في ظل العدوان الصهيوني الهمجي على غزة وحرب الإبادة والتطهير العرقي، فإن الكتاب الذي بين أيدينا اليوم “عشر أساطير عن إسرائيل” يكشف حقائق الصراع والأساطير التي قام عليها والاستراتيجيات التي يتبعها العدو في إدارته وأسباب الانحياز الغربي السافر في دعم العدوان. وكاتب هذا الكتاب هو المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه. وقد نشرته في مايو 2017 دار فيرسو بوكس الأمريكية.
عرض موجز للكتاب
إن الكثير من فهم العالم لتاريخ فلسطين هو فهم مشوش، خصوصا فيما يتعلق بالرواية الإسرائيلية. وفي هذا الكتاب يناقش ويفند إيلان بابيه الأساطير العشرة التي قامت عليها الرواية الإسرائيلية، فيقول: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو مثال للضرر الهائل الذي يمكن أن تؤدي إليه المعلومات التاريخية المضللة، حتى في الماضي القريب. إن سوء الفهم المتعمد للتاريخ يمكن أن يعزز القمع ويحمي نظام الاستعمار والاحتلال. ولذلك ليس من المستغرب أن تستمر سياسات التضليل حتى الوقت الحاضر وأن تلعب دورا مهما في إدامة الصراع.
فلسطين أرض بلا شعب
ادعت الحركة الصهيونية أن فلسطين هي أرض بلا شعب، وأنها كانت خالية من السكان قبل أن يسكنها اليهود. في الحقيقة، هناك إجماع بين العلماء على أن الرومان هم الذين أطلقوا على الأرض اسم “فلسطين”. وفي فترة الحكم العثماني لفلسطين عام 1517 والذي استمر 400 عام، كانت فلسطين مجتمعا مسلما سنيا وريفيا. ويلاحظ المؤرخ يوناتان مندل أن النسبة المئوية الدقيقة لليهود قبل صعود الصهيونية كانت تراوح بين 2 و 5%. أما من يقرأ المصادر الرسمية الإسرائيلية، فسيخرج بوجهة نظر مفادها أن “سكان فلسطين في القرن السادس عشر … كانوا يهودا بشكل أساسي، وكان شريان الحياة التجاري للمنطقة يتركز في المجتمعات اليهودية. وأنه بحلول عام 1800 وما بعدها أصبحت فلسطين صحراء جرداء. هذه هي الصورة الملفقة لفلسطين التي يتم الترويج لها من خلال موقع رسمي للدولة. ولم يسبق أن قال بها أحد من قبل.
تحدى العديد من الباحثين الإسرائيليين هذه الرواية الكاذبة، من بينهم ديفيد غروسمان، وأمنون كوهين ويهوشوع بن أرييه. تظهر أبحاثهم أنه على مر القرون، كانت فلسطين، بدلا من أن تكون صحراء، مجتمعا عربيا مزدهرا على وشك دخول القرن العشرين كمجتمع حديث. وقد حول استعمار الحركة الصهيونية عملية تحديثها إلى كارثة لغالبية السكان الأصليين الذين يعيشون هناك.
اليهود شعب بلا أرض
طبقا لكتاب شلومو ساند “اختراع الشعب اليهودي”، فإن العالم المسيحي، من أجل مصلحته الخاصة، تبنى فكرة اليهود كأمة يجب أن تعود يوما ما إلى الأرض المقدسة. عودة ستكون جزءا من المخطط الإلهي لنهاية العالم، والمجيء الثاني للمسيح. إذن، فالصهيونية قبل أن تصبح مشروعا يهوديا، فهي مشروع مسيحي للاستعمار وخطة استراتيجية للاستيلاء على فلسطين وتحويلها إلى كيان مسيحي. وقد أدى ذلك فيما بعد إلى صدور وعد بلفور عام 1917. وكان هذا الادعاء مفيدا جدا لدولة إسرائيل. أصبح اليهود في جميع أنحاء العالم ، وخاصة في الولايات المتحدة ، مؤيدوها الرئيسيون كلما تم التشكيك في سياساتها.
الصهيونية هي اليهودية
منذ نشأتها في منتصف القرن 19، كانت الصهيونية تعبيرا واحدا فقط غير أساسي عن الحياة الثقافية اليهودية. وكان الدافع لولادتها في المجتمعات اليهودية في وسط وشرق أوروبا هو: البحث عن الأمان داخل مجتمع يرفض دمج اليهود على قدم المساواة ويضطهدهم أحيانا. وكذلك، الرغبة في محاكاة الحركات الوطنية الجديدة الأخرى التي انتشرت في أوروبا في ذلك الوقت. لذا، سعى هؤلاء اليهود إلى تحويل اليهودية من دين إلى أمة، وطرحوا فكرتين جديدتين: إعادة تعريف اليهودية كحركة وطنية، واستعمار فلسطين. وبلغت هذه المرحلة الأولى من الصهيونية ذروتها بأعمال وأفعال تيودور هرتزل، وهو صحفي ملحد لا علاقة له بالحياة الدينية اليهودية، لكنه توصل إلى استنتاج مفاده أن معاداة السامية على نطاق واسع جعلت الاستيعاب مستحيلا وأن الدولة اليهودية في فلسطين هي أفضل حل للمشكلة اليهودية.
رفض حاخامات بارزون وشخصيات بارزة في تلك المجتمعات النهج الجديد. ورفض الزعماء الدينيون الصهيونية كشكل من أشكال العلمنة والتحديث، بينما خشي اليهود العلمانيون من أن الأفكار الجديدة ستثير تساؤلات حول ولاء اليهود لدولهم القومية وبالتالي تزيد من معاداة السامية. ورفضت أيضا اليهودية الإصلاحية الفكرة الصهيونية وأعلنت أن اليهودية هي دين قيم عالمية وليست قومية.
الصهيونية ليست استعمارا
كان الاستعمار الاستيطاني الغربي، الذي استعمر الأمريكتين وجنوب أفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا، مدفوعا بالرغبة في الاستيلاء على الأراضي في بلد أجنبي، وكان يسوق ذلك بحق ديني، وينفذه بإبادة السكان الأصليين. لذا، يمكن للمرء أن يصور الصهيونية كحركة استعمارية استيطانية والحركة الوطنية الفلسطينية كحركة مناهضة للاستعمار. وبحلول عام 1945، جذبت الصهيونية أكثر من نصف مليون مستوطن إلى بلد كان عدد سكانه حوالي 2 مليون نسمة. وكان السبيل الوحيد أمام المستوطنين لتوسيع قبضتهم على الأرض وضمان أغلبية ديموغرافية حصرية هو إزالة السكان الأصليين من وطنهم. فلسطين ليست يهودية بالكامل من الناحية الديموغرافية، وعلى الرغم من أن إسرائيل تسيطر عليها كلها سياسيا بوسائل مختلفة، إلا أن دولة إسرائيل لا تزال تستعمر وتبني مستوطنات جديدة في الجليل والنقب والضفة الغربية.
أسطورة الهجرة الطوعية للفلسطينيين
فكرة أن الفلسطينيين غادروا بلادهم طواعية أسطورة أخرى يواجهها بابيه، فيقول: إن القيادة الصهيونية والمنظرين الصهاينة لم يتمكنوا من تصور تنفيذ ناجح لمشروعهم دون التخلص من السكان الأصليين، إما بالاتفاق أو بالقوة. وفي الآونة الأخيرة، وبعد سنوات من الإنكار، قبل المؤرخون الصهاينة مثل أنيتا شابيرا أن قادة الحركة الصهيونية فكروا بجدية في نقل الفلسطينيين.
في عام 1937، قال دافيد بن غوريون للجمعية الصهيونية: في أجزاء كثيرة من البلاد، لن يكون من الممكن الاستقرار دون نقل الفلاحين العرب … مع النقل الإجباري سيكون لدينا مساحة شاسعة للاستيطان … أنا أؤيد النقل الإجباري. لا أرى أي شيء غير أخلاقي في ذلك.
تصر الحكومة الإسرائيلية على الادعاء بأن الفلسطينيين أصبحوا لاجئين لأن قادتهم أمروهم بالرحيل. “لكن هذه أسطورة خلقتها وزارة الخارجية الإسرائيلية؛ فالتطهير العرقي للفلسطينيين لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال على أنه “عقاب” لرفضهم خطة سلام الأمم المتحدة التي وضعت دون أي تشاور مع الفلسطينيين. إذن، لا مفر من تعريف الأعمال الإسرائيلية في الريف الفلسطيني على أنها جريمة تطهير عرقي وجريمة حرب.
حرب يونيو 1967 لم يكن لها خيار
الرواية المقبولة إسرائيليا أن حرب عام 1967 هي التي أجبرت إسرائيل على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وإبقائها رهن الاحتجاز حتى يكون الفلسطينيون مستعدين لصنع السلام. يعتقد الكثيرون أن حرب 1967 كانت واحدة كانت إسرائيل تقاوم فيها الهجوم واحتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة دفاعا عن النفس. الحقيقة هي أن إسرائيل هي التي شنت الضربة الأولى ضد مصر في عام 1967. قال رئيس الوزراء مناحيم بيغن في وقت لاحق: “في يونيو 1967 كان لدينا خيار مرة أخرى. إن تركيز الجيش المصري في سيناء لا يثبت أن عبد الناصر كان على وشك مهاجمتنا حقا. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا، لقد قررنا مهاجمتهم.
كان الاستيلاء على الضفة الغربية على وجه الخصوص هدفا صهيونيا قبل 1948، ويتناسب مع المشروع الصهيوني الذي يقوم على الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من فلسطين بأقل عدد ممكن من الفلسطينيين.
بعد احتلال 1967، حصر الحاكم الجديد الفلسطينيين في الضفة والقطاع في مأزق مستحيل: لم يكونوا لاجئين ولا مواطنين. لقد كانوا، ولا يزالون، سكانا لا مواطنين، سجناء في سجن ضخم ليس لهم فيه أي حقوق مدنية، ولا حقوق إنسان، ولا تأثير على مستقبلهم. ولا تزال إسرائيل تحتجز جيلا ثالثا من الفلسطينيين، وتصور هذه السجون الضخمة على أنها سجون مؤقتة.
إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط
حتى عام 1967، كان الفلسطينيون، الذين يمثلون 20٪ من مواطني إسرائيل، يعيشون تحت “حكم عسكري قائم على أنظمة الطوارئ البريطانية الصارمة التي رفضت أي حقوق إنسانية أو مدنية أساسية. وكان الحكام العسكريون المحليون هم الحكام المطلقون لحياة هؤلاء المواطنين: يمكنهم وضع قوانين خاصة لهم، وتدمير منازلهم وسبل عيشهم، وإرسالهم إلى السجن كلما شعروا بذلك. ويشير بابيه إلى حالة “الإرهاب العسكري” التي عاش الفلسطينيون في ظلها مثل مذبحة كفر قاسم في أكتوبر 1956. وادعت السلطات أنهم تأخروا في العودة إلى منازلهم من العمل في الحقول عندما فرض حظر التجول على القرية. ومع ذلك، لم يكن هذا هو السبب الحقيقي. تظهر البراهين اللاحقة أن إسرائيل قد فكرت جديا في طرد الفلسطينيين من كامل المنطقة المسماة وادي عارة والمثلث الذي تقع فيه القرية.
يمنح قانون العودة المواطنة التلقائية لكل يهودي في العالم، أينما ولد. وهذا أمر غير ديمقراطي بشكل صارخ، لأنه مصحوب برفض تام لحق الفلسطينيين في العودة، وهو المعترف به دوليا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948. إن حرمان الناس من حق العودة إلى وطنهم أو لم شمل الأسر الفلسطينية، وفي الوقت نفسه منح الحق لمن لا صلة لهم بالأرض هو نموذج للعملية غير الديمقراطية.
قالت منظمة العفو الدولية في تقريرها عام 2015: “في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ارتكبت القوات الإسرائيلية عمليات قتل غير مشروعة للمدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، واحتجزت آلاف الفلسطينيين. وظل التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة متفشيا، كما ظل مرتكبوه بمنأى عن العقاب. وواصلت إسرائيل بناء المستوطنات، وفرض قيود مشددة على حرية تنقل الفلسطينيين، وهدم منازلهم في الضفة وداخل إسرائيل، ولا سيما في القرى البدوية في منطقة النقب، وإخلاء سكانها قسرا.
أسطورة عملية أوسلو
في 13 سبتمبر 1993، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إعلان مبادئ، يُعرف باسم اتفاق أوسلو. يقول بابيه: ينبغي أن نعترف بأن عملية أوسلو لم تكن سعيا عادلا ومتساويا لتحقيق السلام؛ بل كانت حلا توفيقيا وافق عليه شعب مهزوم واقع تحت الاحتلال، اُضطر إلى البحث عن حلول تتعارض مع مصالحه وتعرض وجوده ذاته للخطر. ويمكن تقديم الحجة نفسها حول “حل الدولتين” الذي تم تقديمه في أوسلو. فالعرض على حقيقته: تقسيم تحت صياغة مختلفة. حتى في هذا السيناريو، لن تقرر إسرائيل فقط مساحة الأراضي التي ستتنازل عنها، ولكن أيضا ما سيحدث في الأراضي التي تركتها وراءها.
في الاتفاقات الأصلية، كان هناك وعد إسرائيلي بأن القضايا التي تزعج الفلسطينيين أكثر من غيرها: مصير القدس واللاجئين والمستوطنات، سيتم التفاوض عليها عندما تنتهي الفترة الانتقالية البالغة خمس سنوات. لكن عندما تولى نتنياهو رئاسة الوزراء عام 1996. عارض اتفاقات أوسلو وتوقفت العملية.
أساطير غزة
يجسد قطاع غزة قضية فلسطين بشكل عام، حيث يعيش هناك ما يزيد على 1,8 مليون فلسطين في أكثر المناطق بؤسا وكثافة سكانية في العالم. ولقد تعرضوا للقصف المتكرر والحملات العسكرية منذ 2006.
وهناك ثلاث خرافات تضلل الرأي العام حول أسباب العنف المستمر في غزة:
ـ حماس حركة إرهابية: حماس هي حركة تحرير، وهي أحد الممثلين الرئيسيين على الأرض. ومنذ بدايتها عام 1987 وحتى الآن، انخرطت في صراع وجودي ضد الغرب وإسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقد أعلنت قبولها لإنسحاب إسرائيلي كامل من جميع الأراضي المحتلة مع هدنة مدتها عشر سنوات قبل أن يتم مناقشة أي حل مستقبلي. وعلى الرغم من فوزها عام 2006 بأغلبية المجلس التشريعي وتشكيلها لحكومة فلسطينية، فإنها ووجهت بمقاومة شديدة من إسرائيل وفتح، وتم طردها من الضفة الغربية وحصرها في قطاع غزة. ترفض حماس اتفاق أوسلو والاعتراف بإسرائيل، وتعلن التزامها بالكفاح المسلح.
ـ الانسحاب أحادي الجانب من غزة عام 2005 كان بادرة سلام أو مصالحة قوبلت بالعداء والعنف: في الواقع، كان هذا الانسحاب جزءا من استراتيجية تهدف إلى تشديد قبضة إسرائيل على الضفة الغربية وتحويل قطاع غزة إلى سجن ضخم يمكن مراقبته وحراسته من الخارج. كما كان انتشارا استراتيجيا مكن إسرائيل من الرد بقسوة على حماس مع عواقب وخيمة على سكان غزة.
ـ أما الأسطورة الثالثة فهي ادعاء إسرائيل بأن أفعالها منذ 2006 كانت جزءا من حرب الدفاع عن النفس ضد الإرهاب؛ بينما كانت في حقيقة الأمر إبادة جماعية متزايدة لسكان غزة.
أسطورة حل الدولتين
في محادثات كامب ديفيد 2000. اقترحت إسرائيل قيام دولة فلسطينية صغيرة عاصمتها أبو ديس، لكن دون تفكيك كبير للمستوطنات ولا عودة اللاجئين. لذلك، انهارت المفاوضات. إذن، فقد أصبح اتفاق أوسلو عامل تدمير للمجتمع الفلسطيني، بدلا من إحلال السلام. وأصبح الاتفاق لا صلة له بالواقع على الأرض. تم بناء المزيد من المستوطنات، وفرض المزيد من العقوبات الجماعية على الفلسطينيين. حتى لو كنت تؤمن بحل الدولتين، فإن جولة في الضفة الغربية أو قطاع غزة كانت ستقنعك بكلمات الباحث الإسرائيلي، ميرون بنفينيستي، الذي قال: إن إسرائيل خلقت حقائق لا رجعة فيها على الأرض: حل الدولتين قتلته إسرائيل.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن إدعاء حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدما” هو أسطورة أخرى. ويلاحظ أن أي انتقاد لهذه الأسطورة يوصف بأنه معاداة للسامية. ومع ذلك، فالعكس هو الصحيح، فحل الدولتين يقوم على فكرة أن الدولة اليهودية هي الحل الأفضل للمشكلة اليهودية، وأن اليهود يجب أن يعيشوا في فلسطين وليس في أي مكان آخر، وأن إسرائيل واليهودية شئ واحد، وأن أي نقد يوجه لها هو نقد لليهودية. لذا، يبدو أن لا شئ سيمنعها من استكمال استعمارها للضفة ومواصلة حصارها لغزة.
الخلاصة: إسرائيل مستعمرة استيطانية
إسرائيل هي استعمار استيطاني. وهي تسمية ترتبط بحقيقة هذا الاستعمار المماثل للاستعمار الاستيطاني الغربي: إبادة السكان الأصليين، وتجريدهم من إنسانيتهم ،وحرمانهم من حقوقهم. أدى هذا المنطق إلى إنشاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وهو نفس المنطق الذي قامت عليه إسرائيل في 1948. وكل ما قامت به إسرائيل بعد ذلك من احتلال الضفة والقطاع وعملية أوسلو وفك الارتباط عن غزة إنما هو جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على الاستيلاء على أكبر قدر من فلسطين، مع وجود أقل عدد من الفلسطينيين. وهي الاستراتيجية التي تغذي نار الصراع وتؤججه.
إن الاستثنائية التي تمتع بها إسرائيل، وقبل ذلك الحركة الصهيونية، تسخر من أي انتقاد غربي لحقوق الإنسان في العالم العربي.
لقد تم إهدار سنوات في حل الدولتين، بينما كنا في حاجة لهذا الوقت لإقناع الإسرائيليين ويهود العالم أجمع أن الدولة المزدهرة التي أقاموها إنما قامت على أساس غير أخلاقي وهو تجريد شعب آخر من ملكيته. كما أن حصر الصراع في الأراضي التي احتلت عام 1967 لن ينهي الصراع المشكلة حتى لو انسحبت إسرائيل منها، بل سيتحول إلى صراع من نوع مختلف.
من المهم للعالم، خاصة لليهود، أن يفهموا ما حدث في فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية. فقد سُمح للصهيونية أن تصبح مشروعا استعماريا، لأن إنشاء دولة يهودية قدم لأوروبا بما فيها ألمانيا الغربية طريقة سهلة للخروج من أسوأ تجاوزات معاداة السامية على الإطلاق. وكانت إسرائيل أول من أعلن اعترافها بألمانيا الجديدة مقابل تلقي الكثير من المال، وتفويض مطلق لتحويل فلسطين بأكملها إلى إسرائيل. إذن، قدمت الصهيونية نفسها كحل لمعاداة السامية، وأصبح هذا الحل هو السبب الرئيسي لاستمرارها.
إن الحل العادل لمعضلة فلسطين لن يتحقق إلا إذا توقف التعامل مع الأساطير على أنها حقائق. فلم تكن فلسطين فارغة من السكان، ولم تكن وطنا لليهود. لقد كانت مستعمرة، تم تجريد شعبها من ممتلكاتهم في عام 1948، وأرغموا على مغادرة أرضهم ووطنهم. إن للشعوب المستعمرة، حتى بموجب ميثاق الأمم المتحدة، حق النضال من أجل التحرير. وإن النهاية الناجحة لهذا الصراع تكمن في إنشاء دولة ديمقراطية تضم جميع سكانها. لذلك، فالتخلي عن الأساطير ومواجهة الواقع هو خطوة أولى مهمة للمضي إلى الأمام.
المصدر : https://arabi21.com/story/1566549