العرب أعداء مباشرون لدولة الاحتلال، وهي نظرة متبادلة بين العرب والإسرائيليين، كيف نظر مفكرون عرب إلى إسرائيل بأنها دولة وظيفية تقوم على دعم مصالح الغرب وحمايتها، أي أنها أشبه بقاعدة عسكرية متقدمة في الإقليم العربي، وآخرون نظروا إليها كدولة قائمة على الرواية القصصية، أي أنها تشكلت من دعاية موجهة.
انقسمت الدراسات بعد النكبة في العالم الإسلامي، من يقوم على التأريخ للقضية الفلسطينية وتعزيز استمراريتها ببناء هوية تاريخية مكتوبة، بالإضافة إلى هوية أدبية وأخرى صورية وفنية. والهوية التاريخية كان من روادها عربياً وليد الخالدي وأنيس الصايغ، أما النمط الآخر من الكتابات العربية فركزت على قراءة العدو، بل على نقدها في أحيان أخرى، ومن أبرزها قراءة عبد الوهاب المسيري في الموسوعة اليهودية.
نرصد أربع قراءات مختلفة عن كيفية نظر المفكرين العرب للدولة الإسرائيلية؟ وهي قراءات جاءت ضمن الصراع العربي الإسرائيلي، تعالج كل منهما زاوية مختلفة، إما باعتبار أن الصراع أكبر منها، وهو استمرار الاستعمار الذي لم ينقضِ من عالمنا العربي، وآخرون ركزوا على الرواية والترويج، وآخرون ركزوا في جذور نشاة دولة الاحتلال، وصولاً لاعتبار إسرائيل ضمن الرؤية الاستشراقية التغريبية للعالم العربي، وهي بذلك نظرات تأتي جميعها متكاملة فيما بينها.
كيف نظر مفكرون عرب إلى إسرائيل..الدولة الدعاية
في الإجابة عن سؤال كيف نظر مفكرون عرب إلى إسرائيل؟ كان المفكر المصري ومستشار صدام حسين ومؤسس مدرسة الحضارة حامد ربيع بشكل مبكر ينظر إلى أن لإسرائيل وجوداً دعائياً، هذا الوجود تشكل بصورة مبكرة منذ عام 1897، إذ نبع من تنظيمات المؤتمر الصهيوني خمسة تنظيمات تابعة له، كان أحدها وحدة إدارية سميت “مكتب التوجيه المركزي، على أن يكون حلقة وصل مباشرة بين رئيس المنظمة الصهيونية والوحدات المحلية في العالم.
صدر كتاب “فلسفة الدعاية الإسرائيلية” عام 1970م على وقع هزيمة يونيو/حزيران 1967، تأثر حامد بدراسات أمريكية كانت قد أعدت عن جذور نشأة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، إذ رصد العديد من المؤرخين كيف أثرت الدعاية في تغيير صورة اليهودي في أوروبا، وحسنتها.
في المقابل عملت تلك الدعاية في تطوير العلاقة بين اليهود والمجتمع الأمريكي، الذي كان بالطبع متأثر بأوروبا بصورة ثقافية، لكنه كان مجتمع أنجلوساكسوني أكثر تصالحاً فانتشرت الدعاية الإسرائيلية بسرعة.
إسرائيل قد ألقت بنفسها إلى المستقبل، حطمت المنطق المعاصر وخلقت منطقاً جديداً لم تتردَّد في بعض الأحيان أن تختلقه اختلاقاً؛ استناداً إلى الكذب والمخادعة، وراحت من خلاله تدفع بقضيتها خطوات عملاقة إلى الأمام.
حامد ربيع.. فلسفة الدعاية الإسرائيلية
بحسب حامد ربيع، هناك ثلاثة مستويات للدعاية الإسرائيلية بحسب الجمهور المستهدف، الأولى متعلقة بالجمهور الأجنبي وهم ثلاثة مجتمعات، الأول هم اليهود الذين لا يعيشون في إسرائيل ولا ينتمون للمشروع السياسي الإسرائيلي، الثاني الجمهور الصديق الذي يسعى لتقوية العلاقات مع الشعب الأمريكي، والثالث الجمهور الأجنبي المحايد الذي يمكن استقطابه.
ثانياً الجمهور الداخلي وينقسمون إلى ثلاث شرائح، الأولى المواطن الإسرائيلي اليهودي، الثاني عرب الداخل، الثالث الزائر لدولة الاحتلال.
أما الجمهور الأخير المستهدف فهو الجمهور المعادي على مستويين معادي اليهودية، والآخر معادون لإسرائيل.
تطور دولة الاحتلال لكل جمهور خطاب يستهدفه، فمثلاً يجري عن عمد الخلط بين معاداة اليهودية ومعاداة إسرائيل، ثم دمج جريمة الهولوكوست باعتبارها جريرة معاداة اليهودية، ثم سن القوانين لذلك، وتشويه كل من يقوم بمعاداة الاحتلال الإسرائيلي باعتباره داعماً لحرق اليهود.
الدعاية الإسرائيلية هي أقوى الأسلحة ضد العرب، فهي أيضاً تقوم بتشويه أي صورة ذهنية للفلسطينيين أو العرب على أنفسهم، والتي تستمد منها أي أمة رغبتها في المقاومة وطرد الغزاة، لا يمكن مواجهة إسرائيل إلا من خلال المقاتلة على الجبهة الدعائية، وعدم الوقوف حيالها بشكل سلبي بالاكتفاء بكشفها.
الدولة الوظيفية
كيف نظر مفكرون عرب إلى إسرائيل: تعتبر القراءة الأبرز لدولة إسرائيل، هي اعتبارها دولة وظيفية، وهو مصطلح سكه المفكر عبد الوهاب المسيري، لتوصيف دولة إسرائيل، إذ تقوم إسرائيل بدور وظيفي للقوى العالمية في إخضاع تلك المنطقة، وذلك في إطار تحولها كشرطي للمنطقة تارة، وكقناة اتصال بينها وبين الولايات المتحدة، والحيلولة دون خضوع المنطقة في معسكر أعداء الولايات المتحدة.
جاء ذلك من إطار العلاقة بين جماعة اليهود ووضعها في أوروبا، حيث كانت اليهودية ضمن مجتمع أوروبي مأزوم ينظر لليهودي كعدو، تارة كونه قاتل المسيح، وتارة أخرى كجماعة منغلقة على نفسها، كذلك دورها في الصراع البروتستانتي الكاثوليكي في أوروبا، إذ تمتع اليهود بعلاقات طيبة مع البروتستانت، واستجاب الكاثوليك بعزل اليهود عنهم وفصلهم.
أدت المشكلة اليهودية لأزمة داخل المجتمع الأوروبي، وصارت هذه المشكلة تخضع للعديد من المقترحات للعلاج، كان أول من فكر في ذلك هو نابليون بونابرت، باستقطاب اليهود إلى فلسطين، بحيث يقومون بهذا الدور الوظيفي، ثم تكرر الأمر مع بالمرستون وزير الخارجية البريطاني عام 1840م.
وتعزز الأمر في فترة الانتداب البريطاني ثم بعد حرب 1948، إذ نشأت معادلة بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول المركز الرأسمالي الغربي، بأن تقوم إسرائيل بحماية مصالح الغرب مثل تدفقات النفط، أمن الملاحة، إخضاع تلك الدول والحيلولة دون تحولها إلى المعسكر المعادي للولايات المتحدة كالاتحاد السوفييتي قديماً، في مقابل أن يدعمها الغرب عسكرياً حتى تحافظ على وجودها وبقائها، ويمنحها الشرعية السياسية الخارجية.
كيف نظر مفكرون عرب إلى إسرائيل
صدرت موسوعته عن اليهود في 1999، وحاول المسيري فيها رصد تاريخ اليهود، من ثم الصهيونية والدولة الإسرائيلية باعتبارها مشكلة أوروبية تم تصديرها إلى العالم العربي، وأن جوهر الصراع هو صراع عربي غربي، وليس صراعاً إقليمياً محدوداً داخل أرض فلسطين، بل إن جوهره هو صراع بين الحضارة الغربية وأحد تهديداتها وهو العالم العربي والإسلامي.
بذلك سعى الغرب في تصدير مشاكله الداخلية وحلها وهي أزمة اليهود في أوروبا، وفي نفس الوقت حافظ على حماية مصالحه في العالم العربي. أما الدولة التي أنشاها فهي هشة، وهكذا أطلق عليها عبد الوهاب المسير أنها شبكية كبيت العنكبوت، وفي نفس الوقت هشة كوجودها.
الدولة الحاجز
كيف نظر مفكرون عرب إلى إسرائيل: وصف جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر”، أن مصر والشام “الزر والعروة”، إذ نظر إلى إسرائيل كدولة حاجز منعت بين وحدة العرب في القلب منه وهو مصر والشام، والذي يؤدي إلى ضعف العالم العربي وإخضاعه للقوى العالمية ونهب الثروات. فعند جمال حمدان لا يمكن الفرار من الوعي الجغرافي لمنطقة شرق المتوسط في مصر والشام بعيداً عن الحروب الصليبية.
ويرى حمدان في كتابه العالم “الإسلامي المعاصر” أن حركة الاستعمار جاءت ليس فقط لنهب الثروات، بل أيضاً لوقف الزحف الإسلامي باعتبار أن العالم الإسلامي هو العدو الأول لأوروبا، وبالتالي يمكن فهم مقصده أن الاستعمار هو استمرار للحروب الصليبية والتي استهدفت فلسطين وبيت المقدس.
أما المؤرخ الأردني أمين عبد الله محمود في كتابه “مشاريع الاستيطان اليهودي منذ الثورة الفرنسية وحتى الحرب العالمية الأولى” فأرخ لتاريخ الاستيطان في فلسطين، ويردها إلى أمرين مهمين من خلال التتبع التاريخي الحروب النابليونية في الشرق والمسألة اليهودية في روسيا.
اقترح المؤرخ إس بارون على نابليون دعوة اليهود للقتال معه في فلسطين، وذلك بعد أن استعصت عليه أسوار عكا، باعتبار أن ذلك سيكون دافعاً قوياً للقتال والاستحواذ على الأرض، وقد كان مخطئاً في ذلك؛ لأن اليهود كان وضعهم مستقراً نسبياً في أوروبا، ولم يكن هناك حاجة لأن يتركوا أعمالهم وأشغالهم ليقاتلوا في بلد لا يعرفون عنه شيئاً.
تلقف البريطانيون هذه الفكرة بسبب طموحات محمد علي والي مصر، إذ أرسل بالمرستون وزير الخارجية البريطاني برقية إلى سفيره في نابولي 21 مارس/آذار 1833م إذ يقول فيها: “إن هدف محمد علي إقامة دولة عربية تضم كل البلاد التي تتكلم العربية، وقد لا يحوي هذا المشروع ضرراً في حد ذاته، لكنه يهدد بتقطيع أوصال تركيا، وهو ما لا نرضاه؛ إذ قد يؤدي انهيارها لتهديد السيطرة البريطانية على الهند”.
طرح جيمس بتشينو مسألة حل الأزمة اليهودية بهجرة اليهود في فلسطين، وتبناها اللورد شافتسبوري الذي كان مقرباً من بالمرستون وكان يدعمه في تبني خيار إنشاء دولة يهودية في جنوب الشام، وقتها كتبت التايمز اللندنية أن وجود دولة يهودية تفصل بين وحدة تركيا ومصر سيعزز النفوذ البريطاني.
أما السبب الآخر الذي ناقشه المؤرخ أمين عبد الله لهجرة اليهود هو انهيار نظام الإقطاع وإلغاء القنانة في روسيا، خصوصاً مع إعادة تقسيم بولندا وأوكرانيا، فصار في روسيا وحدها 4 ملايين من أصل 7 حول العالم، وبسبب أن اليهود يعملون في الوساطة بين الفلاحين والسادة الإقطاعيين، إذ كانوا يديرون تأجير الأرض والخانات وبيع المنتجات، بالإضافة لعملهم المصرفي في الإقراض بالفوائد للفلاحين، وفي حالة لم يسد الفلاح كانوا يقومون ببيع الأرض، فاستجلبوا العداء على مدار قرون.
كذلك تجارتهم في القنانة ومع إلغائها 1861م نالوا العداء من الأقنان، وما إن انهار النظام الإقطاعي، وتشكلت الطبقة الوسطى في روسيا أصبح اليهود في مرمى النيران من ثقافة الفلاحين التي تبغضهم، وتضررهم المادي، وأصبحت مسألة هجرتهم وتشكيل وطن لهم أمراً ملحاً، وتصاعد في تلك الفترة ثلاثة أنماط من الهجرة، الأولى الهجرة إلى أوروبا وهي للأغنياء منهم، ومن ثم الهجرة إلى الولايات المتحدة، والأقل حظاً هاجروا إلى الأرجنتين وشكلوا المجتمع اليهودي الموجود إلى اليوم.
أما الهجرة الثالثة فكانت إلى فلسطين، وقد عززتها الأفعال الاستيطانية البريطانية التي دعمتها بريطانيا وبروسيا وفرنسا، وقد رصدت المؤرخة الفلسطينية نائلة الوعري مسألة منح الأراضي لليهود في فلسطين، في كتابها “دور القنصليات في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840-1914″، إذ منح بالمرستون وليام لونغ القنصل البريطاني في القدس عام 1839 أمراً بتأمين اليهود وتمكينهم من الأراضي في جنوب الشام.
في إطار كيف نظر مفكرون عرب إلى إسرائيل تطرح نائلة قراءتها التاريخية للدولة الصهيونية ببدأ التمدد الاستعماري للدول الغربية في القدس على إثر هزيمة محمد علي، إذ أعطي للدول الغربية حق في افتتاح قنصليات بالقدس وحواضر الشام، التي توسعت في شراء الأرض وزيادة وجود التبشيريات المسيحية، وتوطين اليهود بفلسطين كحاجز بشري يحول دون تمدد مشروع محمد علي. أو وحدة في قلب العالم العربي والإسلامي، إذ يعتبر ذلك تهديداً في الخط الرابط بين أوروبا وشرق آسيا.
الدولة الاستشراقية والمركزية الأوروبية
الإجابة الأعقد لسؤال كيف نظر مفكرون عرب إلى إسرائيل ؟ قدمها إدوارد سعيد عبر طرح نقد شرس للحضارة الغربية من منطلق ثقافي وفلسفي، في كتابه “الاستشراق” 1978، إذ حلل وتتبع الخطاب الغربي حول الشرق والذي يحاول من خلال ذلك الخطاب تشكيل العالم في الشرق، هي رؤية تنطلق من الإطار الأوروبي وأنها عنصرية في جوهرها. إذ إسرائيل هي ضمن الرؤية الأوروبية العنصرية للتاريخ.
إذ الفلسطيني هنا “الآخر” الذي يجب نفيه وإلغاؤه وشطبه من التاريخ، لصالح المركز الأوروبي، وتأتي إسرائيل ضمن وجود متقدم لأوروبا في الشرق الأوسط، إذ هي لا تتبع للعالم العربي أو الشرق أوسطي بل هي تنتمي للعالم الغربي، وتقوم بالدور العنصري الإقصائي ضمن فعل استشراقي كامل، بنفي الحضارة العربية.
في هذا السياق اخترع الاقتصادي والمفكر الماركسي سمير أمين مفهوم “المركزية الأوروبية” 1988م في كتابه الذي حمل ذلك الاسم، إذ نقد الرأسمالية الغربية بأنها قائمة على منهج الغلبة، وبذلك تظل هذه الدول تنمو وتزداد في ظل إفقار الأطراف، باعتبار العالم العربي طرفاً، أو كما يسمى العالم الثالث.
هذه النظرة الرأسمالية تركز على فكرة نزع فوائض الأموال وضخها في المركز الغربي، من خلال طرح سمير أمين يمكن اعتبار أن إسرائيل ضمن التحالف الرأسمالي الاحتكاري، إذ تعمل إسرائيل ضمن إطار زيادة عدم التكافؤ بين النمو في أوروبا والعالم العربي، كذلك تسمح بتدفق الفوائض إلى الغرب، ذلك من خلال سلوكيات عدة مثل تأليب الصراعات وتدفق السلاح مقابل سلب المال العربي في خزائن المصانع الغربية. وهي بذلك تكون إسرائيل حليفة لأي مشروع رأسمالي احتكاري في المنطقة والعالم، وينشأ بينهم حلف دفاع مشترك وأحلاف سياسية وعسكرية.