يبدو أن ما طرحه المُفكر والفيلسوف السياسي نيقولا ميكافلي في القرن الخامس عشر بكتابه الموسوم “الامير” الذي إعتبر فيه أن ما هو مُفيد فهو ضروري في العمل السياسي، كما أن من جاء من بعده قد صنفوا السياسة بتصنيفات عِلمية مُختلفة أجمعوا في النهاية على تسميتها بـ “العلوم السياسية” التي تُدرسها اليوم كل جامعات العالم ..
وبالمقابل رفع عُلماء السياسية الأميركيين من الجيل الأول بين القرنين الثامن والتاسع عشر شعار “التأريخ هو عِلم السياسة في الماضي، والسياسة هي تأريخ الحاضر، والذي صاغه المُفكر ادورد اوغستوس وكتبَّه على جدران قاعة الندوات في جامعة جونز هوبنكز، حيث بدأ اول تدريب واسع النطاق لعلماء السياسة ..
ومنذ ذلك الوقت أخذت العلوم السياسية تتجه نحو التطور وفنون إستخدامها وكيفية تطبيقاتها من قبل الدولة السياسية في البرامج الحكومية التي هي أداة تنفيذها في شتى مجالات الحياة العامة لغرض الفائدة..
ومع أن المسلمين والعرب كانوا قد سبقوا كل ذلك بكثير وكتبوا ونظروا لها لإصلاح شأن الأمة وإدارة أمورها المُختلفة، إلا أنه ومع تطور التأريخ والحضارة تعرضت الأمة لنكسات خطيرة وتراجعات مُقلقة للغاية في الحياة السياسية حتى صارت وبالا على دول إسلامية وعربية كثيرة دمرت الحرث والنسل بسبب التطبيقات الخاطئه، بينما دول أخرى أرتقت إلى سُلم مُتقدم بمفاهيم العمل السياسي حين نهضت وطوَّرت بفعل حكوماتها التي إعتبرت الإنسان هدفا ساميا لغاياتها الرئيسة في عملها الحكومي ..
أما واقع الحال، ومنذ عقود من الزمن الضائع عند بعض الدول العربية ومن بينها العراق، فأدخل في السياسة مفهوما جديدا يُمكن أن يُطلق عليه الغباء السياسي، الذي تجلى على واقع الحال في العراق شعبا وأرضا، فعبر تأريخنا الحديث تبددت الثروات والأموال حتى صار حالنا كحال الذي يُصدق المثل الشائع “أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”
ولم نُشاهد سياسة حكيمة تُخطط وتبني البلاد بعلمية سياسية من خلال إستغلال ثرواتها بأحسن حال، بل تعمَّد السياسيون بجعل السياسة محصورة لخدمة مصالحهم بعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن والشعب، وأصبح غباء تطبيقاتهم للسياسة محل سُخرية الناس وإستهجانهم، وصارت السياسات مثل حقول تجارب خاطئة ضيعت وأستهلكت الوقت والمال معا، ما أصبح وضعنا محط إستشارات الغرب الأمريكي وتدخله في كل شاردة وواردة، حتى تحولت عندنا جنين بلاسخارت إلى حمامة تحمل مُقتراحات وتوصيات ولم يتبقى أمامها غير أن تُؤذن في جوامعنا، فيما السفيرة الأمريكية الينا رومانسكي صارت صاحبة الزيارات المكوكية المُفاجئة وهي تُلقي توصياتها وإقتراحاتها وهي التي تعرف تماما أن ما تقوم به من مكوكيات لا ولن تلقى أذنا صاغية من قبل الشعب ..
وعلى غرار الحمامة والمكوكية تكاثرت الكثير من الواجهات الأخرى التي تتحدث بإسم السلم والديقراطية، وصارت هذه الواجهات تُمارس دور المُشاطرة السياسية في العراق من على منصات الفضاء والتي تفوح منها تبادل الشتائم والقذف مُتهمة بعضها البعض بالفشل في العمل السياسي، وهذا هو الغباء السياسي بعينه ..