شؤون اقليميةمقالات

في ظلال طوفان الأقصى “87”

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

اليومُ التالي دولةٌ فلسطينيةٌ وحكومةُ وحدةٍ وطنيةٍ

يكثف العدو الإسرائيلي جهوده الدولية والإقليمية لاستكمال عدوانه على قطاع غزة، وتعويض فشله العسكري بحلولٍ سياسيةٍ، من شأنها تحقيق بعض أهدافه التي فاتته وعجز عن تحقيقها، وإيهام نفسه ومستوطنيه أنه حقق ما يريد، وأنجز الأمن المستقبلي لكيانه في السنوات القادمة، وضمن ألا تستعيد حركة حماس سلطاتها، وألا تعود إلى حكم قطاع غزة من جديد، وذلك من خلال هندسة اليوم التالي للحرب، وترتيب الأوراق الداخلية للقطاع بمشاركة بعض دول المنطقة العربية، ورعاية دولية وضمانة أمريكية، وبذا تكون قد تخلصت دولة الكيان من أعباء سكان غزة المعيشية والإنسانية، وحملت غيرها المسؤولية عنها، واشترطت عليهم ضماناتٍ أمنية وسياسية كانت تحلم بتحقيقها بنفسها لكنها فشلت، ولا يوجد في الأفق القريب أو البعيد فرصةً لتحقيق ما تريد بنفسها، بالقوة التي تستخدمها، أو بالمزيد من القوة التي تملكها.

أمام هذه المؤامرات المكشوفة والمخططات الخبيثة، التي يحركها العجز الإسرائيلي والتآمر الأمريكي، وفي ظل غلبة المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني وصبره واحتماله، وفي ضوء المتغيرات الدولية، والمواقف السياسية المؤيدة لنضال الشعب الفلسطيني، والمعارضة العالمية المتنامية للحرب الإسرائيلية المجنونة عليه، والاعترافات الدولية بدولة فلسطين، وحق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وإنشاء دولته المستقلة، بالإضافة إلى اتساع إطار الدول التي انظمت إلى دولة جنوب أفريقيا في الدعوى التي رفعتها ضد الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية.

واستثماراً لتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة المتكرر، والذي أظهر تأييد دول العالم لاستقلال دولة فلسطين، وعضويتها الكاملة في مؤسستها وكافة المؤسسات الدولية، وفي ظل تردي صورة الكيان الصهيوني وعزلته، والكشف عن سياسته العنصرية البغيضة، وعدوانه الهمجي ضد الإنسانية، وتراجع مستوى التأييد الدولي له، واحتمالات إصدار محكمة الجنايات الدولية قرارات اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه غالانت، وربما ضد غيرهم بعد ذلك، وهو المرجح، من المسؤولين السياسيين والعسكريين المتورطين في الحرب.

وفي ظل الإحساس المتنامي لدى دول أوروبا الغربية وكندا وأستراليا وغيرهم، وربما الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، أن الكيان الصهيوني قد أصبح عبئاً عليهم، ومكلفاً لهم، ومضراً بهم، ومحرجاً لهم، وقد تسبب لهم بسياسته الدموية وبحرب الإبادة البشعة، باضطراباتٍ داخلية ومظاهراتٍ شعبية، وربما بتهديد السلم الدولي، واحتمالات توسيع إطار الحرب، وتفاقم تداعياتها الاقتصادية عليهم، ولم تعد حكوماتها قادرة على الدفاع عنه وتأييده، فضلاً عن إمداده بالسلاح ومساندته بالسياسة في عدوانه الفاضح على الفلسطينيين عموماً وعلى قطاع غزة على وجه الخصوص.

وقطعاً للطريق على كل الذين يدعون حرصهم على الشعب الفلسطيني وغيرتهم على مصالحه وأمنه وسلامته واستقراره، وحقيقة الأمر أنهم مع الكيان الصهيوني ويسعون لمصالحه، ويخشون على أمنه، وينفذون سياسته ويسعون لتحقيق أهدافه، ومنعاً لهم من الموافقة أو القبول بأي مقترحٍ يفرض عليهم أو يطلب منهم.

وحرصاً من قوى الشعب الفلسطيني وفصائله، وسلطته ومقاومته، الذين رأوا من شعبهم في الوطن والشتات، وفي غزة والضفة، وفي القدس والأرض المحتلة عام 1948، ما لم تراه أي قيادةٍ أخرى في العالم، وما لم يقم بمثله أي شعبٍ آخر، إذ أثبت شعبهم الصابر المقاوم المحتمل المحتسب، أنه أوعى من قيادته، وأثبت من سلطته، وأصدق في صبره، وأقوى في صموده، وأكثر حرصاً على مصالحه وأجياله في وطنه وحقوقه وممتلكاته، وأمنه وسلامته ومستقبله.

وتأكيداً على وطنيتهم وإخلاصهم، وصدقهم وحسن نواياهم، وكسباً للوقت، وانتهازاً للفرصة، وخوفاً من الخسارة وتفويتاً للندم الذي قد يكون كبيراً، فقد يكون جديراً بهم الإعلان الفوري عن تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ فلسطينية، ترأسها شخصيةٌ وطنيةٌ وحدويةٌ جامعةٌ صادقةٌ، تعلن مباشرةً بيانها الحكومي الوطني، وولايتها السياسية والسيادية الكاملة، على القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، والتقدم بطلبٍ إلى المجتمع الدولي كله للاعتراف بها والقبول بانضمامها إلى مؤسساته الدولية.

تعلن الحكومة الفلسطينية التي يجب أن تكون سريعة وشاملة للكل الفلسطيني، وقائمة على ثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه، وبعيدةً عن أوسلو واشتراطاته، والسلطة والتزاماتها، والحكومات السابقة واعترافاتها، مسؤوليتها الوطنية الخالصة وحدها عن كل المناطق الفلسطينية، ومسؤوليتها المباشرة وحدها كحكومة وطنية عن إدارة شؤون شعبها في كل مكانٍ، والتزامها بالمسؤولية عن إعادة إعمار قطاع غزة، وتمكين شعبها وتعويض أهلها، والمباشرة في ملاحقة قادة العدو ومسؤوليه أمام المؤسسات الدولية بجرم إبادة الشعب الفلسطيني وقتل عشرات الآلاف من أبنائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى