ستة ايام قضاها الوفد العراقي الذي تزعمه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ،بعد مشاركته في اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة وقد جرت على هامش هذه المشارك مجموعة من اللقاءات البروتوكولية والمباحثات الجدية ايضا ،ولأن الشارع العراقي بحاجة لفهم الموقف الدولي من العراق ،سيما مع حالة التشكيك التي يروج لها توافه القنوات المغرضة حول العلاقة باميركا لتحقيق غايات معينة ،جاءت لقاءات رئيس الحكومة العراقية بالمسؤولين الامريكيين مطابقة لواقع المصالح لا تمنيات هولاء ،فالعلاقة مع ادارة البيت الابيض ليست مثالية كما انها ليست سيئة ،والسبب يكمن في انهم طرف غير موثوق غالبا ، بل يشبه بائع الوهم في احيان كثيرة ، وما يهمنا معرفته فعلا هو فحوى تلك اللقاءات المتعددة التي جمعت رئيس الحكومة بهم ، والتي كان اهمها حسب اعتقادي ،هو لقائه فريق الامن القومي الامريكي ،وفي قراءة سريعة عن ما تضمنه اللقاء حسب بيان المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي ،الذي اشارت فيه للقاء السوداني مع ماكغورك وعدد من مستشاري البيت الابيض ،وقد تضمن فيما تضمنه التأكيد على الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والعراق ،على النحو المبين في اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين.
في هذه القراءة المقتضبة سيجري التركيز على بعض ما ورد من تفاصيل نقلها البيان ،والتي يبدو اغربها الميل لتأكيد حالة الشراكة مع لهجة تشبه الحدة ،و فرض ما ينبغي ان يكون عليه الوضع الذي تريده اميركا عراقيا ، فمع التشديد على ضرورة الدفع بسياسة البلاد قدما باتجاه تعزيز أمن الطاقة، عبر شبكات الربط الكهربائي مع الأردن والكويت والمملكة العربية السعودية ،تظهر ميول الفريق الامني رغبة امريكية لمواصلة الضغط على طهران ،مايفسر هذه الرغبة ويكشف عنها هو ابداء الرضا عن الاتفاقات مع الشركات الغربية لاستثمار الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط في جنوب العراق، ،في المقابل نحن نتسأل “هل يخدم ذلك المصلحة العراقية التي تذهب بأتجاه كسب الوقت وانهاء الاعتماد على الخارج مطلقا” ،لأن ابقاء حالة الاعتماد على استيراد الكهرباء لن تسهم بحل المشكلة جذريا ، نعم قد يكون من المعقول جدا وفي اطار الشراكة (المزعومة ) الاشادة باتفاقات استثمار الغاز ،لكن لا احد يعلم على وجه الدقة أين ذلك الحرص ،وما هي الفوائد المتوخاة من الربط مع البلدان العربية ،بلحاظ الفائض الضئيل المخصص للتصدير للعراق،حيث تكشف ارقام وزارة الكهرباء تخصيص هذه البلدان بضعة ( ميكاوطات ) ،وهي لاتكفي بالكاد لسد احتياج محافظة عراقية منفردة ،فضلا عن ارتفاع كلفة الربط والتسعيرة المعتمدة ،وهو سؤال ينبغي ان تجيب عنه الحكومة بدقة وبعيدا عن المجاملات.
في جانب اخر ابدى ماكغورك ترحيبا مبالغ فيه بالاتفاقات التي جرت بين بغداد و إقليم كردستان بشأن ديون الاقليم وازمة رواتب الموظفين ، والحقيقة ان وجهة النظر الامريكية تستبطن انحيازا مقصودا للكرد ،فبعض الاطراف تعد حليفا له خصوصياته عندهم ،وتشير تأكيدات وتشديدات ماكغورك بضرورة إعادة استئناف تصدير النفط عبر خط الأنابيب التركي لهذا المعنى صراحة ، فيما لم يكن لقضايا اخرى تتعلق بالتسويات الامنية التي تخص تواجد المسلحين الكرد الايرانيين قرب الحدود الايرانية وتسللهم عبرها ،وتنفيذهم لعمليات مسلحة توصف بالارهابية ذات الاهتمام ، بالطبع لا احد ينكر معرفته بالدور الامريكي في دعم هذه المجاميع ،التي تسبب القلق الامني لطهران ،ويخالف وجودها مبادئ الدستور العراقي والاتفاقات الموقعة بين العراق وايران ،وكما يبدو ان اميركا لا تريد ابداء موقف واضح من هذه المجاميع ،وقد سعت فعلا لجعل الامور مبهمة وغامضة حيالهم ،وهو ما لا يجب قبوله ،فليس من مصلحة العراق استعداء جيرانه على اي حال.
قد تبدو هذه الملفات مهمة داخليا للعراقيين لكن هناك ما هو اهم خصوصا فيما يتعلق بالمسائل الإقليمية، وقد ابدى الامريكيين اهتماما بالغاء المحكمة الاتحادية العراقية تصويت مجلس النواب على قرار ترسيم الحدود البحرية مع الكويت لوجود مخالفة دستورية ،باعتقادنا ان اميركا لم تمارس دورا ايجابيا في حلحلة المشاكل ، وتعهدها بعمل مشترك مع الحكومة يعني وجود الكثير مما يجب مناقشته والعمل عليه ،حول قرار مجلس الأمن بالرقم 833 ،وكيف يمكن تحويله لالتزام ،لان الاميركيين يتحملون مسؤولية كبيرة حسب رأي الكثير من العراقيين ،والسبب انهم تعمدوا استغلال ربيبهمرالمقبور صدام ،الذي قدم تنازلات كبيرة اثر اقراره بالهزيمة ،وتوقيعه لورقة بيضاء في خيمة سفوان التي قادت لترتيبات ،جعلت العراق طرفا هامشيا في لجان ترسيم الحدود ،التي تشكلت بموجب قرارات اممية اوائل التسعينيات من القرن الماضي.
ان وجود علاقات سوية متكافئة مع بلدان العالم بضمنها اميركا مطلب وهدف ،وحفظ حقوق العراق وتقدمه وخلاصه من تبعات الاحتلال يحتاج لأكثر من رغبة ،كما ان الثقة الزائدة والاستسلام امام ما تمليه امريكا ،مع عدم الثقة بنهجها وتعهداتها يجب ان يكون بالحسبان ،و لا شك ان الركون لرؤية الامريكيين بكل ما تقدم امر خاطئ و يجب ان يناقش داخليا بعمق واستفاضة ،كما يجب ان يرافق ذلك التزام بأن تتسم العلاقات الثنائية باحترام رغبة العراقيين ،وعدم الاملاء عليهم لتحقيق اهداف وغايات تضر بالمصالح الوطنية ،وهو ما يجب فهمه والتأسيس عليه وعدم اهماله ،فما نقوله ليس قفزا على الواقع الذي يقول بأن النظام السياسي يحتاج للمزيد ، ليتمكن العراقيين من فرض رؤيتهم على الاخرين ،خصوصا القوى العظمى المتحكمة بالعالم ، بل ان رؤيتنا تنطلق من صلب موضوعة الشراكة واتفاق المصالح الذي تشير اليه اميركا وما تدعيه من استعداد لمساعدة العراق على المضي قدما بمسار الديمقراطية وحل الازمات التي تعيق تقدمه و ازدهاره ،لذا يجب ان يؤمن العراقيين بأن وصولهم لهذه المرحلة هي بتكاتفهم ووحدة كلمتهم ،ولا شيء اخر سيمكنهم من نيل حقوقهم وانتزاع سيادتهم على ارضهم وثرواتهم ..