ثقافية

الكاسرُ منهجٌ، وليس مسلسلا تلفزيونيّاً عابر.

بقلم : محمّد صادق الهاشميّ

تعرض قناة (V U T ) مسلسلا  باسم  «الكاسر»، إنّ الأمر بحاجةٍ إلى بيانٍ، بأنّ القضية لا تتعلّق بمسلسلٍ، بل بمنهج ثقافيّ، يعيش في عقلية القوم، وأنّ النظرة الدونية لشيعة العراق عموماً، وأبناء الجنوب هي ثقافةٌ تبنتها الأنظمة السياسية والاجتماعية العراقية عبر مراحل من التاريخ , ولا يمكن استعراض كلّ  المواقف، إلّا أنّ الوقوف على بعضها ممكنٌ من خلاله معرفة أنّ ما يقوم به القوم وهو منهج وثقافة مترسّخة ومتجذّرة علي الصعيد السياسيّ والاجتماعيّ، بل حتّى على المستوى الفني،  ونحتاج إلى معالجةٍ كبيرةٍ، ولا يمكن الاكتفاء بالبكائيات .

 

1- الدور البريطاني

فقد كان الانكليز يصنعون الشماغ الذي يطلق عليه في العراق ( اللندني ) والمستوحى من تاريخ العراق السومريّ بأنْ يُوضع على جدرانه الاربعة خطّان يمثّلان دجلة والفرات، وبينهما أمواج الأنهار السومرية، لكنّ الفرق كبير؛ فإنّ الشيعيّ تَمّ اختيار اللون الأسود لـ ( شماغه )، وربّما لأنّه متأثّر بعالم الأحزان والانكسارات وغيرها من التفاسير، بينما السنّيّ في الغربية فقد تَمّ اختيار اللون الأحمر له، لون النصر والشجاعة والحرب , لذا لم نشاهد صدام إلّا وهو مرتدي الحمراء، أو البيضاء الخليجية .

 

كما وضع  ماسينيون – أستاذ ميشيل عفلق – كتابه الذي يفصل بين لهجات العراق التي يمكن تمييز السني بواسطتها عن الشيعة في كتابه (لهجة بغداد) تأكيدا للتفرقة وليس التفريق العفوي.

 

2- الدور البريطاني السلبي في الاقتصاد المحلّي :

لم يكتف البريطانيون بتمييز السنّي عن الشيعيّ بتلك الإثارات والايحاءات الميثولوجية وغيرها، بل عمدوا إلى تجميد طاقات الجنوبيّ ومحاربته في رزقه حتى يكون مهتمّاً فقط بزراعة العنبر، الذي كان يصدر إلى بريطانيا، فقد وسمت من يمارس مهنة الصيد بتسميته (البربري )، اي المتخلّف، ومن يمارس زراعةً أي محصول غير زراعة العنبر (بالحساويّ )، ومن يربّي المواشي  (المعيدي)، ومن يمارس عملية صناعة الغزل والنسيج  (بالحائك)، وقد قيل من قبلُ: بنت الحائك بايرة  .

 

3- الدور البريطانيّ الملكيّ والجمهوريّ:

 

وحينما تمّ تشكيل الحكومة الملكية فقد ترسّخت منهجية الاحتقار لشيعة العراق على كُلِّ المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ومن أراد أنْ يبحث عن الحقيقة يجد مواقف وتعابير وتصريحات بما يملأ به كتباً .

 

4- دور حزب البعث وشخص صدام حسين :

 

فقد حمل صدام كُلّ الأفكار الحاقدة على الشيعة عموما , وكان يمارس بحقِّهم إبادة جماعية لامثيل لها، ويكفي أنّه كتب ثلاث مقالات بخط يده بعد الانتفاضة وصفهم بـ (الهنود) ، وأنّهم الذين تَمّ الاتيانُ بهم مع الجاموس الهندي زمن محمّد القاسم، وأنّ سبب كثرتهم في العراق كون أمّهم (شويعة)  كانت تمارس البغاء .

 

ولأجل تحطيم شخصية الشيعيّ وجدنا المسرح العراقيّ في تلك المرحلة مشحون بالمشاهد الإحتقارية، ففي مسرحية (بيت وخمس بيبان) نجد شخصية علّو وعليوي، ولم نجد شخصية عمر وعثمان, وفي مسرحية (المحطّة) نجد أنّ مرتدي العقال يتوعّد إحداهن بالقتل بينما يخاف من الطنطل، ونجد الجنوبي الآخر راقصاً مخموراً ومتسوّلاً ،وبيده قنقية الخمرة.

 

5- تحدّث الناقد

الناقد عادل الهاشمي قال كانت الحكومة زمن البكر قد شكّلت لجنة سرية لمعالجة خطر تصاعد ونمو اللهجة الجنوبية في الغناء العراقيّ مع انحسار اللهجة البغدادية (يقصد الغربية)، وتلك الإشارة منه تحدّث بها الكثيرون؛ لأنّ حزب البعث يرى أنّ صعود فنانين ومطربين من أبناء الجنوب جاء لتغليب اللغة الجنوبية على لغة الغربية، ورواد تلك المرحلة يس خضر (شيعي  )، وقبله زهور حسين ( شيعية  )، وقبلها بأجيال سورية حسين (شيعية )، وانحسرت لغة الجالغي و(كلبك صخر جلمود ما حن عليه )،  فقد كانت الطائفية تراقب حتى هذه الأمور، وتعمل عليها بمنهج وثقافة خطيرة وإلى اليوم راسخة عند البعض، وهي التي أنتجت مسلسل الكاسر  .

 

6- حتى إذا وصلنا الى عهد ما بعد 2003:

 

فقد كانت اغلب المسلسلات تركز على طعن الشيعة وخصوصا السياسيين منهم، ونعتهم باللصوص، وهاجمت المكوّن الشيعيّ، وسفهّت وجوده، وتحدّثت عن تاريخ الرقص الهابط، ومارست ألفاظاً وأدواراً تعكس شخصية الشيعي الهابطة بنظرهم، ومن هذه المسلسلات ( بيت الطين ) , و ( انباع الوطن )، و( أمّ ستوري)، و (جحا الفيدراليّ )،  و (مليشيا الحبّ ) , و( زرق ورق)،  و (باكو بغداد),

وكانت الشرقية الممولَ الأكبر لتلك المناهج التي أكملتها قناة الـ (UTV) في مسلسل (الكاسر) , ولم نجد مسلسلاً لهم يعالج اللحمة الوطنية، ومواجهة الاحتلال الأمريكيّ، وتجسيد الاخاء وعكس القيم ،او يشكر الجنوبي الذي صان الأرض والعرض تحت فتوي المرجعية .

 

النتيجة :

نحن أمام منهج يطول شرحه، وتمتدّ جذوره، واليوم تظهر اثاره القذرة، كلّها ترسّخ شخصية الشيعيّ حسب نظرتهم، شملت حتى قصائد هابطة تصف بن الجنوب بالزبال أبرزها (ناوي على الزبالة اليوم يكظيها ) .

 

المهم في الأمر أنّ الشيعيّ رجل ثورة العشرين والمقاومة والمروة والتاريخ والمواقف الذي شارك بالدفاع عن العراق، وعن فلسطين، وواجه الاستكبار البريطانيّ والأمريكيّ، والذي حرر العراق من داعش.

 

ِلَم لا يتمكّن الشيعة من تخصيص أموال لدراما تنتج وتبثّ في رمضان وغيره تتحدّث عن شخصيتهم وتاريخهم ومواقفهم وبطولاتهم، وبقي موقفهم أسير الدفاع والبكائيات .

 

وجّهوا اللوم إلى أنفسكم وقنواتكم، وإلى برامجكم وفهمكم السطحيّ، وتوجّهوا بجدٍ واخلاص إلى بناء ثقافة تعكس هوية الشيعيّ وتاريخه وقيمه وشرفه، وإلّا فلا ينفعكم اللوم .

 

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى