ثقافيةعراقية

المثلية الجنسية،حرية أم أستبداد

بقلم : منقذ داغر

(المستبد يتحكم بشؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم) الكواكبي،طبائع الاستبداد.

في أول زيارة لي لبرشلونة،أردت الذهاب لأقرب شاطىء للسباحة،أعتماداً على الأستاذ(گوگل)،وأذا بي أفاجأ أنه شاطىء للعراة،فقفلتُ راجعاً بسرعة بعد أن هالني المنظر. كنتُ ممتعضاً من ذلك وأنا أناقش صديقي الذي قال لي:عليك أن تحترم ثقافة البلد والمجتمع الذي تزوره،في ذات الوقت الذي عليك أن تعلم أن ليس كل الإسبان يرضون عن ذلك. أعترف أنها كانت إجابة مُفحِمة لي وقلت في نفسي،ما كان علي أن أذهب هناك لو علمتُ بذلك. تذكرت هذه الحادثة وأنا أتابع النقاش الحاد في الفضاء العام الغربي والعربي على قضية منع(الترويج)و(التهريج) بالمثلية الجنسية في قطر التي تستضيف كأس العالم حالياً. ولن أناقش هنا موضوع مخاطر المثلية على المجتمع البشري فهي معلومة للجميع،ولن أناقش موضوع الحرية الشخصية في تبني الانسان ما يعتقده صحيحاً كحق من حقوقه الأنسانية،لكني سأناقش الموضوع من زاويتين تتعلقان بصميم حقوق الانسان التي يبرر بها من يتبنون الترويج للمثلية الجنسية في العالم،والتي لسبب لا زلتُ أجهله وأحاول إيجاد تفسير له،صارت أحدى القضايا التي تنافس في أهميتها قضايا الفقر والتنمية وتغيير المناخ والعنصرية في العالم!!نعم،نسي المروجون للمثلية كل قضايا العالم وآلامه وجراحاته وركزوا على حقوق المثليين!! مع ذلك فهذا من حقهم.

الزاوية الأولى التي سأناقشها،هي زاوية ثقافة البلدان. مخطىء من يعتقد ان موضوع المثلية الجنسية مرفوض لأنه ضد التعاليم الدينية فقط. نعم الدين يرفض ذلك لكن الموضوع ثقافي أساساً فالآشوريون مثلاً رفضوا المثلية التي شاعت في فترة من فتراتهم الاولى وجرّموه بنصوص قانونية. كما أنتقد أفلاطون الرجل الأثيني المثلي،وهكذا فعل كثيرون ممن لم ينتقدوا المثلية من منطلق ديني! صحيح أن المثلية كانت معروفة على مدى التاريخ لكن صحيح أيضاً أن لكل مجتمع وشعب كانت طريقة في التعامل مع المثلية بضمنها كثير من الشعوب التي حرّمتها ليس دينياً،بل أجتماعياً لإدراكهم لخطورتها على مستقبل مجتمعاتهم. لذا لم يكن مستغربا ان يشير مسح القيم العالمي الذي اجري في اكثر من ١٠٠ دولة في العالم ان اكثر من 70% من سكان العالم لا يجدون اي مبرر للمثلية الجنسية وان نسبة من يبررونها أقل من 30%.

أن ما فعلته الأديان السماوية(وحتى بعض الأديان الوضعية)،هو إقرارها للموروث الثقافي لدى الشعوب التي نشأت فيها وتأكيدها لخطورة هذا التوجه ليس على الدين وإنما على الإنسانية ككل. وبصفتي ممثل العراق في منظمة مسح القيم العالمي والتي تقيس القيم لدى شعوب العالم، فأني وبقية الباحثين في المنظمة نعلم ومن خلال الدراسات التي قمنا بها،أن شعوب العالم تتباين في قيمها الثقافية وانه لا توجد قيم ثقافية واحدة في كل العالم،وبالتالي نحترم ذلك التنوع. هذا الاحترام للتنوع الثقافي هو أشبه بأحترام التنوع العرقي. ومثلما علينا ان لا نميز بين الاجناس والاعراق بسبب ألوانهم وأديانهم وخلفياتهم فليس علينا أن نميز بين الناس على اساس ثقافاتهم وقيمهم التي يتبنونها. إن من أبسط حقوق الأنسان هي أحترام قيمه وثقافته.

أما الزاوية الثانية فهي الزاوية القانونية. هنا أتساءل،عندما أقيمت كأس العالم في إنگلترا،هل طُلب من البلد المضيف تغيير قانون السير لديه من اليمين لليسار بحجة أنه لا يتفق مع قوانين بقية الدول المشاركة بل ولا يتفق مع قوانين سير معظم شعوب العالم؟! لم يحدث ذلك لان الجميع مؤمن أن من أبسط حقوق الدول أن يحترم زوارها قوانين البلد بغض النظر عن رأيهم فيها. أنا لا أستطيع أن أطالب بتقليل ساعات العمل للمسلمين في رمضان في اوربا لأنني أحترم قانون العمل لديهم.وللمعلومة فأن هناك ثمان دول(25%) من الفرق المشاركة ،وليس قطر فقط،تحظر  المثلية الجنسية قانونيا،فضلا عن كثير من دول العالم الاخرى فهل يجب ان نطلب منها جميعاً تغيير قوانينها إرضاءً لبضع منتخبات تساند المثليين؟!! أول شيء يتعلمه السائح أو المسافر هو أحترام قوانين البلد الذي تسافر له فلماذا لا نطبق نفس الشيء على هذه البطولة أيضاً؟! وإذا كانت الحجة أن هذه البطولة تعقد برعاية الفيفا وعلى قطر ان تحترم قوانينه فالجواب سهل. أولاً،كل ما تم منعه في هذه الدورة تم بالاتفاق مع الفيفا،وتحت أشرافها، بحيث ان رئيس الفيفا دافع عن القرار وهدد بمعاقبة كل منتخب يرتدي قائده شارة الترويج للمثلية! يعني ليست قطر هي التي ستعاقبه بل الفيفا ولذلك امتنعت حتى إدارات المنتخبات التي روجت للمثلية عن فعل ذلك لحماية لاعبيها المحترفين من عقوبات الفيفا،لا من عقوبات قطر. والفيفا نفسها لديها بطولات للنساء واخرى للرجال وليست لديها بطولة لمجتمع الميم فهل يجب معاقبة الفيفا؟!

لقد تحولت قضية المثليين الى قضية كبيرة أنست العالم أن هذه البطولة هي لكرة القدم الرجالية وليست لكرة القدم للجنس الثالث كما يروج له. ومن حق اللاعبين الذين يروجون للمثلية ان لا يلعبوا في هذه البطولة ويؤسسوا بطولة جديدة للمثليين،مثلما من حقنا كمشاهدين ان نشاهدها او لا!! لقد سبق ان أقيمت كأس العالم في أكثر من دولة في العالم وبضمنها بطولة العالم النسائية الاخيرة فلماذا لم نشاهد او نسمع مثل هذا الترويج للمثلية؟!سيقول البعض لان قطر تضطهد المثليين .وهنا أجيب هل قطر وحدها تضطهد المثليين؟! ثم ماذا عن باقي قضايا حقوق الأنسان(عدا المثلية)؟! حينما أقيمت كأس العالم في أمريكا،كانت لتوها قد ضربت العراقيين باليورانيوم المنضب في عام1991 وسببت القتل والتشويه والسرطانات لالاف العراقيين الذين ما زالوا بخاصة في البصرة يعانون منه بعد اكثر من ثلاثين سنة فلماذا لم نشاهد دولة تعترض آنذاك على مافعلته أمريكا؟ وفي كأس العالم الأخيرة في روسيا،لماذا لم نشاهد شارات وشعارات تندد باضطهاد كثير من سجناء الرأي الذين يزيد عددهم عن عدد المثليين؟! لماذا لم نشاهد اعتراضات مثل هذه على احتلال روسيا لجزيرة القرم؟!

أنا لا أجادل هنا بحقوق المثليين الشخصية،بل أجادل بحقوقنا الإجتماعية والشخصية معاً كشعوب لها ثقافة تريد من الآخرين أحترامها،ولديها قوانين تريد من الآخرين تطبيقها حينما يكونون في بلداننا. أن النزعة الإستعلائية الغربية لدى البعض يجب أن تتوقف. كما أن أعتقاد الغرب(ومعه للاسف بعض المتغربنين)بأن ثقافتهم ومعتقداتهم وقيمهم هي المرجع الدستوري لثقافتنا هي نوع من الأستبداد الذي تحدث عنه الكواكبي في المقولة التي أقتبستها في بداية المقال. فالمستبد هو ليس فقط الحاكم الظالم،بل أيضاً من يريد أن يحكمنا بإرادته لا بإرادتنا،وبهواه لا بشريعتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى