شؤون اقليمية

الدور الإجتماعي والمشروع الأمريكي

بقلم : عبدالملك سام

يزخر الأدب الإنساني بالعديد من الأعمال التي عبرت عن تصور البشرية لفكرة “المدينة الفاضلة” التي يحلمون بها في ظل النكبات التي عاشتها البشرية في بقاع شتى عبر التاريخ، ولعل هذا ما جعلها فكرة تلقى رواجا واسعا كونها فكرة تداعب مشاعر الناس، وهذا ما حدى بالفلاسفة والأدباء والشعراء للعب على هذا الوتر مرارا لتظهر لنا أعمالا أدبية تجسد هذا الحلم، رغم أنها تبدو لي سؤالا عبثيا وكأنهم يتسألون: متى يكف بعض البشر عن محاولات إفساد حياة باقي البشر؟!

 

إذن دعونا نحلم علنا نجد الطريق لتحقيق هذه الرغبة بالعيش في سلام، فلطالما مثلت الأحلام منطلقا لكل الأفكار الأبداعية عند البشر، والتي أنتجت فيما بعد كل هذه الإختراعات التي نستخدمها اليوم في شتى أنشطتنا الحياتية. بالطبع بعضها تسبب في آثار سيئة كأسلحة الدمار الشامل، ولكن منذا ينكر أن هناك أختراعات جعلت حياة الإنسان أسهل ايضا؟ فمثلا نرى أن أختراع أجهزة حفظ الطعام التي مرت بعدة مراحل بدءا من تجفيف الطعام وصولا إلى أختراع أجهزة التجميد إلى زيادة قدرة البشر على حفظ الطعام وتخزينه، وبالتالي توفير كميات أكبر من الطعام ليغطي حاجات المزيد من البشر.. وهكذا مع باقي الأختراعات.

 

ما سبق يعتبر توطئة لموضوعنا اليوم، فنحن اليوم سنتكلم عما يهمنا في حياتنا خاصة في ظروف العدوان والحصار التي جعلت حياتنا أصعب، إلا أن هناك تجربة رائدة في عالمنا الإسلامي ألا وهي تجربة (حزب الله) الرائدة.. هذا الحزب الذي أستطاع أن يقدم نموذجا راقيا ومبهرا للعدو قبل الصديق، وما لفتني كثيرا في تجربة هذا الحزب هو نجاحه في إدارة الوزارات الخدمية خلال مشاركته الحكومية؛ فرغم أن هذا الجانب هو أكثر ما تحاول الأحزاب الأخرى أن تتحاشاه لمعرفتها أنه قد يؤدي لإنقاص شعبيتها من منطلق أن “ارضاء الناس غاية لا تدرك”، إلا أن (حزب الله) أستطاع من خلال إدارته الناجحة لهذا الجانب أن يحقق شعبية كبيرة أغاضت المناوئين له، بل وجعلت الإدارة الأمريكية تعيد النظر في رؤيتها لهذا الجانب الذي ظنت أنه يمثل فخا لهذا الحزب المقاوم!

 

لقد وجدت التفسير وأنا أطالع كتابا للبروفيسور الكبير (ناعوم تشومسكي)، والذي يعد من أكثر الأمريكيين شعبية ومعارضة للسياسات الأمريكية في العالم، وقد تحدث (تشومسكي) عن أهمية الدور الاجتماعي الذي تقوم به الأحزاب الدينية في عدة دول مثل بعض الدول الإسلامية والهند وأمريكا الجنوبية، وقد لاحظ هذا العبقري أن الأحزاب الدينية الأكثر شعبية هي تلك التي تركز على تقديم الخدمات الإجتماعية.

 

هذا ما جعل الولايات المتحدة تحاول أختراق هذا الدور عبر منظمات ذات طابع اجتماعي ولكنها تتبع في حقيقتها وزارتي الحرب والخارجية! ومن هذه المنظمات ذات الطابع الأجتماعي من لا يقدم هذه الخدمات إلا في دول إسلامية فقط، وتعمل في مجالات الغوث والتنمية لتنافس الجماعات والأحزاب المناوئة في هذه الدول، وكلنا نعرف حقيقة الدور التخريبي الذي تقوم به هذه المنظمات في بلدنا وحول العالم من خلال دعمها للجماعات الإرهابية وتلك الجماعات التي المتواطئة مع السياسات الأستعمارية الأمريكية في بلدانها.

 

ما يهمنا نحن في هذا الأمر هي النظرة القاصرة التي ينظر بها بعض المسؤولين عندنا لهذا الجانب الحيوي الهام، وإصرار بعضهم على تحويل الوظيفة الخدمية والإجتماعية إلى جانب إيرادي بحت لا يختلف عن وظيفة إدارة المزارع، وتحت مبرر أن الأوضاع السيئة التي نمر بها تحتم عليهم جمع أكبر قدر من الأموال لدعم موازنة الدولة المتعثرة.

 

هذا الأمر أدى لنتائج عكسية لما كان متوقعا من هذه الإدارة، ومن نتائجه تغير نظرة الناس للحكومة والدولة، في حين أن هذه الجوانب كانت تستطيع توفير الكثير من النفقات على الحكومة لو وظفت بشكل رشيد؛ فكما نعرف فإن توفير الإيرادات يتم بطريقتين: أولا بتحصيل الإيرادات، وثانيا بتقليص النفقات وليس بالتحصيل فقط.

 

لو أستطعنا أن نغير نظرة الناس للحكومة الحالية فذلك كفيل بجعل عملية التحشيد أسهل وأقل كلفة، وهذا الأمر ايضا سيؤدي لإستماته الناس في الدفاع عن حكومتهم ومدى التزامهم بتوجيهاتها، ولأدى أيضا لجذب المخدوعين في المناطق المحتلة ودفعهم للسخط على حكومة المرتزقة الفاشلة بل والتعاون مع حكومتنا الوطنية.

 

لعل هذا الموضوع يجعلنا ندرك مدى الأثر الذي يمكن أن تحدثه هذه الإجراءات التي لو تمت بشكل متوازن فستوفر علينا الكثير من النفقات التي نصرفها في التحشيد والإعلام والنفقات العسكرية وغيرها من الأنشطة، وهذا الأمر هو ما تعمل السياسات الأمريكية لإفساده عبر الإعلام ومنع وجود حل للحصار الاقتصادي ومنع المنظمات من العمل في المناطق الحرة؛ فكلما زادت شعبية حكومتنا أدى ذلك لتوجه الناس وتعاونهم طواعية لخدمة القضية الرئيسية بشكل أفضل وأسرع، وسقوط مشروع الأحتلال.. والله من وراء القصد.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى