*صعوبات أمريكا وإسرائيل في مواجهة إيران*
*رئيس معهد "انديشه سازان نور" للدراسات الاستراتيجية د. سعدالله زارعي*

نشر المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA)، التابع للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، مؤخرًا توصية بعنوان “ترسيخ النصر: استراتيجية أمريكا ضد إيران بعد حرب الأيام الاثني عشر”، موجهة إلى قادة أمريكا وأوروبا وبعض دول شرق آسيا كاليابان وكوريا الجنوبية وبعض القادة العرب.
يعكس نص هذا المعهد اليهودي تمامًا مخاوف الکیان الصهيوني تجاه إيران، لدرجة أنه يمكن اعتباره توصية من مركز أبحاث أمريكي، مع أن طبيعته الأمريكية يجب أن تتسم بهذه الصفة. لذلك، يمكن القول إن JINSA يتوافق تمامًا مع المخاوف والمطالب الأساسية للکیان الإسرائيلي، حيث إن الأسماء المذكورة في مقدمة هذا النص تؤكد بشكل منفصل على الطبيعة الإسرائيلية للنص: إريك أولمان، إليوت أبرامز، جون بيرد، ديفيد دي باولا، روبرت هارفارد، تشارلز مور، تشارلز والد، هنري أوبرينغ، ستاف رادماخر، راي تيكي، روجر زاخيم، وغيرهم، شخصيات يهودية أمريكية بارزة لطالما عملت كوكلاء لإسرائيل في الولايات المتحدة.
يُسلّط هذا النص الضوء على إنجازات الکیان الإسرائيلي وهجوم الادارة الأمريكية على إيران في يونيو/حزيران، لكن النص نفسه يُشير إلى أن مسؤولي تل أبيب يُقيّمون كلا الهجومين الأمريكي والإسرائيلي بنتائج محدودة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، وبينما يُبالغ النص في التأثير السياسي للعقوبات الغربية على إيران، فإنه يتحدث أيضًا عن استمرار العملية التجارية ونجاح إيران في استقرار العلاقات التجارية، بما في ذلك في قطاع الطاقة، ويدعو إلى اتخاذ قرارات وإجراءات أكثر حسمًا ضد إيران. هناك بعض النقاط الجديرة بالملاحظة حول هذا النص:
1- يُعرب نص JINSA عن قلقه إزاء تراجع الحكومة الإسرائيلية عن التهديدات العسكرية وعن اتخاذ إجراءات مماثلة لما حدث في 2 يوليو/تموز ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية، حيث تم سحبها على الفور، لدرجة أن الجيش الأمريكي لم يرد حتى على هجوم إيران على قاعدة العديد الحساسة، التي يقول JINSA إنها أهم رصيد أمريكي في المنطقة. في الواقع، أوصى JINSA، والمسؤولون الإسرائيليون، في هذا الصدد، بالتفكير في تأمين القواعد العسكرية وتقليل المخاطر الأمريكية في مواجهة الرد الإيراني. على سبيل المثال، أُوصي بأن تنقل الولايات المتحدة قواعدها العسكرية في البحرين وقطر وغرب المملكة العربية السعودية إلى دييغو غارسيا في شرق المحيط الهندي. من الطبيعي تمامًا أن ترغب أمريكا ترامب، إذا قيّمت عملية 2 يوليو/تموز بأنها ناجحة وفعالة ومتناسبة مع المخاطر والتكاليف، في تكرارها. هذا في حين يُعرب هذا النص عن شكوكه في هذا الصدد: “على الولايات المتحدة أن تُعلن بوضوح دعمها لأي إجراء إسرائيلي لمنع إيران من إحياء قدراتها التي تُغير قواعد اللعبة”.
٢- يناقش هذا النص ضرورة إيجاد آليات جديدة لمواجهة إيران أقوى من سابقاتها، بينما يعتبر التقرير نفسه، من جهة، التعاون العسكري والاقتصادي الجديد بين الدول الثلاث: إيران والصين وروسيا، عاملاً مهماً في تحييد العقوبات وتشكيل تحالفات معادية لإيران، ومن جهة أخرى، يُشير إلى تردد الشركاء الإقليميين – أي الدول العربية في جنوب الخليج الفارسي – وضعف حماسهم للانضمام إلى أي خطة معادية لإيران. بهذا الوصف، يتضح جلياً أن القدرة على ممارسة الضغط الدولي والإقليمي على إيران قد تراجعت بشكل ملحوظ، بينما تسعى جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة إلى زيادة هذا الضغط.
٣- تُعدّ الجمهورية الإسلامية أحد الأطراف الرئيسية في نقاش JINSA. في نص وتوصيات هذه الجماعات اليهودية، يُزعم أن إيران، بعد هجمات يونيو/حزيران، في وضع لا خيار أمامها سوى التفاوض والتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة. هذا في حين يُشير النص إلى أن إيران لديها أفضل فرصة لعرقلة حرية إسرائيل في التصرف وكسب وقت ثمين للتعافي من خلال خلق نفوذ جديد. في قسم آخر، ورد أن “مقاومة إيران قبل الحرب ظلت على حالها إلى حد كبير، إذ تسعى البلاد إلى بناء نفوذ جديد واستغلال الوقت للتعافي. وتحاول إيران الحفاظ على القدرات المتبقية لبرنامجها النووي، بما في ذلك أنشطة البناء في مواقع تخصيب غير معلنة بالقرب من نطنز”. ويضيف التقرير: “رغم إصرار الغرب، رفضت إيران الاستجابة لمطالبه بعد حرب الاثني عشر يومًا”. لذا، من الواضح تمامًا أن المؤلفين والمجلس اليهودي الأمريكي والنظام الإسرائيلي في مأزق تام، لأنه كان ينبغي عليهم، وما كان ينبغي عليهم، أن يحسموا مسألة خارجة عن سيطرتهم! وبالطبع، ذُكرت صعوبات مواجهة إيران في مواضع مختلفة من النص.
4- ينص هذا النص على أنه بعد حرب الاثني عشر يومًا، ازداد موقف معارضي الولايات المتحدة في إيران قوة، وأن أي خيار سياسي في إيران، سواء من جانب سلطات النظام (التعيينات) أو من جانب عامة الناس (الانتخابات)، سيؤدي إلى وصول من هم أكثر ثباتًا في علاقتهم بالغرب إلى السلطة. يذكر التقرير أن “طهران لا تُبدي حاليًا أي رغبة في مفاوضات جادة أو فورية، إذ تُصرّ على الوفاء بالتزامات الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث والوكالة حتى قبل اتخاذ أي إجراء مُقابل”.
٥- في هذا النص، يُذكر مرارًا وتكرارًا أن أي إجراء من جانب الكيان الإسرائيلي أو نجاح أي هدف إسرائيلي فيما يتعلق بإيران يعتمد على تعاون جبهة واسعة من الولايات المتحدة إلى أوروبا، إلى دول في شرق آسيا، وإلى مجموعة من الدول العربية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يُذكر أن الدول التي شكلت سابقًا جبهة ضد إيران ليست مستعدة للمشاركة في المشاريع الإسرائيلية الأمريكية ضد إيران في الوضع الحالي. بهذا الوصف، يتضح تمامًا أن الكيان الإسرائيلي سيدخل حربًا ضد إيران في الوضع الحالي في حالة واحدة فقط، وهي عندما يوافق على تحمل عبء الحرب بمفرده. ينص نص جينسا على أن إسرائيل لا تمتلك مثل هذه القدرة. كما يُصر النص على أن “على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة بشكل واضح في الإجراءات لمواجهة جهود إيران وروسيا والصين”.
٦- بدراسة نص JINSA نستنتج أنه يبدو أن الأمريكيين والإسرائيليين ليس لديهم أي مبادرات جديدة فيما يتعلق بإيران. تُركز توصيات JINSA على “المفاوضات المباشرة” بين الولايات المتحدة وإيران، إلى جانب “رفع عصا التهديد” و”إشراك الآخرين”، وكل هذه التوصيات ليست جديدة، بل نحن أمام خيارين: إما الموافقة أو الرفض، فيما يتعلق بفعاليتها. وقد جُرِّبت هذه الخيارات إلى أقصى حد. ففي خطة العمل الشاملة المشتركة، جرت مفاوضات مباشرة، ووقع وزير الخارجية الأمريكي على الاتفاق داخليًا، وشُنت الحرب على إيران، وشُكِّل تحالف خارجي، لذا فإن تكرارها لا يُعدّ مبادرة. ومع ذلك، يتحدث النص عن ضرورة تحقيق أمور يُقرّ النص نفسه بأنها غير كافية وغير فعّالة. ولعل هذا التناقض هو ما جعل النص أطول مما ينبغي، وتكررت بعض عباراته عدة مرات بالضبط.
7- إن وضع الكيان الإسرائيلي، وحتى الولايات المتحدة، في مواجهة إيران صعب بعد كارثة غزة، إذ يصعب إقناع الرأي العام، وحتى الحكومات، بضرورة الضغط على إيران. لم تكن هذه الصعوبة قائمة في السنوات التي سبقت توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة (أخيرًا في عام ٢٠١٥)؛ إذ كان مجلس الأمن حينها متماسكًا، وكانت الدعاية العالمية قد أقنعت إيران بعدم رغبتها في العمل ضمن إطار اللوائح، ولم تكن فعالية الإجراءات العسكرية والعقوبات الصارمة موضع شك كبير. لكن الوضع تغير الآن لصالح إسرائيل والولايات المتحدة ولصالح إيران.
٨- في نص JINSA، ذُكرت بعض نقاط ضعف إسرائيل والولايات المتحدة في مواجهة إيران بإيجاز، والتي تُعتبر، بالمناسبة، من أبرز الأصول العسكرية وأكثرها فعالية للولايات المتحدة وإسرائيل. من بينها الافتقار إلى القدرة اللازمة لتوفير الدعم الجوي للطائرات المقاتلة. يدعو هذا النص إلى توفير إمدادات كافية من ناقلات التزود بالوقود جواً (KC46A) أو إمدادات كافية من الذخائر الموجهة أمريكية الصنع (PGM) لإسرائيل، وزيادة إنتاج أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي والصواريخ الاعتراضية أمريكية الصنع، وما إلى ذلك. هذه قضايا، أولاً، لم يكن من الممكن زيادتها خلال حرب الاثني عشر يوماً، وليس لأن الولايات المتحدة لم تستطع ولم ترغب في توفيرها للجيش الإسرائيلي. من ناحية أخرى، وكما ورد في نص جينسا، فقد تم التشكيك في فعالية هذه الأنظمة – وخاصة أنظمة ثاد وباتريوت الاعتراضية باهظة الثمن – وقدرتها الفعلية على صد هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية.
9- أخيراً، على الرغم من أن هذا النص حاول رسم ملامح بيئة تهديد جديدة ضد إيران، إلا أنه كشف عن عجز الولايات المتحدة وإسرائيل عن التغلب على إيران. ولعل هذا هو السبب في أن جوهر نصيحتهما في النص المعني هو أنه يجب الضغط على إيران لقبول اتفاق يتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة من خلال تقديم اقتراحات وتصوير تهديدات عسكرية واقتصادية.



