شؤون اقليمية

ايران وامريكا.. حرب ام مفاوضات؟ تصعيد ام تهدئة؟

بقلم : السيد عادل عبدالمهدي

                                                   

الاوضاع بين ايران وامريكا -كذلك العالمية- لها تأثير مباشر علينا. كيف نفهمها ونقيمها؟ باختصار شديد.

اربعة عقود من الحصار والعقوبات والحروب لم تركع خلالها الجمهورية الاسلامية، بل ازدادت قوة وتطوراً ونفوذاً. رغم الصعوبات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، الطبيعية والمفروضة.

بالمقابل وراءنا اربعة عقود انهار خلالها الاتحاد السوفياتي ووجوده في افغانستان وشرق اوروبا. وانهار الوجود الامريكي في افغانستان والى حد ما في العراق، وتراجعت قطبيته العالمية. وتغيرت موازينه الداخلية. الامثلة كثيرة، في البنية التحتية وتراكم الديون والتضخم وارتفاع اسعار الفائدة. والصراع بين البِيِض والبِيِض، والاخيرين والسود وبقية الملونين. والقيم التقليدية والليبرالية، بل حتى بين يهود امريكا و”اسرائيل”. ويعود منطق التنافس مع الصين، بدل الصراع، كما عبر مؤخراً الرئيس الامريكي، خلافاً لمنطق الادارة السابق. وتقدمت الصين والهند ودول الـ”بريكس” ومنظمة “شنغهاي” وغيرها. ويتململ دور الدولار، ونشهد مزيداً من الانقسامات الغربية، ويصمد اقتصاد الاصول والاقتصاد الحقيقي/المتعادل، ويتراجع اقتصاد الارقام والبورصات والاقتصاد الوهمي/اللامتعادل.

وفي اوكرانيا المدمَرة، إن لم تتوسع الحرب، فان المفاوضات ستوقفها، على الاغلب. حرب حققت فيها روسيا اكثر مما طلبته في “مينسك2”. فاستعادت الكثير من الارض والبحار، رغم العقوبات والحصار الغربي. بل قد تكون الحرب كلفة مؤقتة لاستثمار طويل، في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية. ولكن ايضاً في اوروبا المتراجعة تاريخياً وبسبب الحرب، والتي لن تجد الكثير من دولها في النهاية من امتدادات تساعدها في اقتصادها وطاقتها وتوازناتها اكثر من روسيا نفسها.

في هذا العالم المتصارع/المتداخل، ستضطر امريكا التعايش مع القطبيات المتعددة، وتفكك سياسات الهيمنة والغزوات والاحتلال، وتصاعد قوة اسيا وغيرها. فالسياقات واضحة في العالم. وهي واضحة ايضاً في منطقتنا. كما يشير الملف النووي الايراني، وترسيم الحدود البحرية في لبنان، والهدنة الهشة في اليمن، وقرارات اوبك+، واولمبياد قطر وموقف الشعوب من التطبيع، وفي مقدمة ذلك كله وغيره تطورات القضية الفلسطينية وتصاعد المقاومة رغم بطش الاحتلال، وسعيه لجر امريكا لحرب تتجنبها. فامريكا -رغم قوتها- تواجه صعوبات متزايدة في ادارة ملفاتها. ليس مع ايران فقط، بل ايضاً مع العراق وسوريا ولبنان واليمن والسعودية ودول الخليج والمنطقة العربية وباكستان وتركيا وافغانستان، ناهيك بقية المناطق والدول، بما فيها الدولة العبرية.

برهنت ايران انها قادرة على الصمود ورد الصاع صاعين. وعن قدرة تفاوضية عالية، وفي ايصال رسائلها التهديدية او التطمينية بكفاءة. فباتت احدى القوى القادرة على دفع الامور باتجاهات تاريخية، مناطقية تبدأ بتطمينات متبادلة، وعالمية تبدأ بارساء علاقات اكثر عدالة. وهذا استحقاق البناء والمقاومة والصمود. فالمعارك حيث يتحقق النصر او الهزيمة قد حسمت، إن صحت تقديراتنا. وما تبقى هو اعتراف – واع او غير واع ومتسلل- لنتائجها، او لخطوط التموقعات النهائية التي يسعى كل طرف لتحسينها لمصلحته، كما يحصل في نهايات كل حرب. وهذا يتحقق -كما نشهده اليوم- عبر الضغوطات المتبادلة والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة، او الاذعان للأمر الواقع وما يرتبه من مراجعات وتراجعات وانسحابات. انه اشبه بالاستحقاقات التي ترتبت على مفاوضات امريكا والصين وما عرف بدبلوماسية “البينك بونك” (نيسان1971) والتي مهدت لاعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولتستعيد بكين الاعتراف الاممي بدل تايوان. او مفاوضات باريس بين فيتنام الشمالية وامريكا (نهاية الستينات) التي عززت ارادة النصر وسقوط سايغون (1975) وتوحيد فيتنام. او كما فعل الامام الخميني (قدس سره) بايقاف الحرب (1988)، وترك تداعياتها تفعل فعلها لتتمزق وتنهار جبهة، وتتوحد وتنتصر اخرى. او كما فعلت مفاوضات “الدوحة” والتي صاغت منزلقاتها لقرار انسحاب القوات الامريكية من افغانستان، وقس على ذلك.

الاغتيالات والعقوبات والترويجات الاعلامية واثارة الفتن لن تنفع مع ايران وجبهتها، بل تقويها. والمواجهات -وفق التجارب- لا يتحملها الاخرون طويلاً، وتتحملها ايران وجبهتها ولو باذى وكلف عالية. فاذا كانت احتمالات الحرب ضعيفة او شبه معدومة، والتصعيد لا يؤتي اوكله، وبلغت التدافعات مرحلة “حدوة الحصان”، فالاغلب ان ثغرة -وثغرة كبيرة- في الجدار باتت قريبة، وهو ما يجب البناء عليه والاستعداد له. والعراق يستطيع لعب دور ايجابي لمصلحته ولمصلحة جيرانه، بل لمصلحة علاقات ايجابية ومتكافئة مع الولايات المتحدة ايضاً.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى