التخطيط والتنمية

الاستثمار في الجهل واستراتيجيات مواجهته

د. حميد الهاشمي - مختص بعلم الاجتماع

يُحتم الاستثمار في الجهل بيئات مناسبة، حيث أن لهذا الاستثمار متطلباته، وشروطه. والمقصود بهذا النوع من الاستثمار ليس الكسب المادي فقط، انما خلق بيئة وشروط مستدامة لهذا الاستثمار يمكن أن تنتج كسباً مادياً مريحاً ومطمئناً، وخلق وجاهات ومكانات ومنزلات اجتماعية، وقدسيات زائفة، ونفوذ مادي ومعنوي يوازي سلطة الدولة وامكاناتها، ويتفوق عليها.

ومتطلبات ذلك هي:

أولاً: هشاشة أمنية، بحيث يغلب صوت الخويف، ويخلق طبقة مغلوب على أمرها.

ثانياً: غياب أو قلة التعليم، وإن حصل فمحدود بمراحل أولية بحيث لا يؤدي وظيفة التنوير.

ثالثاً: الاستحواذ على الفضاء العام من خلال نشاطات تمارس تأثيرها بالإكراه على بصر وسمع وذائقة المواطن، تحت ذريعة المقدس، وخنق الحريات، وحصر فضاء التفكير المغاير.

رابعاً: غياب وسائل الترفيه، وقضاء وقت الفراغ بنشاطات اجتماعية.

خامساً: مؤسسات صحية محدودة القدرات والتجهيزات، وروتين قاتل، يدفع بالمواطن البسيط إلى البحث عن البدائل الغيبية بأسعار قليلة أو (نذور وهدايا شبه إجبارية).

سادساً: منابر إعلامية، وأهلية تحتل مساحات الفضاء العام، مثل الرصيف والشارع وأماكن العبادة. فالأغلبية منها تمارس التجهيل بدل التنوير، وتسوق للخرافة بدل العلم، حيث غلفت كل جهل بالقدسية ليكون بمثابة تابو يتم تجريم من ينتقده.

والنتائج:

أولاً: أجيالٌ جاهلةٌ، يبدو لها واقع الأمر كالسير في القطيع، فالخروج منه أو عنه، يعني موت محتوم.

ثانياً: حصل أن حل الدجال محل الطبيب، والتمسح بالدجالين وخرق القماش محل الأدوية وأساليب العلاج العلمي. والمقامات الزائفة محل المستشفيات وما إلى ذلك.

ثالثاً: استفحال طبقة الجهلة، وعلو صوتها على أي صوت تنويري، بحيث بات أي نقد يعتبر جناية وزندقة.

خامساً: ظهرت طبقة ممن استثمروا في الجهل بضمن ذلك من يمتلك أو يدير أو يشتغل بأي من إعلام واقتصاد، ونشاطات الدجل والشعوذة وتسويق الخرافة، بل بضمنها حياة ما بعد الموت.

الحلول وإن كانت جزئية:

حتى يكون ما نطرحه أكثر عمليةً وجدوى ممكنة، ووفق السياق والأهداف التي طرحناه أعلاه، فإننا نقترح هنا بعض الحلول التي يمكن أن تدعم اتجاه التنوير بمقابل التجهيل:

  1. ضرورة دعم القانون، ومركزية الدولة ومؤسساتها والانتماء لها، عوضاً عن دعم أية جهة أو مؤسسة، وأي شخص وأي هوية فرعية، طالما أنها تتعارض مع المصلحة العامة، وتضعف قوة القانون والدولة.
  2. التأكيد بقوة على تطبيق إلزامية التعليم، وتمديد فترة التعليم الإلزامي إلى 16 سنة بالقليل، ودعم مؤسساته وتحديث مناهج التعليم، والتخلص من أية مواد فيه، من شأنها ان تثير الفرقة، وما من شأنه أن يثير التجهيل ويمهد لقبول الخرافة.
  3. مطالبة النخب المثقفة بتنظيم أنفسها، وممارسة المزيد من أدوارها، وتفعيل مشاريعها التنويرية، بضمنها مشاريع ترفيهية، وفكرية جادة، تُحرض على التفكير النقدي، وتطبقه. هذا ناهيك عن تشكيل جماعة ضغط، يمكن أن تساعد صناع القرار في تشريع أو تفعيل القوانين التي تجرم إشاعة الجهل والاستثمار فيه.
  4. قيام مشاريع تكافلية حرة بديلة وبعيدة عن تبعية من يشتغل بالخرافة والجهل، من أجل أن نجنب المجتمع الوقوع في شراك الجهل والدجل والخرافة والمستثمرين فيها.

ولعل هناك العديد من الأفكار التي يمكن أن تأتي في السياق الاصلاحي، بدلاً من ترك المجتمع فريسة للجهل والخرافة، أو نقيضهما من أساليب التمرد على المجتمع والذات من خلال إدمان المخدرات، والانكفاء على الأجهزة الالكترونية بما هو ضار وليس نافع.

 

المصدر : مجلة (ضفاف)، العدد 53، أيلول/ سبتمبر  2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى