ثقافيةعراقيةمقالات

الشهيد الحاج ابو مهدي المهندس- قائداً ومفكراً ومجاهدا”

ا.د. حسين الزيادي/ مركز تبيين للتخطيط والدراسات الستراتيجية  

سيرة ناصعة ومسيرة مشرفة ونخوة عزَّ نظيرها، له في كل مناسبة حضور بهي ، كتب صفحات خالدة من الجهاد والدفاع عن المقدسات، وبعد اجتياح مسلحي تنظيم داعش الإرهابي أجزاء واسعة من شمال العراق وغربه، تولّى الشهيد المهندس رضوان الله عليه جمع فصائل مسلحة عدّة لمواجهة التنظيمات الإرهابية في بغداد وجوارها، ومنذ تشكيل هيئة الحشد تولى المهندس منصب نائب هذه القوة العسكرية التي أعلنت لاحقاً كهيئة رسمة ضمن قوات الجيش العراقي المختلفة وتحت قيادة القائد العام، لم يكن يعنيه المنصب فقد كان يرى نفسه مجاهداً وهي الصفة التي أحبها ولازمته حتى لحظاته الأخيرة.

وكان الشهيد المهندس رضوان الله عليه مواظباً على الحضور كقائد ميداني لساحات المعارك التي قادها الحشد على الأرض، وساعد في تطويره عسكرياً مسجلاً عمليات نوعية ضدّ المجموعات الإرهابية وأجبرهما على الانسحاب من مناطق عراقية عدّة كانت تحت سيطرتهما حتى بات المهندس أحد الأهداف الرئيسية المطلوبة من الإرهاب وأذنابه،  كما ساهم لاحقاً في تأسيس فصائل مقاومة أخرى وكان على تواصل مع جميع الفرقاء، وفي مرحلة الحصار الأميركي للنجف عام 2004م، كان له دور بارز، فأدخل بالرغم من كثافة الحضور العسكري للقوات الأميركية وحواجزها، السيارات المحمّلة بالسلاح والذخائر والعتاد إلى المدينة، وكذلك في الحرب الأميركية ضدّ مدينة الصدر، كان له دور مؤثّر في مساعدة المقاومين، إذ كان رافضاً للتواجد الامريكي بكل صفة كانت.

وبالرغم من نزعته العسكرية في النضال، انخرط الشهيد المهندس في العمل السياسي والتشريعي البرلماني مفكراً ومنظراً وموحداً لكل أطياف المجتمع، إثر عودته إلى العراق عام 2003، حيث ترشّح لانتخابات مجلس النواب العراقي عن قائمة حزب الدعوة ، علماً بأنه كان على لائحة مايسمى بـ الإرهاب الأميركية بسبب مواقفه الوطنية الرافضة لهيمنة الاستكبار العالمي، ولذلك أثناء ذهابه إلى العراق، كان يتخفّى من المحتلين، ويأتي إلى مجلس النواب بين حين وآخر ليزعج المحتل واذنابه ويزرع الخوف في نفوسهم المريضة ومع ذلك، كانت له آثار واضحة في العمل السياسي، حيث عمل في مجلس النواب على قانون الانتخاب والدستور والحكومة ورئاستها والمجلس الوطني، كما كانت له علاقات وثيقة مع مختلف الأطياف العراقية، ولم يكن يستلم مستحقاته المالية عندما كان خارج العراق، فاي إيثار وزهد وورع تمتلكه هذه النفس الأبية.

المهندس والاحتلال الامريكي.

قبل الانسحاب الأميركي الجزئي من العراق، كان الغضب كبيراً على المهندس، فوجّهوا إليه تهديداً علنياً واضحاً بأنه في دائرة التصفية، منذ تلك المرحلة، نظر الأميركيون إلى المهندس على أنه الرقم الثاني في العراق بعد اللواء قاسم سليماني بعد ان اتهم الولايات المتحدة بالوقوف وراء أعمال تخريب استهدفت قواعد لـلحشد الشعبي  في العراق وتم حجب بعدها ببضعة أيام حسابه على موقع تويتر، علما ان الولايات المتحدة فرضت عقوبات على المهندس منذ عام 2009.

زهد الحاج أبو مهدي المهندس بالدنيا.

سيرة الحاج أبو مهدي المهندس تشهد على زهده بالدنيا منذ بداية حياته، فقد سلك سبيل الجهاد في بداية شبابه، وهو الشاب الجامعي الذي تخرج من كلية الهندسة عام 1977 والذي تلوح أمام ناظره فرص الحياة ، فكانت شهادته في الهندسة تفتح آفاق المستقبل سواء داخل العراق أو خارجه، ولكنه رفض هذه الفرصة واتجه الى باب من بيوت الله انه باب الجهاد، فبصّره الله تعالى بدروب المجاهدين، وانار قلبه بحب الله وأوليائه، وما ذلك إلا دليل على توفيقه الناتج عن إخلاصه لله تعالى، فاختار سبيل الجهاد مُعرضًا عن الدنيا وزخارفها، فتوجّه بكل كيانه نحو الله تعالى والجهاد في سبيله حتى حاصره النظام البعثي واستطاع الخلاص منه بفضل الله تعالى، وتوجه نحو الكويت يحمل معه شهادته مما جعل الدنيا تناديه مره أخرى طالبة منه الالتفات إليها والانشغال بها، فعمل فترة في الكويت مهندسًا ولاحت أمامه فرصةُ الحياة والعيش الذي يسمّى بالعيش الكريم، وهو الذي عبّر عنه القرآن بقوله: ﴿يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ﴾ (محمد:12)، لكنه كان من أهل البصيرة مقبلًا بقلبه على الله تعالى، فلمّا علم الله تعالى منه الوفاء ورأى منه الجهاد في سبيله هيّأ له السبل، وجمعه بالمجاهدين مرة أخرى، ودوى في سمعه قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.(التوبة:24) فتوجّه إلى الله بكل جوارحه.

الوحدة الوطنية في فكر الشهيد المهندس

لاوجود لشي من التفرقة في فكر ووجدان الشهيد رضوان الله عليه ولامكان للطائفية والمناطقية ، فالاسلام ودولة الاسلام هي العالم الأرحب في فكر الشهيد القائد، كان يرعى الأسر في المناطق المحررة ويعالج جرحاهم ويسهر على راحتهم ويؤمن احتاجاتهم، وبعد العام 2014 حيث كان هناك انهياراً في الحكومة العراقية وانهيار في القيادات الأمنية وقيادة الجيش العراقي، كان يزور المقرات العسكرية باستمرار ويرفع من معنوياتهم، بأنه يجب عليهم أن يبقوا وأن يقاتلوا وأن يحافظوا على الدولة، وكان يقدم لهم كل التسهيلات.

الشهيد أبو مهدي المهندس كان ديدنه الحفاظ على وحدة العراق بشكل كامل ولم يكن يميّز بين الدولة والحشد ولم تكن له مساعي أخرى، كذلك قام ببناء الكثير من المستشفيات التي تقدم الخدمات للمناطق المحررة والجيش على حد سواء، كذلك حتى في قضايا الدعم اللوجستي كان يوصي المقاتلين بالاستمرار قائلا: شاركوهم في طعامكم، شاركوهم في أموالكم أعطوهم كل ما يريدون، يقولون له يا حاج نحن الذين نقاتل في الحشد ودور الجيش والقوات الأمنية في هذا المجال قليل، یقول: حاولوا قدر الإمكان أن تعطوهم كل شيء وأنتم خذوا الشيء القليل في سبيل المحافظة على معنوياتهم لتُعاد لهم الهيبة للحفاظ على البلد، البلد كبير ويجب أن تشاركوهم في هذا البلد، وإن انهارت القوات الأمنية الأخرى لا يستطيع الحشد أن يدير الدولة بأكملها.

الشهيد ابو مهدي المهندس في الإعلام الاسرائيلي

على الرغم من تركيز الإعلام الإسرائيلي الكبير على اغتيال الفريق قاسم سليماني، حظي اغتيال أبو مهدي المهندس باهتمام ملحوظ في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي وصفته بأنه (ذو أهمية كبرى) ، إدراكاً لدوره المؤثر في الساحة العراقية ذات التداعيات الاستراتيجية على مستقبل المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة، لأن اسرائيل تدرك ان ازدياد نفوذ الفصائل العراقية المنضوية تحت لواء محور المقاومة  داخل العراق هو تهديد استراتيجي لأمنها القومي، الأمر الذي يجعل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تنظر إلى العراق كجبهة تهديد في حال إندلاع مواجهة مفتوحة مع محور المقاومة على الجبهة الشمالية، وتيقنت أنه سيكون جزءاً من تلك المعركة، وخصوصاً منطقة غرب العراق، كما تحدثت بذلك دراسة قدمها معهد الأمن القومي الإسرائيلي تحت مسمى “الحرب القادمة في الشمال”.

نَبَعَ اهتمام إسرائيل بشخصية الشهيد أبو مهدي المهندس من خلال إدراكها للدور الوحدوي الذي نادى به الشهيد فضلا عن دوره الجهادي الذي قام به في عدة قضايا ساهمت في إحداث تغيرات عميقة داخل المشهد العراقي.

علاقته بالقائد بالشهيد قاسم سليماني

أما عن علاقته بالشهيد سليماني فكانت علاقة المجاهد باخية ، علاقة المحبة والمودة، فكان يقول أنا جندي عند الحاج قاسم وأفتخر ، وفي آخر اتصال بينهما قبل أيام قليلة من استشهادهما معاً، طلب المهندس من سليماني عدم القدوم إلى بغداد لعلمه بأن الوضع الأمني غير مناسب، أصرّ الثاني على الحضور، طالباً من المهندس عدم المجيء إلى المطار، لكنه حضر كما اعتاد منذ تعارفهما، ومن هناك تابعا طريقهما يداً بيد… إلى الشهادة لكن دماءهما تحوّلت إلى نهر هادر لن يهدأ ، ويقيناً ان الدماء الزاكية ستبقى ترفد المشروع الاسلامي الجهادي بأسباب النصر والريادة  ، المجد والفخر للشهداء القادة رضوان الله عليهم ، الملتقى عند الإمام الحسين عليه السلام.و الرحمه والخلود لشهدائنا الابرار…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى