مقالات

العظمة ليست حِكرًا على الرجال..

-كوثر العزاوي-

أُمّ البَنين، زوج عليّ أمير المؤمنين بعد سيدة نساء العالمين، تلك القامة العظيمة التي استَطاعَت أَن تَغرس في قُلوب أَبنائِها وَفي عُمق أَرواحهم “أنّ الحياة مِن دون الحُسَين لاتساوي شيء”.

إنّ الدرس المهمّ الذي يمكن للمرأة اليوم استلهامهُ من شخصية “السيدة الجليلة أم البنين” هو: جانب الولاء المطلق لإمام زمانها “عليه السلام”.
فما لعِبتهُ هذه المرأة من دور تربويٍّ إلهيّ في بيت علويّ نورانيّ أنتَجَ واثمرَ أربعة شهداء بين يدي الحسين “عليه السلام” وكانوا رهن إشارته.
وما المقامات المعنوية العظيمة التي حظيت بها “أم البنين” والتي أفضت إلى الخلود السامي، إلّا نتيجةً طبيعية، تدرَّجتْ من أعتقادها الراسخ في توحيد الله تعالى وطاعته، وطاعة رسوله “صلى الله عليه وآله” ووصيّه أمير المؤمنين، والمعرفة النافذة لمقام البتول فاطمة الزهراء “عليها السلام”.
وأنّ معرفة المقام الرفيع لسيدة نساء العالمين، يؤدي حتمًا إلى التزام التقوى والعفة والبصيرة ونكران الذات.

ومن هذا المنطلق سعت “أم البنين” ببصيرة العارفين، لتترجمَ اعتقادها من خلال غرس بذور الطاعة والذوبان في نفوس أبنائها الأربع، وتابعت مسيرة حركتهم باهتمام بالغ في كل محطات حياتها، حتى أينعت وأزهرت، فأثمرت أربعة أقمار تلألأت في سماء الطف يومَ حميَ الوطيس! يوم تجلّت معاني الفناء في شخصية العباس وإخوته بين يدي إمام زمانهم.

لقد أعطت تضحية “أم البنين” دروسًا عملية حيّة في أبعاد التربية الهادفة، عِبر تَهيأة الأبناء فكريًا ومعنويًا، لتجسّد الدور الحقيقي للمُحاماة عن الحق ومن ثم الدفع بأفلاذ كبدها خلف قيادة الحق بالطاعة المطلقة! فقدّمتهم بكل سخاء لنيل رضا الله “عزّ وجل” ووفاءً للبيت العلويّ الفاطميّ.

فأنجزت تكليفها بإخلاص وتسليم، مبيضّةَ الوجه بين يدي فاطمة الزهراء “عليها السلام” يوم القيامة، حيث واسَت ونصَرَت إمام زمانها حتى اتّصل وفاؤها بتحقيق الثبات والنصرة والوقوف المشرّف بعد استشهاد الإمام الحسين “عليه السلام” مع الإمام زين العابدين “عليه السلام” وبطلة كربلاء السيدة زينب.

فكان لها الدور الأبرز رغم الثكل وعِظَم الفاجعة، دورًا إعلاميًا فعّالاً عِبر بكائها وندبتها بصوت المصيبة، لتُسمع الناس، وتعرّفهم ماجرى من رزءٍ عظيم، فطفقت تجاهد بلسانها الفصيح، وشاعريتها البليغة، ضد بنو أمية رغم عِظَم المصاب، لتفضح أفعالهم الشنيعة ومخالفتهم وصية نبيّهم، وتجاوزهم حدود الله في قتل إمام الأمة سيد الشهداء الحسين وأهل بيته “عليهم السلام”

والجدير بالذكر، فقد ورد في بعض الروايات أنّ يزيد بن معاوية “لعنه الله” قد دسَّ لها السّم، خوفًا من دورها في نشر فضائل آل البيت وانتقامًا لدورها في معركة الطف.
فتوفّيت “صلوات الله عليها” في عام ٦٤هـ في المدينة المنورة.
لذا صار لها جاه عظيم وشأن كريم عند الله وعند رسوله وأهل بيت المصطفى، إذ عُدّت بابًا للحوائج، مامن طالبِ حاجة من الله تعالى بجاهِها إلُا قضيت حاجته ما لمْ تكون محرّمة.
وها هيَ اليوم اسمًا شاخصًا وقدوة حسنة للنساء الصالحات، ومثلًا أعلى للشرف والعزة، وعنوانًا للإخلاص والثبات والتضحية، في سبيل الحق.
فما عُرِف عن السيدة أم البنين إنّما يؤكد:
أن ليس شرطًا في نُصرة المرأة للحقّ أن تحضر ساحة المعركة مع الباطل في مواجهة حقيقية كالرجال، طالما أنها تملك مؤهّلات أخرى للدفاع عن الحق وأهله بمقتضى موقعها، وحسبنا اليوم أسوة، تلك العناوين الحيّة التي رسمت لنا معالم طريق نصرة إمام الزمان، مادمنا على النهج ثابتات

١٢-جمادي الآخر-١٤٤٧هـ
٤-كانون الأول-٢٠٢٥م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى