يمكن القول إن الخلل الجوهري في فكر الغرب وثقافته، يكمن في التباين والتناقض بين معاييره النقدية التقويمية في وعي ذاته، ومعاييره المتعصبة الأصولية في وعي الآخر، أي أن الغرب لا يريد أن يفهم الإسلام كما هو، بل كما يريد أن يكون المسلمون عليه. وربما هناك عدد قليل جداً من الدراسات الغربية احتوت على فهم قريب من الواقع للإسلام كنظام شامل للحياة، حيث مكّنها ذلك من وعي دوافع تيّارات الصحوة والنهوض وأسسها الفكرية، وذلك من خلال منهج آخر، انتقدت فيه المنهج الغربي السائد في الدراسات السسيولوجية للظواهر الاجتماعية، ومنها ظواهر النهوض الإسلامي. ورغم ذلك؛ فإن هذه الدراسات المستقلة في دوافعها، سارت بالاتجاه نفسه، لأنها اضطرت لاستخدام المعادلات والمصطلحات ذاتها في التحليل والاستنتاج.
وبشكل عام؛ يمكن استخلاص أهم خصائص ومعايير الوعي الغربي بالإسلام، كما يلي:
1- إنها تحاول فهم الإسلام من خلال المسلمين، أو من خلال الظواهر الخارجية للمجتمع وليس العكس.
2- تقويم حراك النهوض الإسلامي من خلال الرؤية الغربية نفسها، وليس من وجهة النظر الإسلامية، أو من وجهة نظر تيّارات النهضة.
3- إن وعي الغرب بحراك النهوض الإسلامي ليس وعياً مستقّلاً بوجود مستقل، بل هو جزء من وعي الغرب بذاته، لأن الشرق، وخاصة المسلمين، يمثّل «الآخر» بالنسبة لـ«الذات»، أي الغرب، و«التمثيل» بالنسبة «للحقيقة»، و«الأطراف» لـ«المركز»، وإن هذا «الآخر» الخارجي هو امتداد لعناصر الخارج في نظام «ميشيل فوكو»، وهي: الانحراف والشذوذ والجنون.
4- إن الشرق (الناقص الضعيف!) لا يمكنه وعي ذاته وعياً حقيقياً إلا من خلال وعي الغرب لها.
5- الرؤية الغربية تقتطع حراك النهضة الإسلامية الحديثة من سياقها التاريخي، وتدرسها كظاهرة ضمن مرحلتها الزمنية فقط، أما الخلفيات والأبعاد التاريخية والعقائدية؛ فإنها تستعيرها جاهزة من لاهوت السلطة والخطاب الاستشراقي.
6- أنها تعتمد النظريات الغربية الجاهزة في علم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي، كنظرية «أريكسون» في الشخصية والقيادة الدينية، أو نظرية «ماكس فيبر» في قدرة القيادة الكاريزمية (الملهمة)، فضلاً عن آراء فلاسفة اجتماعيين آخرين أمثال «ماركس» و«دوركهيم» و«برغر»، الذين يؤكدون على أن منطلق الالتزام الديني وزيادته، هو الحرمان الاجتماعي والاقتصادي. ثم تُخضع الحراكات الإسلامية للتقنيات المنهجية لهذه النظريات (حسابات وإحصاءات ورسوم بيانية).
هذه الخصائص والمعايير تجعل العقل الغربي متخبّطاً في معلوماته وتحليلاته ونتائجه، بالنظر لوعيه الذاتي بالإسلام ومرتكزات النهضة فيه، وبدوافع تيارات النهوض الإسلامي الجديد وأسسها العقدية والفكرية، وعلى حد تعبير أحد الكتّاب الغربيين: إن ما نعرفه عن هذه الجماعات أقل مما لا نعرفه، والذي نعرفه وصلنا مشوّهاً ومرتبكاً، هذا إضافة إلى المنهج المنحاز في التفكير، وعدم الموضوعية في استنباط النتائج. ويطلق «روجيه غارودي» على هذا الوعي أو الرؤية تسمية «الأصولية الغربية اللاواعية والمميتة»، التي تُستخدم كمسوّغ ايديولوجي لكل تجاوزات الاستعمار. في حين يصف باحث آخر العقل الغربي الاستشراقي، بأنه العقل الذي يعتبر الغرب الحقيقة والمركز والقوة، ويصور الشرق تصوراً استعمارياً عرقياً وفوقياً.
وبالتالي؛ فالوعي الغربي بالاسلام والمسلمين والحركات الإسلامية هو وعي استعماري سلبي مرعب، شكله القساوسة والمستشرقون، ويغذّيه الباحثون الأكاديميون، وتنشره وسائل الإعلام ضمن إيحاءات نفسية سلبية، وتستثمره السلطات العسكرية والسياسية والاقتصادية. أي أن مظاهر الوعي الغربي هذا تمثّل الإفرازات الخارجية لوعي الغرب الايديولوجي بذاته وبالآخر ، وطبيعة تعامله السلطوي مع مفرداته، وفي مقدمتها الإنسان المسلم ونهوضه الجديد. وفضلاً عن الأهداف الستراتيجية والتاريخية للغرب، والتي تمثل إرادة عقله ووعيه بإزالة أي عنصر للنهوض الإسلامي، وتدمير أي مستقبل مستقل ونام وناهض للمسلمين؛ فإن أهم الأهداف المرحلية لهذه الإرادة، والتي تنفذها الأنظمة الغربية عبر حملات الغزو الإعلامي والثقافي والتآمر السياسي والمخابراتي والحصار الاقتصادي والتهديدات العسكرية:
1- المحافظة على صورة مشوّهة عن الإسلام في العقل الغربي الشعبي، والحيلولة دون تأثّر سكان الغرب بالمد الإسلامي أو التدين (الأصولي) كما يسميه الخطاب الغربي.
2- تحميل الإسلام وزر ممارسات المسلمين وتخلفهم، بما في ذلك الممارسات الإرهابية لبعض التيارات المحسوبة على الإسلام، والتي ساهم الغرب نفسه في صناعتها، بهدف اتهام الإسلام بأنه يحمل في ذاته مكامن العنف والإرهاب، وأن الحركات الإسلامية المقاومة والنهضوية هي الوجه الآخر للجماعات الإرهابية تلك.
3- ملء ما يسمّى بمناطق الفراغ الفكري في المجتمعات الإسلامية، من خلال الترويج لمبادئ العلمانية والليبرالية والعقلانية بشكلها ومضمونها التقليديين في الغرب، كبديل فكري ومنهجي وتنظيمي للمسلمين.
4- دفع أنظمة البلدان الإسلامية، لتطبيق العلمانية الليبرالية وإلزاماتها الحقوقية والثقافية، مع إعطاء بعض الحريات وتجنب مظاهر القمع الاجتماعي، ورفع شعارات إسلامية (معتدلة)، كمحاولة لتقويض ما يسمونه بالنزوع الشعبي نحو الحركات الإسلامية كخيار سياسي وفكري.
5- إظهار (فشل) النماذج الإسلامية المعاصرة، كالجمهورية الإسلامية الإيرانية، والحركة الإسلامية العراقية، والمقاومة الإسلامية اللبنانية، والمقاومة الإسلامية الفلسطينية، وعدم صلاحيتها سياسياً وثقافياً واجتماعياً لحل مشكلات الإنسان المعاصر، بوصفها تمثل «الإسلام الأصولي»، وتقديم ما يسمى بــ «الإسلام المعتدل»، والذي عُرف بـ «الإسلام الامريكي»، كبديل عنها.