شؤون اقليمية

كيف استفادت دول الخليج من قدرات اسرائيل السيبرانية في الحفاظ على نظمها السياسية؟

أ.د.جاسم يونس الحريري

كشف الباحث الامريكي ((نيري زيلبر))في مقالة له في الموقع الالكتروني لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى الامريكي نشرت في يناير2019 حجم التعاون السيبراني الخليجي-الاسرائيلي للحفاظ على الانظمة السياسية الخليجية بقدرات تكنولوجية اسرائيلية.ففي عام 2007، لجأت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى شركة “فور دي للحلول الأمنية” [4D Security Solutions] التي تعود ملكيتها ((لإسرائيل)) ومقرها في الولايات المتحدة الامريكية،من أجل تحديث دفاعاتها حول منشآت الطاقة الحساسة، وإنشاء نظام مراقبة “ذكي” على مستوى المدينة في أبوظبي.ووفقاً لتقارير إعلامية متعددة، فازت شركة “آي جي تي إنترناشونال” [AGT International]، وهي شركة سويسرية منفصلة يملكها صاحب شركة “فور دي” ماتي كوخافي، بعقد قيمته 6 مليارات دولار وفقاً لبعض التقارير، مع تقديم شركة “لوجيك إندستريز” [Logic Industries] التابعة لها ومقرها في ((إسرائيل)) الخبرة الفنية الفعلية لهذا المشروع. ويُعتقد أن النظام الذي تم وضعه، والذي غالباً ما يُطلق عليه “فالكون آي” [Falcon Eye] (“عين الصقر”) قد اكتمل بحلول عام 2016. ويشمل هذا النظام شبكةً من الكاميرات ،وأجهزة استشعار ،ومنصات للذكاء الإصطناعي توفّر كافة أنواع البيانات، بدءً من التحكم في حركة المرور، إلى المراقبة الحميمة. وأفادت التقارير بأنه في عام 2014 تم استخدام بعض عناصر هذا النظام للقبض على إمرأة جهادية بعد هجوم بالسكين على مُدرّسة أمريكية.وقد تم السماح لاحقاً لنفس هذا الاتحاد من الشركات المملوكة لإسرائيليين، بالمشاركة في مناقصة على مشروع كان يهدف إلى المساعدة في إدارة تدفق الحجاج إلى مكة المكرمة. وعلى الرغم من عدم نجاح المناقصة، أفادت وكالة “بلومبرغ” الامريكية بأن السلطات السعودية وضعت في النهاية نظاماً إلكترونياً مماثلاً للنظام المقترح. كما سعت الرياض للحصول على مساعدة إسرائيلية في معالجة احتياجات سيبرانية أخرى. ففي عام 2012، تسببت عملية ضخمة ضد شركة النفط السعودية العملاقة “أرامكو” المملوكة للدولة بمحو بيانات ثلاثة أرباع حواسيب الشركة (حوالي 30 ألف محطة عمل)، وهي حادثة تم وصفها آنذاك على أنها الهجوم السيبراني التجاري الأكبر في التاريخ. ويعتقد مسؤولوا الاستخبارات الأمريكية أن منفذي ذلك الهجوم الذين استخدموا “فيروس شمعون” كانوا ممولين من ايران . وبعد مرور سنوات، قال رجل الأعمال الإسرائيلي المتخصص في مجال التكنولوجيا المتقدّمة والمشرِّع السابق ((أريئيل مارغاليت)) إلي صحيفة “كالكاليست” الاسرائيلية إنه تم اللجوء إلى شركات متخصصة في الأمن السيبراني في ((اسرائيل))من أجل مساعدة شركة “أرامكو” السعودية على إصلاح الضرر، وهي عملية استغرقت شهوراً.وفي عام 2015، حيث لجأت الرياض إلى الشركة الإسرائيلية “إنتو فيو” [IntuView] للمساعدة في تعقّب الجهاديين على مواقع التواصل الاجتماعي. ووفقاً لوكالة “بلومبرغ”، لبّت الشركة ذلك الطلب باستخدامها برنامج يمكنه مراجعة 4 ملايين مشاركة على موقعَي “فيسبوك” و”تويتر” يومياً. وعلى غرار العديد من الشركات الإسرائيلية العاملة في الخليج، أنشأت “إنتو فيو” شركةً وسيطة في أوروبا لإعطاء السعوديين القدرة على الإنكار. ووفقاً لصحيفة “هآرتس”، حصلت البحرين على نظام مماثل لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي من شركة “فيرينت” [Verint] المؤسسة في ((إسرائيل)) والرائدة في مجالها، في وقت ما بعد عام 2011. ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في كانون الأول/ديسمبر2018. وقد تورّطت إحدى الشركات الإسرائيلية على وجه الخصوص في هذه الحملات، وهي شركة “إن إس أو غروب” [NSO Group] الذي يستطيع برنامجها التجسسي “بيجاسوس” [Pegasus] اختراق أجهزة الهواتف الذكية عن بُعد لتعقُّب التحركات، ومراقبة الرسائل، والتحكّم في الكاميرات والميكروفونات.ووفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة علاقتها مع شركة “إن إس أو غروب” في عام 2013، لتطلب من الشركة في النهاية المساعدة في اعتراض الاتصالات من قبل كبار المسؤولين القطريين، وأحد الأمراء السعوديين، ورئيس الوزراء اللبناني. وفي عام 2016، زُعم أنه تم استخدام منظومة “بيجاسوس” لاستهداف المواطن الإماراتي المنشق ((أحمد منصور)). وعلى مدار العامين 2018/2019، وجد “المختبر المدني” [Citizen Lab] التابع لجامعة ((تورونتو))الكندية خروقات مشتبه بها بفيروس منظومة “بيجاسوس” في خمسة وأربعين بلداً، من بينها الجزائر والبحرين والعراق والأراضي الفلسطينية والمملكة العربية السعودية.وكان موظّفان في “منظمة العفو الدولية” من بين الأفراد المستهدفين في مثل هذه الحوادث، أحدهما يسكن في السعودية. وشكّل ((عمر عبد العزبز)) هدفاً آخر، وهو معارض سعودي بارز يسكن في كندا. وقد نشر “المختبر المدني” الادعاء الأخير في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2018، أي قبل يوم واحد من مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. وكان عبد العزيز على تواصل مع خاشقجي، وفي دعوى قضائية رُفِعت في تل أبيب، زعم أن المعلومات التي حصلت عليها السلطات السعودية عن طريق منظومة «بيجاسوس» “ساهمت بشكل ملحوظ” في قرارها بالقضاء على الصحفي السعودي .ووفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”، أكد العديد من مسؤولي الاستخبارات الغربية أنه تم بالفعل بيع برمجيات شركة “إن إس أو” إلى الرياض من خلال شركة فرعية اسمها “كيو سايبر تكنولوجيز” [Q Cyber Technologies] ومقرها لوكسمبورغ. وعلى الرغم من أنه لم يتم التأكيد بشكل علني على وجود رابط مباشر بين هذه الأدوات وخاشقجي، إلّا أن تقرير صادر عن  صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية أكّد أن ممثلين عن شركة “إن إس أو” قد التقوا مع اثنين من كبار مسؤولي الاستخبارات السعودية عدة مرات في عام 2017. وكان الهدف من تلك الاجتماعات التي انعقدت في العديد من المدن الأوروبية هو بيع نسخات متقدمة من منظومة “بيجاسوس” يقال أن قيمتها وصلت إلى 55 مليون دولار. وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى أنه في وقت لاحق من ذلك العام، جرت في السعودية عملية تكميم أفواه واسعة النطاق ضد المعارضة السعودية  في الداخل. وبعد ذلك ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن مساعدَيْن مقرَّبيْن من ولي العهد السعودي، توسطا في صفقة “بيجاسوس”، وكان أحدهما قد سافر إلى(( إسرائيل)).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى