قد لا أكون منصفا او محايدا حينما اتحدث عن كركوك حيث ابصرت النور فيها في منتصف الخمسينات من عائلة هربت من جور الاقطاع لتجد ضالتها في هذه المدينة التي اعشق , او حينما اكتب عن الحسين , فانا الذي تسمرت عيناي حد الاندهاش على راياته الخفاقة في ازقة وزوايا عرصة كركوك المتهالكة أيام محرم الحرام , حيث تجمع عرب الجنوب ومعهم باقي مكونات فسيفساء العراق من العرب و الاكراد والتركمان وحتى الصابئة و المسيح من مختلف طوائفهم من المغلوب على امرهم اين ماحلوا , لم تختزن الذاكرة من تلك البدايات الاولى سوى تلك الرايات الحسينية والجداران الطينية المتوشحة بالسواد وصدى جموع ذلك التجمع المهيب لموكب يقوم على ادارته والدي وجمع من سكان تلك الازقة في مدينة لم تكن تعرف قبل ذلك عن عاشورا والحسين الشيء الكثير , لم يكن حينها الحسين وعاشورا وقفاً على طائفة بذاتها , فالعرصة التي نسكنها كانت خليطا من كل الاطياف والملل والقوميات رغم غلبة العنصر العربي الجنوبي على باقي المكونات من حيث النسبة , نحن جيل الستينات الذي عايش وشاهد بأم عينه في متاهات كركوك المشانق وهي تتدلى في تموز 1959 ومجازر الحرس القومي والاعدام دونما حتى معرفة اسم من يعدم في 1963 , ومزاجيات عبد السلام في التعامل مع المواكب الحسينية بالمنع تارة والسماح تارة أخرى , وموجة القتل الممنهج لمن احب الحسين بعد مجيء البعث ثانية ومحاولة تحجيم المواكب بكل الصور وصولا الى المنع المطلق , كان الحسين وعاشورا يمثل لنا ما يمكن ان نسميه شحنة الترابط والتأخي والاصطفاف كانت الأيام العشرة الأولى وتليها الأيام الثلاثة بعد المقتل اقرب ما تكون بإعادة لقوة جذوة العلاقات بين مختلف تلك الجموع , كنا جميعا وبلا استثناء نشعر بان هنالك خيمة واحدة وواسعة تجمعنا ونستضل بها بعيدا عن الانتساب الى أي مكون عدا عراقيتنا التي كان ابائنا يقاتلون من اجل صيانتها , لا اريد ان استرسل بالسرد الطويل عن من كان وماذا كان وفيما كان يحصل من نكران ذات والذوبان ببودقة الجمع الحسيني ذو النكهة العراقية التي لا شائبة فيها , نعم كان الحسين يمثل لنا نحن صبيان وشباب كركوك في الستينات ومطلع السبعينات منطلقا للتفكير فيما نريد وماذا نريد كان قصائد عبد الوهاب القصاب وهي تصدح مخاطبة الجموع ( بوريثين ابتلت الدنيا شمر وكيسنجر ) تثير فينا روح الرفض لحالة التردي القائمة بعد هزيمة حزيران عام 1967 وتفتح قلوبنا نحو افاق لم نألفها , في الوقت الذي كانت قصيدة (يحسين بضمائرنا ) اشبه ما تكون بنشيدنا الوطني فقد كانت تحاكي المجموع دونما استثناء فهي لم تكتب لطائفة بذاتها بل انها أن وجدت من يقرأها وفقا لمقاييس كل الحقب الزمنية يجدها عبارة عن تحدي ورفض لكل القيود مهما كانت التضحيات , يقابها الرائع الصغير حمزة ( بكلي يلميمون ) حيث الشجن الممتلئ حزنا على ما حصل لآل البيت الاطهار , نعم كان الحسين وعاشورا بالنسبة لنا في كركوك منطلقا لنعاود مجددا رص الصفوف والانطلاق نحو عراقيتنا دونما أي تقوقع في منزلق الطائفية المقيت وغلبة الأعراق والقبلية والعشائرية المشوهة التي يعاني منها العراق الان , كانت الأيام الخوالي في عاشورا اشبه ما تكون بعودة الروح فقد كانت شوارع وازقة القورية وصاري كهية وبكلر وشارع الجمهورية واطلس وصولا الى المحطة وتسعين حيث البيوت المتناثرة جميعها تصدح بذكر الحسين بلغات ولهجات متعددة لم تقتصر فقط على العربية رغم ان الكثير من يسكنها لم يكن كما يتصور البعض الان من ذات الطائفة التي يعتقد الجهلة منها بانها وحدها من يحيي ذكر الحسين….. سيبقى الحسين وايام عاشورا والى الابد منارا نستنير به ومنطلقاً لتأكيد هويتنا الإنسانية وعراقيتنا الخالصة ..
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
-
الدراما واستهداف الهويةأبريل 14, 2023