الإلكتروني يتمتع بالسبق والقدرة على التفاعل واستخدام الصورة ومقاطع الفيديو، والخلفيات والمعلومات الأساسية والتحليلات ومقالات الرأي ذات العلاقة، مما يضفي تفاعلا حقيقياً مع المواد الإعلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى