لا يشك أحدا على الإطلاق قوة تتماسك المجتمع العراقي، منذ زمن طويل لأسباب عده في مقدمتها انه مجتمع بدوي الأصل، ولا احب أيضا، وحتى الحضرين، منهم من نفس الأصل، مع ضرورة الإشارة إلى أن المجتمع العراقي تأثر كثيرا بالارث الحضاري والديني والثقافي والذي اكسبه المزيد من التماسك..
وحال بقية المجتمعات الأخرى، فقد تعرض المجتمع العراقي إلى اهتزازات داخلية وخارجية قاسية جدا خصوصا في العصر الحديث والمعاصر، خصوصا الأمراض والجوع والفقر والحروب والانقلابات والحكومات العسكرية وغيرها، وقد ألقت بظلالها على طبيعة هذا المجتمع، لكن التعرض والضربة الاقسى كانت الحرب العراقية الإيرانية (١٩٨٠ _ ١٩٨٨)م، ومدة الحصار الاقتصادي (١٩٩٠_ ٢٠٠٣)م، والتي أثرت بشكل كبير في تماسك المجتمع، إذ تأثرت الأسرة والمجتمع العراقي إلى تفككات واضحة بسبب غياب ولي الأمر والتدخل الحزبي المقيت والتسلط وغيرها، فضلا عن أثر الحصار في دفع الموظفين إلى أخذ الرشوة والتوجه نحو التزوير والتلاعب وعدم حسن الإداء الوظيفي، أي الفساد الذي كان معيبا اجتماعيا، أصبح ضرورة وشطارة ..
وبعد عام ٢٠٠٣م أي بعد الاحتلال الأمريكي وإسقاط حكومة البعث وقياداته في العراق، تأثر المجتمع بشكل أكبر وأوضح، من خلال حل الجيش والمنظومة الأمنية وغيرها من القرارات التي عمقت الانقسام المجتمعي، وعملت أمريكا بخطة ذكية إلى إذكاء الفتن وتقريب البعيد وإبعاد القريب، لضرب المجتمع بشكل عميق وقوي، وتحقق لهم ما أرادوا وبأقل الكلف المادية والاعتبارية، فقد وفرت أمريكا الأرضية المناسبة من تشتيد المجتمع بين الأحزاب، أو عبر المكونات أو الطبقات لتسهيل عملية الإختراق، فبرزت النعرات والحروب بينها وكلفت المجتمع غاليا من العداوة والبغضاء بين العشائر والأحزاب والحوزات والإعلام وغيرها، وبرز نوع آخر من الفساد الحكومي والشعبي، الناجم من غياب أو تغييب قدرة الدولة أو المجتمع عن المواجهة، ولعبت هذه الخطة دورا قبيحا في تمزيق المجتمع، وجعله ضعيفا غير قادر على مواجهة التحديات الجسام، التي كان من المفترض، أن يواجهها بكل جد وحزم..
اليوم، يمكن القول إن المجتمع العراقي خسر الكثير من خصائصه الإيجابية التي استغرقت قرون في بناءه، وأصبح من السهل فعلا تمرير المزيد من السلبيات داخله، مما كلفه المزيد من التراجع، في مواجهة الآفات الخطرة والمتمثلة، بالمخدرات والطلاق والتسول والسرقة والبطالة والتجهيل والعادات والتقاليد الدخيلة، في المأكل والملبس وغيرها، وأصبح مجتمعنا اليوم مجتر، للثقافات الدخيلة، وعدم قدرته على التعاطي مع تحديات العصر الكبيرة والمعقدة..