
استفحل الفساد الاداري والمالي في العراق واستشرى في معظم مؤسسات الدولة , وان اخطر ما في الامر هو ابتعاده كثيرا ليصبح ثقافة مجتمعية ينتقدها المجتمع علناً ويمارسها سراً. وقد اتخذ انماطاً مختلفة , فقد امتد الى مؤسسات التشريع فعطل حكم القانون , وامتد الى القضاء فقوض العدالة , وقد قضى على مبدأ الشفافية والابداع عن طريق نفاذه الى الادارة , وادى الى هدر المال العام من خلال استشراءه في قطاعات الاقتصاد القومي .
ان استمرار تفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي في العراق ادى الى انعدام ثقة المواطن بالحكومة والمسؤولين . ففي العراق يعد الفساد جزءاً من النظام السياسي، بحيث تسعى بعض الكيانات السياسية إلى السيطرة على موارد الدولة لديمومة شبكات المحسوبية المرتبطة بها، وكذلك خياراً فردياً للملاكات العاملة في القطاع العام والخاص، إذ إن المنافع المترتبة على الممارسات الفاسدة أعلى بكثير من المخاطر المحتملة؛ وعلى ذلك تكون عملية قمع الممارسات الفاسدة صعبة جداً لضعف مؤسسات مكافحة الفساد وضعف الإجراءات الخاصة بالسيطرة عليه.
ولما كان الفساد في العراق جزءاً من النظام السياسي فان توفر الإرادة السياسية تعد الركيزة الأساس في مكافحة الفساد والحد من آثاره المدمرة على مقدرات الشعب.
ولو افترضنا توافر هذه الإرادة بنسبة ما , فالتساؤل الذي يطرح ههنا هو ما الآليات أو الخطوات التي يجب القيام بها على المدى القريب والبعيد لمكافحة الفساد في العراق؛ ولو اردنا مكافحة الفساد في العراق فهل ستكون لأليات المكافحة نتائج واضحة للجمهور والاعلام والمجتمع المدني؟ وهل ستحاكي عملية المكافحة مصلحة المواطن وتحقيق تطلعاته . هذه التساؤلات وسواها سوف نتطرق لها من منظور استراتيجي لمكافحة الفساد في العراق وفي ضوء التجارب الدولية الناجحة.
اولا. الحوكمة الالكترونية :- ان استعمال تقنيات المعلومات والاتصالات في المؤسسات الحكومية والخاصة لتنفيذ مهامها , فان ذلك يؤدي الى مشاركة المعلومات واجراء التعاملات بين المؤسسات الحكومية وبين الحكومة والقطاع الخاص وبين الحكومة والمواطن . وقد برهنت التجارب الدولية ان هناك علاقة عكسية بين الحوكمة الالكترونية والفساد
ثانياً: النافذة الحكومية الواحدة : ان توفير جميع الخدمات للمواطنين في مكان واحد وتقديم التسهيلات لهم من خلال جمع ممثلين عن الدوائر الحكومية المعنية بالخدمة تحت سقف واحد بما يكفل سهولة وسرعة تقديم الخدمات وبالتالي خفض التكلفة
ثالثا : مشاركة منظمات المجتمع المدني : تشير التجارب الدولية إلى أهمية مشاركة منظمات المجتمع المدني في تنفيذ استراتيجيات مكافحة الفساد؛ وذلك لأهميتها في التبليغ عن الفساد، ومراقبة الأداء، ونشر الوعي عن أهمية الشفافية والمساءلة القانونية، فضلاً عن المشاركة في تنفيذ مبادرات الشفافية الدولية والإقليمية والمحلية عبر بناء التحالفات الداعمة للإجراءات الرادعة للفساد
رابعاً: الزيارات التحقيقية المفاجئة: تساعد الزيارات التحقيقية المفاجئة على ردع الفساد عبر زيادة احتمالات ضبط المخالفات، ولاسيما إذا كانت إمكانات الردع ضعيفة، وفرص الفساد عالية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية تُستَخدم الجولات التفتيشية غير المعلنة على نطاق واسع من قبل السلطات الفدرالية والسلطات المحلية، غير أن كفاءة هذا الإجراء يتوقف على الموارد المتاحة والأطر القانونية والدستورية التي تنظمه