صناديق الثروة السيادية كأداة لاستغلال العوائد النفطية في العراق
بقلم : د بلال الخليفة
بعد التطرق إلى أهم النظريات الاقتصادية التي عالجت موضوع النفط في كونه محرك للنمو الاقتصادي للدول المنتجة له، سواء على المدى القصير أو الطويل فيما يضمن مستقبل الأجيال القادمة، وذلك عن طريق إيجاد طرق اللازمة من أجل الاستفادة من عوائده المالية فيما يخدم اقتصاد هذه الدول في المستقبل بعد نفاذه، وهذا سنوضحه في هذا المطلب من خلال التطرق إلى أهم أداة استدل بها الاقتصاديون على أنها أفضل وسيلة من أجل استخدام هذه العوائد المتأتية من تصدير النفط فيما يخدم مستقبل الأجيال القادمة ألا وهي صناديق الثروة السيادية.
أولا: تعريف وأهدف صناديق الثروة السيادية:
تعتبر الصناديق السيادية حاليا من أهم الأدوات التي تستعملها الدول المنتجة للنفط في استخدام عوائدها النفطية، وفيما يلي سوف نتطرق إلى تعريفها وكذا إلى أهم الأهداف التي أسست من أجلها.
1- تعريف صناديق الثروة السيادية: لقد تعددت التعريفات فيما يخص صناديق الثروة السيادية، بحث سنوجز أهمها كما يلي:
أ- تعريف صندوق النقد الدولي (IMF): صناديق الثروة السيادية هي صناديق أو ترتيبات للاستثمار ذات غرض خاص تملكها الحكومة العامة، وتنشئ الحكومة العامة صناديق الثروة السيادية لأغراض اقتصادية كلية، وهي صناديق تحتفظ بالأصول أو تتولى توظيفها أو إدارتها لتحقيق أهداف مالية، مستخدمة في ذلك استراتيجيات استثمارية تتضمن الاستثمار في الأصول المالية الأجنبية. وتنشأ صناديق الثروة السيادية في العادة معتمدة على فوائض ميزان المدفوعات، أو عمليات النقد الأجنبي الرسمية، أو عائد الخصخصة، أو فوائض المالية العامة، أو الإيرادات المتحققة من الصادرات السلعية، أو كل هذه الموارد مجتمعة.
ب- تعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD): صناديق الثروة السيادية هي عبارة عن وسائط استثمار مملوكة للحكومة يتم تمويلها من موجودات الصرف الأجنبي، وتضيف الخزانة الأمريكية إلى ذلك بأنها تدار بشكل مستقل عن الاحتياطات الرسمية للسلطات النقدية.
ج- تعريف البنك الألماني (DEUTSCHE BANK): يعرف البنك الألماني صناديق الثروة السيادية بأنها عبارة عن صناديق استثمار حكومية مملوكة للدولة، والتي يتم تمويلها عادة بالاعتماد على احتياطات الصرف الأجنبي، وذلك لخدمة مجموعة من الأهداف كاستقرار الميزانية العامة، وتحقيق العدالة بين الأجيال، وتحقيق التنمية الاقتصادية.
من خلال التعريفات السابقة نستنتج أن صناديق الثروة السيادية هي عبارة عن صناديق استثمار مملوكة للدولة، تمول عادة من طرف فوائض ميزان المدفوعات، أو عمليات النقد الأجنبي الرسمية، أو عائد الخصخصة، أو فوائض المالية العامة، أو الإيرادات المتحققة من الصادرات السلعية، أو كل هذه الموارد مجتمعة، وهذا من أجل تحقيق أهداف معينة تختلف من بلد إلى آخر، وهذا بحسب طبيعة كل بلد.
2- أهداف الصناديق السيادية: إن لكل صندوق سيادي طبيعته الخاصة والأسباب التي تدعو لتأسيسه، وكذلك الأهداف الخاصة به، ولكن الأهداف المشتركة لهذه الصناديق تدور حول ما يلي:
- حماية وتحقيق الاستقرار في الميزانية والاقتصاد من التقلبات المفرطة في الإيرادات.
- تنويع صادراتها من السلع الأساسية الغير قابلة للتجديد.
- تحقيق عوائد أكبر من التركيز على احتياطات النقد الأجنبية.
- مساعدة السلطات النقدية في إنفاق السيولة غير المرغوب فيها.
- أداء دور الاحتياط بالنسبة للدول المالكة لها، بتحويل جزء من عوائدها لصالح الأجيال القادمة.
- تمويل تطوير التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
- المساهمة في تنمية الدول المستقبلية لاستثمارات الصناديق، بتمويل الهياكل القاعدية.
- إستراتيجية سياسية.
ثانيا: أنواع الصناديق السيادية: تختلف أنواع الصناديق السيادية، وهذا بحسب أهدافها ومصادر تمويلها.
1- أنواع الصناديق السيادية وفقا لهدفها: تشير تحليلات صندوق النقد الدولي إلى وجود خمسة أنواع من هذه الصناديق يمكن التمييز بينها عموماً وفقاً لهدفها الأساسي وهي:
أ- صناديق الاستقرار: التي يتمثل هدفها الأساسي في حماية الميزانية والاقتصاد ككل من تذبذبات أسعار سلع النفط في العادة.
ب- صناديق الادخار للأجيال القادمة: التي تهدف إلى تحويل الأصول غير المتجددة إلى حافظة أصول أكثر تنوعاً.
ج- شركات استثمار الاحتياطيات: التي لا تزال أصولها تدرَج في الغالب ضمن فئة الأصول الاحتياطية ويتم إنشاؤها لزيادة العائد على الاحتياطيات.
د- صناديق التنمية: التي تساعد في العادة على تمويل المشاريع الاجتماعية-الاقتصادية أو تشجيع السياسات المتبعة في قطاعات النشاط والتي يمكن أن تعزز نمو الناتج المحتمل في البلد المعني.
ه- صناديق احتياطيات طوارئ التقاعد: التي تغطي (من مصادر بخلاف اشتراكات الأفراد في معاشات التقاعد) التزامات التقاعد الطارئة غير المحددة في الميزانية العمومية للحكومة.
2- أنواع الصناديق السيادية وفقا لمصادر تمويلها: يتم تصنيف الصناديق السياديَّة تبعاً إلى مصادر تمويلها إلى:
أ- الصناديق الممولة عن طريق عوائد المواد الأولية: هي صناديق تكونها الدول المصدرة للمواد الأولية وأساساً النفطية. ذلك أنه تطرح أمام هذه الدول إشكالية استغلال هذه المواد التي يتسم معظمها بقابلية النضوب، وما إذا كان من الواجب إبقاء جزء منها في مكامنها كحق للأجيال اللاحقة. ولقد وجدت هذه الدول في فكرة الصناديق حلا للمحافظة على نصيب الأجيال في هذه الثروات بحيث يتم إحلال الموارد الطبيعية بشكل آخر من الأصول.
ب- الصناديق الممولة بفوائض المدفوعات الجارية: ذلك أن الحجم الإجمالي العالمي من احتياطات العملات الأجنبية للبنوك المركزية في تعاظم مستمر.
ولقد استطاعت الكثير من الدول غير النفطية تحقيق فوائض مالية هامة، خاصة في أمريكا اللاتينية، بفضل تنافسيتها التصديرية على مستوى الأسواق العالمية بما يفيض عن احتياجات الاستثمار المحلي؛ مما دفعها إلى تحويل جزء من هذه الفوائض إلى صناديق سيادية، بعد أن وازنت بين الاحتفاظ كاحتياطيات نقدية أو استثمارها بما يحقق لها عوائد.
ج- الصناديق الممولة بعوائد الخوصصة: دخلت الكثير من الدول في برامج واسعة الخوصصة القطاع الحكومي أدت إلى حصولها على عوائد مالية ضخمة. وتتباين استعمالات الدول لهذه العوائد، فمنها من يوجهها مباشرة لتمويل الميزانية العمومية، وفي بعض الأحيان لتمويل برامج إعادة هيكلة الاقتصاد وسداد الديون. ونظراً لضخامة هذه العوائد وتخوفاً من أن تقود إلى توسع كبير في الإنفاق العمومي يكون أكبر من الطاقة الاستيعابية للاقتصاد، والذي يمكن أن يؤدي إلى حالة من التضخم غير المقدور على التحكم فيها.
وانطلاقاً من كون المؤسسات المخصوصة هي ملك عام لجميع الأجيال يتم تحويل كل أو جزء من عوائد الخوصصة إلى صناديق سيادية.
د- الصناديق الممولة بفائض الميزانية: تلجأ بعض الحكومات مباشرة لما تحقق من فائضاً في الميزانية العامة للدولة إلى تحويل هذا الفائض لاستثماره في الأصول المالية قصد تحقيق عوائد من جهة، ولتوجيه المعطيات الاقتصادية من جهة ثانية. ولما يلاحظ توالى تحقيق هذه الفوائض وارتفاع مستواها يتم اللجوء إلى تكوين صناديق سيادية قصد استثمارها وتنميتها بشكل أفضل.
تمثل الصناديق السيادية الممولة بعوائد المواد الأولية من أصول هذه الصناديق. وبهذا تعتبر عوائد المواد الأولية (خاصة النفط والغاز) المصدر الأساسي لأصول أكبر الصناديق السيادية في العالم، مما يجعل التساؤل عن مدى قدرتها على الحصول على الأموال مستقبلاً في ظل اتجاه أسعار النفط نحو التدهور بفعل الأزمة المالية العالمية الراهنة.
3- مصادر أموال الصناديق السيادية: تعتبر عوائد النفط المصدر الأساسي لأموال أكبر الصناديق الاستثمارية السيادية في العالم، وبالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط وازدياد إيرادات الدول المنتجة للخامات ازدادت ثروات هذه الصناديق، كما تعتبر الاحتياطيات النقدية الأجنبية مصدراً أساسياً أيضاً.
- العراق والصناديق السيادية
يمتلك العراق تجربة سابقة في إنشاء صندوق ثروة سيادي، وذلك عبر إنشاء الصندوق العراقي للتنمية الخارجية الذي تأسس بموجب القانون رقم (77) لسنة 1974، لكن بعد سقوط النظام الأسبق اقتصر عمل هذا الصندوق على إدارة مساهمات العراق المالية في المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية، كما كانت هناك محاولة لإنشاء صندوقين سياديين للعراق في عام 2018، إلا أنَّهما بقيا حبراً على الورق من دون تنفيذ عملي.
تُقسَّم اقتصاديات الدول من حيث مصدر الإيراد على ثلاثة أقسام؛ القسم الأول وهو الاعتماد على الإيرادات غير النفطية وبالتالي الاعتماد على مختلف أنواع القطاعات الاقتصادية مثل الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها، والقسم الثاني هو اقتصاديات ذات مصدر إيرادي أحادي (اقتصاديات السلة الواحدة) مثل الاقتصاد الذي يعتمد بصورة كبيرة على النفط، الاقتصاد الريعي (المرض الهولندي) كحالة العراق، اما الاقتصاد الثالث وهو الذي يقع بين الاثنين أي يعتمد على مختلف القطاعات ومنها النفطية وغيرها.
حيث يُعدُّ العراق من الدول شديدة الريعية، وذلك لاعتماده شبه الكلي على الإيرادات المتأتية من بيع النفط الخام، إذ تشكل الإيرادات النفطية بعد عام 2003 نحو (90%) من إجمالي إيرادات العامة في الموازنة الاتحادية، كما تُسهم بنحو (60%) من تكوين الناتج المحلي العراقي (GDP)، وهذا مؤشر على وجود اختلال هيكلي كبير في مصادر تمويل الموازنة العامة، ونحن نعلم ان الثروة البترولية من نفط وغاز هو ثروة ناضبة لها عمر وينتهي وبالتالي كان على صناع القرار اخذ ذلك بعين الاعتبار واستغلال الوفرة المالية والفائض من بيع النفط في انشاء الصناديق السيادية والتي تعتبر كوسيلة لاستخدام العوائد النفطية لأيام ما بعد النفط وهذا جعل بعض الدول تطلق عليه تسمية صندوق الأجيال.
اهم الصناديق الموجودة في العراق (في الموازنة العامة الاتحادية)
- صندوق اعادة اعمار المناطق المتضرر
- صندوق الاقراض الزراعي
- صندوق الحماية الاجتماعية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية
- صندوق سامراء عاصمة العراق للحضارة الاسلامية
- صندوق العراق للتنمية لتحسين البيئة الاستثمارية (مقترح في الموازنة لتأسيسه)
- بصندوق اعمار محافظة ذي قار
- صندوق اعمار سنجار وسهل نينوى (مقترح في الموازنة لتأسيسه)
- صندوق تنمية ودعم قوى الأمن الداخلي (صندوق في وزارة الداخلية) (مقترح في الموازنة لتأسيسه)
- صندوق شهداء ومعوزي الشرطة المؤسس بموجب القانون رقم (116) لسنة 1966 مع الشركات.
- صندوق العراق للتنمية يتضمن تنفيذ 8 آلاف مدرسة (مقترح في الموازنة لتأسيسه)
- وصندوق تقاعد موظفي الدولة
للعلم ان الصناديق أعلاه تختلف عن الصناديق السيادية او صناديق الأجيال، وهو استغلال الفائض من إيرادات البترول في انشاء صندوق ثروة سيادي واقترح ان يكون بنك (بنك الثروة السيادي) وهو المسؤول عن الإقراض في المشاريع الاستثمارية وتمنيتها وكذلك إلزام الشركات النفطية العاملة في العراق على الاقتراض من هذا الصندوق وتحت الشروط التي تملى عليهم لا شروط بنوك أخرى وبالتالي حققنا عدة اهداف ومنها:
- a) استغلال الأمثل للإيرادات النفطية
- b) ضمان حقوق الأجيال القادمة
- c) تعظيم تلك الإيرادات من خلال القروض الممنوحة بفائدة للشركات والمشاريع الاستثمارية
- d) املاء الشروط على الشركات المقترضة
- e) المساهمة الفاعلة في تنشيط بقية القطاعات الإنتاجية من خلال تقديمها القروض
- f) المساهمة في تنويع الإيرادات غير النفطية
- g) المساهمة في رسم خارطة اقتصادية ناجحة للبلد
ولو افترضنا انه استغل جزء من الفائض الحالي والذي الى شراء سندات أمريكية (بحدود 40 مليار دولار) وذهب (أكثر من 130 طن) وتعزيز الاحتياطي من العملة الصعبة الذي وصل بحدود 117 مليار دولار وعلى اقل تقدير لو جعلناه يمتلك رصيد أكثر من 20 مليار دولار لأحدث ثورة في القطاعات الإنتاجية عن طريق الاستثمار.