في مطلع شبابي ربما عام 1976 أو 1977، وكنت على وشك التخرج، وكان الإخوان المسلمون قد خرجوا من المعتقلات والسجون بقرار من الرئيس أنور السادات، وقع في يدي كتاب (مذابح الإخوان في سجون ناصر) تأليف الإخواني (جابر رزق)، وقد قرأته وتأثرت به لدرجة أنني اعتقدت كفر الرئيس جمال عبد الناصر، ولكن الله قيّض لي من فتح عقلي وأنار طريقي، وهو رجل في منتصف العمر اسمه الأستاذ محمد الصرّاف، لأنه جاء للقرية ليعمل صرّافا ، وكان مثقفا ثقافة دينية مستنيرة، وكان يؤمنا في الصلاة في بعض الأيام.
وجد في يدي كتاب مذابح الإخوان، فسألني بطيبة هل أنت طالب، قلت له نعم، قال إذا كان لديك صداع في رأسك هل تستطيع المذاكرة، قلت له مستحيل ولا استطيع، فقال إذن كيف تصدق أن سيد قطب وهو تحت التعذيب المستمر يؤلف الكتب، ومنها كتاب (معالم في الطريق) الذي كفّر فيه كل البشر باستثناء جماعة الإخوان المسلمين، وعندها بدأت أبحث بجدية في تتبع مؤلفات الإخوان، بل ونقدها، وتخرجت قبل سيطرة الجماعات الإرهابية على الجامعات، وظل الهاجس يؤرقني ولم ينفعني سوى الأستاذ محمد ووالدي عليهما رحمة الله.
أما كتاب (البوابة السوداء) للأستاذ (أحمد رائف) فكان أكثر قسوة من كتاب جابر رزق، رغم أن أحمد رائف خرج من جماعة الإخوان وانضم لحزب الوفد، ولكنه لم يتحدث عن ظروف تأليف للكتاب، ونعتقد أن ما كتبه مجرد روايات سمعها ولم يراها، وغيرها من كتب الإخوان بالإضافة لخطب من فوق ألف منبر ومنبر في شرق مصر تدين الرئيس عبد الناصر وتكفره، ووصل الأمر بشيخ فاضل صلى ركعتين شكرا لله على هزيمة 1967، وبررها بأنه لا يرضى بالنصر مع السوفييت الكفار، رغم أنه أفتى فيما بعد بشرعية الاستعانة بغير المسلم عندما غزا صدام حسين الكويت، كما أفتى بأننا نساعد أمريكا المؤمنة ضد روسيا الكافرة في أفغانستان.. بل إن الشيخ محمد الغزالي من خلال تأثره بالفكر الإخواني ذهب للمحكمة طواعية لتبرئة قتلة فرج فودة، ثم جاء محمد مرسي فأفرج عنهم
على كل حال، فإن الحقيقة أن كل التيارات السياسية في مصر باستثناء اليساريين جماعات الإسلام السياسي، بصورة لم يسبق لها مثيل، فكل من هاجم جمال عبد الناصر فإنه خدم الإخوان، توفيق الحكيم الأب الروحي للرئيس ناصر – ثروت أباظة – حسين مؤنس – جلال الدين الحمامصي… الخ، ناهيك عن الأفلام التي نالت من عبد الناصر، مثل احنا بتوع الأوتوبيس – طائر الليل الحزين … كلها أدانت الرئيس ناصر، فخدمت الجماعة الإرهابية، ويكفي شرفا أن اليساريين المصريين ظلوا على الولاء لوطنهم ووطنيتهم ورئيسهم ، رغم أنهم دخلوا السجون. الرئيس أنور السادات اعترف بخطئه عندما سمح للإخوان بالانتشار في أرجاء الوطن، ولكنه كان اعترافا متأخرا، حيث قام تنظيم الجماعة الإرهابية باغتياله.
إن الشعار الإخواني قرآن ومسدس، أو شعار الشهادة والسيف، يثبت زيف أي إدعاء كاذب ينال من تسامح الإسلام، والله الكريم أنزل القرآن الكريم للعمل بما فيه، وأثنى على حفّاظ القرآن، ولكنه أيضا طلب التدبر والتأمل في آياته
كل الإرهابيين يحفظون القرآن
تبدو المفارقة السخيفة أن معظم إن لم يكن كل الذين قاموا بالقتل والاغتيال والإرهاب في تاريخ المسلمين كانوا من حفظه القرآن الكريم، من أول قتلة عثمان بن عفان وحتى قتلة أنور السادات، ومن الغريب أن الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء والرؤساء أقاموا ومازالوا يقيمون مسابقات سنوية لحفظ القرآن، دون أي مسابقة لفهم آية واحدة، وتباروا في منح الجوائز للحافظين، ومنهم من يسمي طفلا بالمعجزة لأنه حفظ كل القرآن في سن الخامسة أو السادسة، وهو أمر انتبه له الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما طلب من حافظي القرآن أن يفهموه..
فمن خلال التصفح للتاريخ نجد أن الإرهابي عبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي بن أبي طالب كان أشهر قاتل حافظ القرآن، ومع ذلك من خلال فهمه القاصر قام بقتل على بسيف مسموم وهو ساجد، وكان يردد قبيل قتله قول الله (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد)، وسمى الخوارج أنفسهم الشراه، أي الذين اشتروا الجنة بقتل الأبرياء، وهو ما فعله قاتلو أنور السادات، كان عبد السلام فرج وخالد الإسلامبولي وعطا طايل ومحمد عباس يرددون آيات القرآن والأناشيد الدينية ويرفعون اللافتات الدينية مبشرين أنفسهم بالجنة، وهو ما قام به تنظيمات الإرهاب عندما استحلوا قتل الخاذندار والنقراشي والسادات وفرج فوده، وغيرهم من الأبرياء من السياح والمسيحيين والمسلمين، وهو ما فعله عتاة الإرهابيين في داعش وبوكو حرام من قتل وحرق وسبي.
طبعا لا نزعم أن كل حافظ للقرآن إرهابي، هذا خطأ في القول، ولكن نقول إن كل إرهابي حافظ للقرآن بدون فهم، بعقل ناقل حافظ رجعي متخلف، يقدم السنة على القرآن، ويقدم شرح السلفيين الوهابيين القدماء والمعاصرين على القرآن والسنة معا،
لقد كان التطور الحضاري الإسلامي، نواة للحضارة الغربية في ظل الدول المستقلة مثل الدول الأندلسية والحمدانية والسامانية والغزنوية، وتداعت تلك الدول أيضا عندما اضطهد أصحاب العقول فقتلوا وطوردوا وأدخلوا السجون، وأحرقت كتبهم، وكل من أحرق الكتب أيضا كانوا من حفظه القرآن، أولئك الذين يظنون أنفسهم حراس أبواب السماء، وهم يتخفون في أسماء مختلفة، ولكن صفاتهم واحدة، وأسلوبهم واحد وصفاتهم الجسدية واحدة وأزياؤهم متشابهه، أسماؤهم تعددت، فهم الحشويون والحنابلة والموحدون والمرابطون والإخوانيون والسلفيون والوهابيون، كلهم يحفظون القرآن ويقتلون باسمه، لقد أحرق المنصور خليفة الدولة الموحدية كتب ابن رشد، وتم نفيه، وتشويه سيرته وحياته، ويكفي قول ابن رشد: (أَعْظمُ ما طَرَأَ عليَّ في النكبةِ أنّي دخلتُ أنا وولدي عبدُ اللهِ مسجداً بِقُرْطُبَةَ وقد حانتْ صلاةُ العصرِ، فثارَ لنا بعضُ سَفَلَةِ العامَّةِ فَأَخْرَجُونَا مِنْهُ)، منعوه من الصلاة في المسجد، وهو الفقيه القاضي.
لو تأملنا النهضة المصرية المعاصرة المبشرة، لوجدناها بدأت بإحياء العقل، وماتت عندما ظهر الإسلام السياسي بداية من الإخوان المسلمين، وحتى الجماعة الإسلامية وتنظيمات الجهاد وداعش وبوكو حرام، وجميعهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، فيسفكون الدماء من خلال تأويلهم الدموي للآيات القرآنية، يظهرون عند الغاء العقول وتقديم النقول… ويصدق فيهم قول أمير المؤمنين علي عليه السلام (يتفقهون لغير الله ويتعلمون لغير العمل ويعملون للدنيا بأعمال أهل الآخرة) …. صدق الإمام..