ثقافية

في يوم اللغة العربية د. مراد: يتعامل الذكاء الاصطناعي مع البيانات المنطقية يُسهّل معالجتها الآلية ونتائجها

بقلم : زهرة مرعي

بيروت ـ «القدس العربي»: علم اللغة غني مترامي الأطراف والظواهر. أكثرنا يتعامل مع لغته الأم من منطلق الفائدة والحاجة والتعبير عن هويته، وفي سياقات الاهتمام والعمل. أن يوضع بمتناول اليد كتاب بحثي، يتناول التنقيط والترقيم في اللغة العربية، تتسابق التساؤلات وتكثر عن أهمية الكلمتين، وموقعهما في النص العربي.

لأستاذ المعلوماتية في الجامعة اللبنانية البروفسور غسان مراد اهتمام بالغ بلغتنا الجميلة، حافزه اختصاصه الأكاديمي. قبل 6 سنوات، طُلب منه إعطاء فكرة لمؤتمر في الجامعة اللبنانية وكان جوابه: يجب التنبه إلى علامات الترقيم والتنقيط في اللغة العربية، فحصل المؤتمر في الجامعة اللبنانية وكانت هذه الأبحاث التي صوبت العديد من الأفكار حول موضوع منسي من العديد من علماء اللغة. علماً أن مراد كان نشر كتاباً عن الموضوع عينه باللغة الفرنسية خلال إقامته في فرنسا كأستاذ في جامعة السوربون.

وفي النهاية وضع وقدّم وحرر كتاب: “الترقيم والتنقيط والإعجام في العربية: السياق التاريخي والدلالي.”

هنا حوار مع الدكتور غسان مراد بمناسبة يوم اللغة العربية المحدد في 18 كانون الأول/ديسمبر من كل عام.

■ قبل دخول الموضوع الذي نحن بصدده. ما هي المراحل التي مرّت بها اللغة العربية؟

■ لم تعرف العربية في بداياتها لا النقاط ولا التشكيل. بعد نزول القرآن بـ 50 سنة تقريباً بدأ التشكيل. يتفق كثيرون على القول إن أبو الأسود الدؤلي هو أول من وضع النقاط لضبط النص والتخلص من التلحين. أربع نقاط أمام الحرف علامة على الضمة، والنقطة فوقه علامة على الفتحة، وإذا كانت تحته فهي للكسرة. ثم بعد ذلك قام الخليل بن احمد الفراهيدي بوضع إشارات التشكيل للتعبير عن الفتحة والضمة والكسرة. ثم جعل النقاط على الحروف لإعجامها، وتمييزها فيما بينها. أما بالنسبة لأول كتاب حول التنقيط والترقيم للغة العربية، فكان للعالم اللغوي المصري أحمد زكي باشا وقد وضعه في أوائل القرن العشرين.

■ وهل ثمّة قانون للتنقيط والفواصل؟

■ القانون موجود والكُتّاب لا يلتزمونه. ونتيجة أثر التكنولوجيا في ضبط قانون الكتابة بدأ يتنامى الالتزام بالتنقيط والترقيم.

■ ما هو المقصود بالترقيم والتنقيط؟

■ إنها النقاط والفواصل، والهلالان، وعلامات التنصيص والإشارات كافة، التي تضيف وتضبط معنى النص وتهيكله. فمعنى النص يُبنى من جميع الإشارات الموجودة فيه بما فيها علامات الترقيم.

■ وهذا ما يمنح الكتابة نفساً وراحة أليس كذلك؟

■ صحيح. عملية الفهم بحد ذاتها تحتاج لتجزئة. بعد اختراع الكتابة وتثبيتها قبل ألفي سنة بدأ البحث عن الإشارات، والتي كانت في اللغات التي سبقت العربية وخاصة اليونانية. في البدء كانت الكتابة متواصلة ودون علامات تنقيط. ثم كانت نقطة بين الكلمة والكلمة. وبدأ تغير تدريجي، الى أن تحول النص إلى مُنقط. للإشارة فقد وجد الـ”فيلولوغ” نصوصاً غير مجزأة حتى القرن الرابع الميلادي.

مع عصر الطباعة وديمقراطية النشر في العالم وغيرها، وجدت معايير لعلامات التنقيط والترقيم أفضت إليها الكتب المنشورة. ووافق العاملون في ميدان النشر على ضرورة معايير الكتابة. ويُذكر أن العاملين في مجال النشر قديماً كانوا مطلعين على الفلسفة والعلوم وسواها. بخلاف الناشرين حالياً.

■ متى بات لعلامات الكتابة شكلها المعاصر الذي نعرفه الآن؟

■ كان ذلك مع فارس الشدياق، أي في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر. حينها كتب مقدمة لكتاب، ضمّنها إشارات للتنقيط. وبعد زمن عاد لنشر المقدمة نفسها دون نقاط وفواصل. أعتقد أن دافعه أن يُبعد عنه تهمة التدخل باللغة. إنما الكتاب الأول في هذا الموضوع كان لأحمد ِزكي باشا، الذي سافر إلى مصر وعاد لوضع أول كتاب حمل عنوان “الترقيم وعلاماته في اللغة العربية” سنة 1912. ومن ثم صارت تُستخدم بالتدريج، وتنامت كثيراً بتأثير التكنولوجيا على الكتابة. فالشاشة تحتاج للتجزئة. من تجزئة النصوص إلى تجزئة الشاشة وغيرها. والإشارات الوحيدة التي تلعب هذا الدور هي علامات الترقيم والتنقيط. منها كمثال علامات الحوار، والتي تشير إلى المتكلّم في النص. وعلامات الشرح التي يضمها هلالان كبيران، أو علامات الهلالين المربعين. جميعها إشارات ذات معنى في النص. العاملون في علوم اللغة اهتموا بالمحكية، وأهملوا العلامات الدلالية، فلم تكن الكتابة هدفهم. مع تطور التكنولوجيا بدأ الاهتمام بالكتابة، ووجدوا أنها نظام يختلف عن النظام الصوتي. والاختلاف موجود بين ما يتفاعل في الدماغ، وبين عملية الكتابة التي تحرك اليد، وعملية تحريك الأوتار الصوتية. إذاً الكتابة نظام لغوي قائم بذاته، ويحتاج للإشارات التي نقولها صوتياً كي نعبّر عنها كتابياً. كما التأفف والاستفهام والإعجاب وغيرها. إشارات اللغة اعتباطية، وليس من ارتباط بين شكل الكلام وما نعنيه. للإشارات معنى على صعيد الكتابة. خلال عملي على الكتاب بحثت عن أصل الفاصلة، وتبين أنها مأخوذة من الواو العربية. وليس الشكل فقط، بل تمّ أخذ وظيفتها أيضاً، وقُلبت رأساً على عقب لتفادي المزج بينها وبين الواو خلال الكتابة. أما علامة الاستفهام التي لها شخصيتها كونها تتبع الكتابة إن كانت عربية أو أجنبية، جاءت من كلمة لاتينية هي “كويستيو” (Questio) أي سؤال. كما وتعبّر علامة التعجّب عن الـ”يوة (Jo) ” وهي التعجب باللغة اللاتينية، والتي تجمّلت لتأخذ شكلها الحالي.

■ ما هي إيجابيات التنقيط والترقيم في عصرنا على النص العربي؟

■ كبيرة. لنفترض أننا بصدد ترجمة آلية من اللغة العربية إلى أخرى أجنبية. معروف أن الترجمة الآلية ترتكز على الجُمل، لهذا نحتاج لتنقيطها بالشكل الصحيح، للتعرّف إليها. والترجمة الآلية مستخدمة جداً في برامج التنقيب عن المعلومات. وفي برامج تجزئة النصوص لتسهيل الفهم. في الأجهزة الإلكترونية لم تعد الناس تحتاج للمطولات. العالم يتوجه حالياً نحو الجمل القصيرة، ما سيترك أثراً مستقبلياً قريباً على البنية اللغوية بحد ذاتها. إنه أثر التكنولوجيا على اللغة بشكل عام.

■ ما هي صلة علامات الوقف والتنقيط والترقيم وترتيل القرآن أو قراءة الشعر أو أي نص آخر على الجمهور؟

■ ساعدت علامات الوقف الناس على القراءة. وأدّت علامات الوقف إلى الانتقال من القراءة الجهورية إلى القراءة الصامتة. توجد بعض الإشارات على بعض الكلمات في القرآن تحدد في التجويد، ومحطات الوقوف والمتابعة. وتستخدم كلمة الوقف منذ القديم بهدف النفس. وبما أنّ الكتابة الآن أصبحت نظاماً قائماً بذاته، فهي لم تعد مرتبطة فقط بالوقف لأخذ النفس. بل هي إشارات دلالية لتبيان المعنى. فإن كتبت كلمة “ولكن” في أول الفقرة وأتبعتها بفاصلة، فلست بحاجة للتنفّس لأني لم أبدأ بعد بالجملة. بل وضعت الفاصلة بهدف منح زخم للجملة المقبلة. لهذا علامات الترقيم والتنقيط ذات وظيفة دلالية، ولها معاني في النصوص ومن المفترض أن ننتبه إليها، لأنها ذات تعابير كثيرة. وهي موجودة باللغات الأجنبية منذ زمن بعيد، وساهمت بتخفيف الروابط “كما” و”لكن” و”إذا” وسواها.

■ إذاً الحاسوب والتكنولوجيا يرحبان بعلامات الترقيم والتنقيط؟

■ نعم. ونحن نحتاج لنصوص مضبوطة ومهيكلة، كون الرقمنة تحتاجها. فالترقيم والتنقيط يبني هيكل النص الفيزيائي شكلاً، وعلامات الطباعة من كتابة سميكة أو مائلة وألخ. وللنص هيكل منطقي بين عنوان كبير وسميك، وآخر صغير بشكل مختلف. إنها التجزئة الفيزيائية، والتجزئة المنطقية، أي بناء هيكل النص. دون شك التكنولوجيا تسهّل معالجة اللغة العربية لجهة التنقيط والترقيم، أو ما يُسمّى بحوسبة اللغة العربية. هو تسهيل للبحث عن المعلومات باللغة العربية وكذلك الترجمة. كما أن برامج “شات جي بي تي” والذكاء الاصطناعي تتعامل مع البيانات المبنية منطقياً، فتكون عملية المعالجة الآلية وحوسبتها أسهل، وذات نتائج أفضل.

■ هذا يعني أن برامج الذكاء الاصطناعي في صالح لغتنا العربية لجهة المعالجة الآلية؟

■ بالطبع، إذا تمكنّا من استعمال الذكاء الاصطناعي بالشكل الصحيح. برامج الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا موجودة، وعلينا التعامل معها على هذا الأساس. ونكرانها يؤدي لنوع من التخبط. تتواجد في جيوبنا ونجهل استعمالها. إنها مفيدة للغة العربية إذا امتلكنا إمكانية استخدامها لدعمها بالشكل الصحيح. المحتوى الرقمي العربي بحاجة للإثراء، وصولاً لإمكانية حوسبة اللغة العربية وانتشارها، والترجمة منها وإليها. كما أن تجزئة النصوص تساعد في عملية التعليم. من خلال فهم الطباعة والكتابة بات معروفاً لماذا يُطلب من التلميذ الانتقال للسطر، إنها الفكرة الجديدة. إذاً النقاط والفواصل التي تجزء النصوص تساعد في عملية الفهم بناء على دراسات في علم النفس اللغوي.

■ وماذا عن كتابة الكلمة العربية بالحرف الأجنبي مع عدة أرقام متعارف عليها عبر واتس أب؟

■ ليس لهذه الكتابة من أثر على اللغة العربية. هو بحث عن حلول للتواصل عبر الحرف الأجنبي. وبناء على دراسات من مركز اللغة والتواصل، أن الكتابة الجدية، كانت بمجملها بالشكل العربي الصحيح. التأثير السلبي على اللغة من استخدام الواتس أب، يتمثّل بالعجز عن الكتابة الصحيحة لدى الأجيال التي تستخدمه بكثرة، لهذا دور التعليم التركيز على اللغة والكتابة باليد، وليس فقط على الحاسوب. للكتابة باليد تأثير على تنمية الشبكة العصبية المتعلّقة باللغة في الدماغ.

■ كأستاذ متخصص بالمعلوماتية لماذا تصديت لكتاب بشأن اللغة العربية؟

■ أعددت الدكتوراه بأضلع ثلاثة هي الكمبيوتر، وعلوم اللغة وعلوم التواصل، وهي مترابطة. تصديت لهذا الموضوع انطلاقا من عملي على تجزئة النصوص بهدف حوسبتها. عند بدء عملي على الفاصلة لتجزئة النصوص، وجدت حجم المعاني التي تعبّر عنها الفاصلة باللغات الأخرى. تلعب الفاصلة دور “و، ولكن، وثمّ” وغيرها. بالانتقال إلى النقطة وما تُعبّر عنه، وجدت امكانات استخدام علامات التعجّب والاستفهام، والهلالين الصغيرين المستعملين للمثل، أو التفسير أو لاحتواء رقم أو أرقام. هي إشارات يفترض العناية بها وفهم دلالاتها ومعانيها داخل النصوص. لا يمكن أن تتطور اللغة المكتوبة، خارج نطاق هذه الإشارات الموجودة داخل اللغة وتُستخدم داخلها.

المصدر : https://www.alquds.co.uk/

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى