مقالات

شيء كبير قادم : قراءة في الإيحاءات الترامبية والسيناريوهات المحتملة

ناجي الغزي/ كاتب وباحث سياسي

العبارة الغامضة التي نشرها ترامب عبر منصة (تروث سوشيال) وكذلك على منصة “إكس” يحتوي على صورة شخصية له مصحوبة بتعليق غامض وهي: (شيء كبير قادم) الصورة المرفقة مع العبارة لا تبدو مجرد لقطة عابرة، إذ يقف بذراعين نصف ممدودتين وراحتيه مرفوعتين إلى الأعلى، في مشهد تتوسطه خلفية بارزة لكوكب الأرض، بما يوحي برسالة رمزية عن موقع الولايات المتحدة ودورها في قيادة النظام الدولي.
هذه الإشارات المتزامنة عن خطط متعدّدة (غزّة ــ أوكرانيا ــ إيران) ليست مجرّد «بروباغندا انتخابية» فحسب، بل تشكّل نقطة التقاء مشاريع سياسية اقتصادية وأدوات عسكرية بديلة يمكن أن تعيد تشكيل موازين القوة في مناطق حسّاسة. في هذه القراءة المتواضعة نفكك إيحاءات ترامب الى أربعة سيناريوهات ممكنة، يقَيّم قابليتها، ويضع مؤشرات إنذار مبكّر وتوصيات عملية للدول الإقليمية والمراقبين والسياسيين.

أولاً: ماذا نقرأ في عبارة ، لا شيء يوقف ما هو قادم؟

ترامب استخدم على منصّته (تروث سوشيال) منشورات وصوراً مرئية مصحوبة بصياغات تهويليّة مثل (العالم سيفهم قريباً ، لا شيء يوقف ما هو قادم)، وهو سلوك متعمّد لرفع التوقع والالتفاف الإعلامي حول إعلان يُراد منه أن يعيد رسم مشهداً سياسياً أو اقتصادياً. هذه المنشورات أثارت جدلاً وتحليلات واسعة في الصحافة. ويمكن قراءة هذه العبارة ضمن أربعة سيناريوهات أساسية:

السيناريو الاول: غزّة تحت وصاية وإدارة أمريكية.
حسب التسريبات التي تذكر بأن هناك خطة تُعرَف باسم GREAT Trust أو Gaza Riviera وهذه الخطة تقترح بتحويل القطاع إلى مشروع إعمار ضخم (مدن ذكية، سياحة، استثمار) تحت إشراف أمريكي لمدّة عقد مع حوافز مالية لإخراج السكان مؤقتاً أو طوعاً هذا الكلام جاء حسب صحيفة. (The Washington Post) كما تعتبر هذهه المعلومات مخالفة صريحة لقواعد الحماية الدولية ضد النقل القسري للسكان، مع رفض سياسي وشرعي من الفلسطينيين واحتقان عربي وإحتاج شعبي دولي قد يُوصِم أي مبادرة من هذا النوع باعتبارها (تطهيراً ديموغرافياً). أيضاً بالمقابل إسرائيل لن تقبل بسهولة بوضع يسمح لواشنطن بحضورٍ إداري دائم قد يقيّد سيادتها المعلنة حسب ما كتبت عنه صحيفة (The Guardian)
البريطانية . ولكن هذا السيناريو بصيغته الصريحة غير قابل للتنفيذ؛ ربما بصيغة متوسطة على شكل “مشاريع إعمار واشراف اقتصادي جزئي” تدار عبر عقود شركات خاصة وبشراكات خليجية. هذا يترك آثار محتملة من الشروخ الدبلوماسية، وتفجر موجات نزوح اقليمي كبير، ويشكل سابقة دولية خطيرة.

السيناريو الثاني: اختراق سلام إقليمي
هناك محاولة أمريكية تسويقية لربط نجاح دبلوماسي كبير بإنجاز إقليمي (مثلاً ترتيب على خطّ سورية – إسرائيل أو تسوية ملف الجولان). ولكن هذا السيناريو يواجه بعض العقبات، منها تعقيدات السيادة، ورفض جهات فاعلة إقليمية، وغياب ضغوط حقيقية تفرض تغييرات جوهرية على الأرض. ولكن الى أي مدى زمني يتم قابليّة تنفيذ؟ أعتقد سيكون تنفيذه منخفض جدًا على المدى القصير. وذلك بسبب آثاره المحتملة، و لو نجحت تلك المحاولة، ستكون مكلفة سياسياً وتغييرها سيكون هشاً، ولو فشلت فهي ذريعة لرفع منسوب الخطاب الترامبي داخلياً.

السيناريو الثالث: تصعيد عسكري ضد إيران.
التصعيد او الحرب الامريكية – الاسرائيلية ضد ايران أحد الخيارات العسكري المطروحة، سوى بطريقة مباشر أو موجات ضربات محدودة ضد منشآت أو قدرات إيرانية استجابةً للتقدّم النووي الايراني أو هجمات إقليمية. هناك تقارير برلمانية وحركات تشريعية وتصريحات تشير إلى أن الكونغرس والأجهزة الامنية يناقشون هوامش واسعة للرد. أخيراً، شهدت الساحة عناصر تصعيدية مما جعلت ملف إيران في عين العاصفة.
ولكن عقبات ومخاطر هذا السيناريو هو امتداد الحرب إلى الخليج وسلسلة ردود إقليمية كـ (حزب الله، وبعض الفصائل العراقية، والحوثيين في اليمن) وكذلك التأثيرات النتجة على أسواق الطاقة العالمية. وان اي استخدام للخيارات العسكرية الواسعة سيكسر أي حديث عن “خفض الانخراط البري” شأنها شأن كلفة انتخابية وسياسية هائلة في الداخل الأمريكي.
ولكن هل هناك قابليّة لتنفيذ هذا السيناريو؟ ستكون الاحتمالات متوسطة على مستوى من الضربات المحدودة. أو ربما تكون منخفضة للحرب الشاملة مع استخدام أسلحة تكتيكية نووية، لان هذا الخيار سيكون ذو عتبة سياسية واستراتيجية عالية. مما يترك
آثار محتملة، صعبة وصادمة للاسواق النفطية، كما تخلق توسيع جبهات القتال، وزعزعة أمن الملاحة والاقتصاد في المنطقة.

السيناريو الرابع: أوكرانيا- السلام قابل العقود
أحد السيناريوهات المطروحة على طاولة ترامب هو عقد اتفاقيات سلام مستقبلية تُبقي على «بصمة أمريكية» عبر عقود شركات أمنية خاصة (PMC) لتشييد تحصينات وحماية مصالح إعادة الإعمار والموارد، كحل وسط لتجنّب إرسال قوات نظامية. هناك تقارير غربية نقلتها صحيفتي (Telegraph, The Kyiv Independent) عن محادثات حول نشر متعاقدين أميركيين بهذه الصيغة في إطار ترتيبات ما بعد الحرب. ولكن هذا السيناريو يواجه بعض العقبات، منها القانون الأوكراني الذي يحظر التشكيلات المسلحة الخاصة، مما يحدث مخاطر سياسية داخلية، ومسؤوليات جنائية دولية/أمريكية. وإن استهدف هؤلاء وتحوّلوا إلى ذريعة للتصعيد. التاريخ يذكر بتجربة «بلاك ووتر» في العراق ودروسها القاسية.

ثانياً: لماذا يعلن ترامب عن (شيءٍ كبير) الآن؟

حين يلوّح ترامب بقدوم (شيءٍ كبير)، فإن الأمر لا يقتصر على مجرد جملة غامضة تُشعل الفضول، بل هو جزء من أسلوب محسوب بدقة.
ففي الداخل الأميركي، يقدّم هذا الإعلان نفسه كعرض انتخابي ـ تسويقي، يُغذّي رواية الرجل عن إعادة القوة والمال إلى الولايات المتحدة، عبر صفقات ومشاريع وإعمار يمكن تسويقها للناخب بوصفها إنجازات ملموسة.
أما في الخارج، فالقصة تأخذ منحى أكثر تركيباً. ترامب يوازن بين تقليص الانخراط العسكري المباشر، وبين ترك بصمة لا يمكن إغفالها. لا جنود نظاميين على الأرض، لكن هناك شركات خاصة، وعقود استثمار، وترتيبات أمنية تُبقي حضوره حاضراً ولو بطرق غير تقليدية.
إلى جانب ذلك، فإن «الإعلان الكبير» يصبح أداة تفاوض بحد ذاته: إشارة ضغط تُرسل إلى العواصم الأوروبية أو الآسيوية لتحمل مزيد من الأعباء، أو لفتح أبواب عقود اقتصادية مربحة. وهنا، يتحول الغموض إلى ورقة مساومة تُربك الخصوم وتدفع الشركاء إلى إعادة الحسابات.
وأخيراً، لا يخلو الخطاب من بعد ردعي ـ نفسي، فالتعبيرات من قبيل (لا شيء يوقف ما هو قادم) تُزرع عمداً لتبني صورة عن قوة لا تُعطَّل ومسار لا يُوقف، بما يترك خصومه في الداخل والخارج في حالة ترقّب وقلق دائم.
إنها إذن هي حيل وتلاعب بالجمل والمصطلحات يحاول من خلالها، ان يجمع بين الاستعراض الانتخابي، والحضور الاستراتيجي غير المباشر، والمساومة الدبلوماسية، والردع النفسي، في مشهد واحد يليق بلعبة ترامب السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى