التخطيط والتنميةبحوث ودراسات

البحث العلمي في الجامعات العربية “الواقع والتحديات والآفاق المستقبلية”

بقلم أ. د. حسين عليوي ناصر الزيادي - مستشار وخبير في مركز تبيين للتخطيط والدراسات الستراتيجية

لم تعد اهداف الجامعة مقتصرة على الأهـداف التقليدية كالتدريس ونقل المعرفة، بل امتدت الرسالة لتشمل كل نواحي الحياة العلمية والتقنية والتكنولوجية، الأمر الذي جعل من أهم واجبات الجامعات المعاصرة هو التفاعل مع المجتمع بما يحقق تطلعاته ويوفر احتياجاته من خلال البحث العلمي الرصين، لان الجامعة هي الحاضنة الرئيسة للبحث العلمي بوصفه انبل مساعي العقل البشري ومن معينه ينبع تيار لا ينقطع من الاكتشافات والخبرة، ومن هنا فان ما موجود من اكتشافات وقوانين وقواعد ما هي الا نتيجة وثمرة لجهود أجيال متعاقبة من العلماء والباحثين الذين خاضوا غمار البحوث العلمية بمختلف أنواعها، ولاشك ان ما وصلت إليه الدول المتقدمة من تقدم في جميع نواحي الحياة كان نتيجة طبيعية للاهتمام بالبحث العلمي وتوجيهه لخدمة متطلبات التنمية ومعالجة مشكلات المجتمع .

 معوقات البحث العلمي في الجامعات العربية

أن الجامعات العربية وعلى وتيرة معظم الجامعات في الدول النامية تركز على عملية التدريس أكثر من تركيزها على البحوث العلمية بينما الدول المتقدمة ترصد الميزانيات الضخمة للبحوث العلمية لمعرفتها بالعوائد الضخمة التي تغطي أضعاف ما أنفقته فضلاُ عن افتقار أغلب المؤسسات العلمية والجامعات العربية إلى أجهزة متخصصة بتسويق الأبحاث ونتائجها وفق خطة اقتصادية إلى الجهات المستفيدة مما يدل على ضعف التنسيق بين مراكز البحوث والقطاع الخاص، كذلك غياب المؤسسات الاستشارية المختصة بتوظيف نتائج البحث العلمي وتمويله من أجل تحويل تلك النتائج إلى مشروعات اقتصادية مربحة. إضافة إلى ضعف القطاعات الاقتصادية المنتجة واعتمادها على شراء المعرفة.


ومن ناحية أخرى فان المراكز البحثية والجامعات والوحدات البحثية تعاني من مشكلات عديدة من بينها انشغال عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس في العمل الإضافي ، وقلة عدد الباحثين والمختصين، وندرة تكوين فرق بحثية متكاملة ، فالبحوث التي تجري بين جدرانها من جانب أساتذتها إنما هي بحوث فردية لأساتذة يحاولون الإنتاج العلمي بغية الترقي ، أو النشر، وهي بحوث أضعف من أن تحل مشكلات المجتمع أو تعمل على تقدمه.

كما تعاني المراكز البحثية من الانفصال شبه الكامل بينها وبين المجالات التطبيقية خارج أسوارها أو معاملها، وكذا انفصام الصلة بين الجامعات العربية وحقل الإنتاج، وابتعاد الجامعات عن إجراء البحوث المساهمة في حل المشكلات الوطنية ، إضافة إلى عدم مشاركة المؤسسات الكبرى والشركات والأثرياء من الأفراد في نفقات البحث العلمي. إلى جانب تأخر عملية نقل المعلومة التقنية من الدول المتقدمة إلى الدول العربية وعموما يمكن ادراج مشاكل البحث العلمي في الجامعات العربية من خلال الاتي :-

1- يعاني البحث العلمي في الجامعات العربية من صعوبات ومعوقات عديدة تتعلق بقلة التخصيصات المالية كما هو الحال بالنسبة للدول العربية ، اذ يشير تقرير اليونسكو عن العلوم لعام 2010 أن الدول العربية هي الأقل انفاقًا على البحث العلمي، ووفق الاحصائيات الصادرة عنها فان متوسط الانفاق الاجمالي على البحث والتطوير في الابحاث العلمية في الدول العربية الاسيوية مجتمعة %0,1 فقط ، بلغ متوسط انفاق اسرائيل بين %4,6 الى %4,8 لعام 2010. وهذا يمثل أعلى نسبة انفاق في العالم، بينما تنفق الدول العربية ما مقداره 0.2% من دخلها القومي والدول العربية في آسيا تنفق فقط 0.1% من دخلها القومي على البحث العلمي

2- يهدف الباحث العربي على الاغلب من خلال بحثه الى الترقية العلمية فهو يهئ البحث وفق المتطلبات التي ينبغي توفرها لغرض تأهيله الى مرتبة اعلى وهو بهذا يفكر بنفس الطريقة التى يفكر بها كل مواطن لتوفير حياه كريمة وسكن ملائم ومتطلبات الحياة الاخرى ، ويعتبر ذلك من احد اهم التحديات التى تواجه البحث العلمي ، فالباحث يجب ان يكون اهتمامه منصب فقط على العلم لا لقمة العيش

3- على الرغم من وجود اعداد لا باس بها من القادرين على اجراء البحث العلمي في كثير من الجامعات العربية الا ان الابحاث التي تجري تتميز على العموم بالفردية وعدم وجود ثقافة فرق العمل فضلا عن ضعف العلاقة بخطط التنمية ، اذ ان الغرض من معظمها هو السعي لتحسين الوضع العلمي والمالي لعضو هيئة التدريس . والنشاط البحثي لعضو هيئة التدريس قاصر ولا يتجاوز %5 من جملة اعباء عضو هيئة التدريس.

4- تحمل اعضاء هيئة التدريس واغلبهم من الباحثين مهام ادارية بعيدة عن تخصصاتهم، الامر الذي يقلل من نشاطاتهم العلمية .

5- النظر الى الجامعة باعتبارها حلقة وصل بين الدراسة الاعدادية والتعيين في دوائر الدولة ، لذا تنخفض مستويات البحث العلمي لدى الطلبة والباحثين .

6- أن بعض البحوث العلمية في الجامعات العربية تتسم بالتقليد والمحاكاة دون اللجوء إلى الابداع والابتكار لان اهدافها لاتتعدى مسالة الترقية العلمية ، مما أدى إلى عزل نشاطات الجامعة البحثية عن نشاطات القطاعات المجتمعية الاخرى .

7- أن ضعف القدرات والبنى التحتية انعكس على طبيعة البحث العلمي ، الأمر الذي جعله بعيدا عن متطلبات التنمية .

8- عدم وجود تعاون حقيقي بين الجامعة ومؤسسات الدولة ودوائرها الحكومية والخدمية والانتاجية.
9- قلة اعداد الباحثين وهو امر تمتاز به الجامعات العربية عموما ، فتقرير اليونسكو لم يذكر بالتحديد عدد الباحثين في اسرائيل بشكل صريح ولكنه اشار الى ان نسبتهم بالنسبة لدول العالم هي حوالي 0.4% وعند الاخذ بعين الاعتبار ان عدد الباحثين في العالم يقدر بحوالي 7,093,600 باحث، يتبين ان عدد الباحثين الاسرائيلين يقدر بـ 28,374 باحث، بينما الدول العربية مجتمعة حسب تقرير اليونسكو يبلغ عدد الباحثين فيها ما مقداره 124,000 باحث, وهذا يمثل ما مقداره حوالي 1.8% من عدد الباحثين في العالم، وعند استشارة عدد من المواقع الاسرائيلية اشار بعضها الى ان هذا العدد يمكن ان يكون اكثر بكثير مما هو منشور في تقرير اليونسكو، اشارة بعض المصادر الى ان نسبة العلماء والباحثين الى عدد السكان تبلغ 145 لكل 10000 شخص اي 14500 لكل مليون انسان وهذا يساوي تقريبا ثلاثة اضعاف النسبة في الولايات المتحدة او اليابان. اما بالنسبة للعالم العربي فتبلغ هذ نسبة العلماء في اسرائيل الى السكان حوالي 37 ضعف لتلك النسبة في العالم العربي.

10- تعاني الجامعات العربية بشكل عام من أزمة تتمثل في ضعف البنى البحثية في مجالات البحث العلمي وهذا ما ينعكس سلبا على كفاءة وانتاجية تلك الجامعات في ذلك المجال. وهو امر تشترك فيه الجامعات العربية مع الجامعات العربية ،اذ تشير الدراسات الى ان انتاجية عشرة باحثين عرب توازي انتاجية باحث واحد في المتوسط الدولي. هذا ويبلغ متوسط الباحثين الى عدد السكان من المؤشرات التي تستخدم للاشارة الى اهتمام الدولة بالبحث العلمي. في العالم العربي هنالك حوالي 380 باحث لكل مليون شخص عربي وهذا على اعتبار ان حاملي شهادات الدكتوراه والمدرسين في الجامعات محسوبون كباحثين. بينما تبلغ تلك النسبة حوالي 4000 باحث لكل مليون انسان في الولايات المتحدة الامريكية. بيلغ هذا المؤشر حوالي 499 باحث لكل مليون شخص في الدول النامية 3598 باحث لكل مليون شخص في الدول المتقدمة. أي ان نسبة الباحثين العرب الى عدد السكان هم الادنى في كل دول العالم.

المؤشرات الخاصة بالبحث العلمي في العالم العربي

تم في هذا الجزء من البحث التعرض الى ثلاث مؤشرات تتعلق بالبحث العلمي في الجامعات العربية وهي اعداد المجلات العلمية المحكمة وعدد المختبرات وبراءات الاختراع.

سجل العرب مجتمعين حوالي 836 براءة اختراع في كل تاريخ حياتهم وهي المؤشر الاكثر اهمية ، وهو يمثل 5% من عدد براءات الاختراع المسجلة في إسرائيل ، إذ بلغ المؤشر 14 براءة لعام 2012 بينما سجلت إسرائيل ما مقداره 16,805 براءة اختراع .

وتفيد تقارير اليونسكو كذلك ان عدد براءات الاختراع التي سجلت في إسرائيل في العام 2008 والتي تبلغ 1,166 تفوق ما انتجه العرب بتاريخ حياتهم وهو 836 براءة اختراع.

أما بالنسبة للمؤلفات والكتب المنشورة ، فقد أفادت أيضا المعطيات المتوفرة الى انه في إسرائيل تم تأليف ونشر 6,866 كتابا بينما يؤلف العرب ما يقدر ب 10,000 كتاب سنوياً. اما بالنسبة للنشر الابحاث العلمية في المجلات المحكمة فقد نشر الباحثون الإسرائيليون 138,881 بحثا محكما، ونشر العرب حوالي 140,000 بحث محكم. على الرغم من أن عدد الابحاث متقارب، الى ان جودة ونوعية الابحاث الإسرائيلية أعلى بكثير من الابحاث العربية، وهذا يمكن الاستدلال عليه من من عدد الاقتباسات لتلك الابحاث ومعامل (H) الذي يعبر عن مدى انتاجية دولة معينة للعلوم ومدى تأثير تلك العلوم على المعرفة الانسانية. بلغ عدد الاقتباسات للأبحاث العربية ما مقداره 620,000 اقتباس، بينما بلغ عدد اقتباسات الابحاث الإسرائيلية 1,721,735 اقتباسا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى