ثقافية

غربة الدين في حياة العرب والمسلمين

بقلم :  د.فرح موسى/ أكاديمي واباحث  في الشؤون القرآنية  / لبنان

عن إكنا: إن السؤال الذي يصحّ طرحه في أجواء عملية طوفان الأقصى هو الآتي: ماذا قدّم العرب والمسلمون لأهل القضية الفلسطينية من عون ودعم لإحقاق الحق ومنع تهجير الناس من أرضهم؟

 

▪ ويسأل بعض الباحثين عن جدوى عمليات المقاومة إن كانت ستؤدي إلى الموت والدمار دون تحقيق الأهداف، ولا يسأل هؤلاء عن دين الناس وما آلوا إليه من استلاب في الدين والدنيا. يسأل هؤلاء: “إن كانت تتوفر المشروعية أو الدليل، على أي عمل مقاوم، فلا بد من النظر في مآلات الأحداث والنتائج التي ستتترب على العمل المقاوم، وهذا التساؤل يمكن تعقله فيما لو كانت ثمة فرص لحماية الوجود ودفع المخاطر العظمى التي تحيط بالقضية التي نشأت المقاومة لأجلها !فهذا عنوان فقهي يمكن الحديث عنه والنقاش فيه من واقع التحديات والظروف.

 

▪ أما أن يكون مجرد عنوان فقهي مجرد عن ظروفه ومعطياته، فهذا يمكن اعتباره تلبيساً على الفقه، وقد سبق لكثير من أئمة الدين أن قاموا بالثورات لدفع الظلم والإصلاح في الناس دون أن ينظروا إلى الآثار الآنية أو الواقعية للمقاومة. وانطلاقاً من ذلك، نرى أن المشروعية لطوفان الأقصى متحققة لدفع الأثمان الباهظة لأجل القضية الفلسطينية بعد ما أحاط بها من مخاطر، سواء لجهة الممارسات العدوانية اتجاه شعب فلسطين أو لجهة مسارات التطبيع التي نزلت خلف خطوط العدو لتقوية ممارساته لإنهاء القضية الفلسطينية، وهذا ما صرح به أهل القضية وقادة المقاومة في أكثر من مناسبة دينية وسياسية.

 

▪ وقد سمعنا وقرأنا الكثير عن ما كان يقوم به أهل التطبيع من إجراءات لفرض وقائع جديدة كان من شأن نجاحها إجهاض المقاومة وتهويد المقدسات الإسلامية!؟

 

▪ إن السؤال الذي يصح طرحه في أجواء عملية طوفان الأقصى هو الآتي: ماذا قدّم العرب والمسلمون لأهل القضية الفلسطينية من عون ودعم لإحقاق الحق ومنع تهجير الناس من أرضهم، وليس السؤال عن مشروعية المقاومة من عدمه!؟

 

▪ لقد غرب كثير من العرب والمسلمين عن دينهم، وقدّموا صورة مخزية عن ما يدينون به ويعتقدونه؛ فإذا كان الدين الإسلامي ينطوي على رؤية حقيقية في العزة والكرامة والحرية، ويتميز بأبعاده القيمية والإنسانية، فلماذا قدّمه بعض العرب والمسلمين للغربيين على أنه دين الذلة والمسكنة والخنوع!؟

 

فأي دين هذا الذي يدان به، وأهل فلسطين يذبحون على يد الطاغوت الصهيوني! إن هذا الإسلام الذي يدين به ملايين الناس، ويؤدون عباداتهم وفقًا لأوامره ونواهيه، أُخرج عن كونه دين حياة، ليكون مجرد طقوس لا حياة فيها، كما قال الإمام علي(ع) في وصفه لأزمنة بني أمية وبني العباس: “سيأتي عليكم زمان لا يبقى فيه من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه…”. فانظروا أيها الناس إلى ما بقي من حياة دينكم في العمل والسلوك  وحماية الأوطان من أن يعبث بها على أيدي سلاطين الغرب والشرق! وإلا  كيف نفسّر هذا الصمت العربي المحيط بفلسطين، صمت يستنكره حتى أولئك الذين كنتم تزعمون أنه لا دين لهم في عواصم الغرب والشرق!

 

▪ فهذا السؤال يطرحه كل إنسان عن جدوى الإسلام إن كان من مؤدياته في الحياة أن يترك شعب فلسطين لمصيره دون نصرة أو عون!

 

▪ لقد سوّدت صحائف الأعمال فعلًا، وقدّمت صورة عربية عن الإسلام  أنه دين للموت لا للحياة، وللمذلة لا للعزة، وهذا ما أظهرته أحداث غزة فلسطين، أن أكثرية العرب والمسلمين يعيشون الخواء الروحي، ولم تتجذّر فيهم معاني الدين لتكون لهم حياة العزة والكرامة، وهذا لا يحتم الإدانة والتساؤل فحسب، وإنما يستدعي ضرورة أن يعاد النظر بكل ما يدين به الناس في عالمنا العربي من اعتقادات، بحيث يعود السؤال مجددًا  حول ما أسسّت له مدارس ومذاهب وفرق المسلمين تاريخياً من نظريات وتأسيسات سبق لها أن وضعت الناس أمام تحولات قاتلة في الدين والسياسة، وها هي تعود بأهلها اليوم إلى مزيد من الأفول والغياب عن الفاعلية والحضور إلا في نطاق الأحداث التي تخدم الإرهاب والتطرف!؟

 

▪ إن ما يجري في فلسطين اليوم يؤكد لكل ذي لب أن الذي يعبد في كثير من بلاد العرب والمسلمين ليس الله تعالى، وإنما الطاغوت، كما قال تعالى: “وَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ”.

 

 

▪ فما هو معنى الإيمان بالأصول والفروع الدينية، إن لم يكن لها الآثار العملية في الدفاع عن المظلومين!؟ أم أن أهل العروبة لم يقرؤوا في كتاب الله تعالى ليعقلوا عنه معنى الجهاد والقيام بالمعروف، كما قال تعالى: “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بمعروف أو صدقة أو إصلاح بين الناس…”. فالكل مطالب اليوم، وخصوصًا أهل فلسطين الأحرار بأن يعيدوا النظر بكل ما أورثنا هذا التهاون والتخاذل عن نصرة قضايانا المحقة، وهل تحتاج فلسطين والقدس عن سؤال في التاريخ والجغرافيا حتى تهجر من أهلها، كأن لا نبيّاً جاء ولا وحيًا نزل!؟

 

▪ فالإيمان عمل كله، والعقل تجربة ناصعة في التاريخ. وبما أن الناس قد عرفوا حقيقة ما هم عليه من تحولات وبما أورثتهم إياه مخازي التاريخ الإسلامي، فقد بات من الضروري بل من الملح أن نعود إلى تجاربنا الناصعة وثوراتنا  المحقة لنعقل معنى أن نكون مسلمين ومجاهدين.

 

▪ دعونا نتحدث إلى أهل القضية بصراحة من وحي ديننا وتاريخنا. إن ما نقرأه في كثير من تجاربنا ونظرياتنا لم يعد صالحاً للاقتداء به، ذلك أنه لم يعد لنا من تفسيراتنا القرآنية ورواياتنا الحديثية ما يبعث فينا الحياة، فالله قد استبدل الأمم والشعوب، وهذا اليماني قد عاد ليكون أهدى الرايات، فإذا لم نعقل معنى التحولات في ضوء رؤية دينية ناصعة، فلن تكون لنا قيامة الرجاء، بل قد يؤدي بنا ذلك إلى مزيد من الترهل، وخصوصاً بعد أن لاحت لنا آمال في ظلال شعوب أخرى، ونظريات جديدة لم يعد ممكناً تجاهلها أو الكفر بها كما اعتدنا في فهم الكثير من القضايا التاريخية.

 

▪ إن فلسطين اليوم تعود بنا إلى دين جديد غير معهود في تاريخنا الإسلامي، وقد عرفنا معنى أن تستبدل الشعوب والأقوام لنصرة دين الله تعالى، والله يحق الحق بكلماته، وهو على كل شيء قدير، ذالكم هو معنى إعادة النظر بالدين بعد الذي استوى عليه كثير من العرب والمسلمين من الذلة والمهانة، وقد جعل الله لكل شيء قدراً، والسلام.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى