لو تفحصنا معظم الكتابات وعلى وجه الخصوص الاسلامية نجد في الحقيقة هي معالجة لهذا الصراع بين الحضارات وثقافاتها, ولا يخفى على احد ما للكلام بصورته القديمة والجديدة من اهمية في الدفاع عن الاسلام عقائديا وثقافيا.
وفي هذه الاسطر نحاول ان نضع اليد على المفتاح الذي يجعل الجميع قادرا على المساهمة في هذه المواجهة, ولعل اهم خطوات هذه المواجهة هي تحديد ساحة الصراع التي تتواجه فيها الثقافة الدخيلة والاصيلة, ومن المؤكد ان الانسان كفرد او كمجتمع هو من يشكل ساحة الصراع بين الثقافة الدخيلة ( الثقافة الغربية ) و الثقافة الاصيلة ( الثقافة الاسلامية ), وكلا الثقافتين تستهدف بالأساس توجيه الانسان والهيمنة عليه حضارياً, فمن يكسب الانسان وإدارة توجيهه حضارياً يكسب هذا الصراع الثقافي , وهو ما نشهده اليوم من هيمنة الثقافة الغربية على مجمل الحياة الانسانية بما فيها حياة المسلمين , وهذا مؤشر على عمق الهزيمة حضارياً للمسلمين , والمهزوم في العادة يقلد ثقافة المنتصر, فضلاً عن ذلك فان المنتصر هو الذي يفرض ثقافته على المهزوم .
ان التراجع الحضاري للمسلمين هو الذي ادى الى هزيمة الثقافة الاسلامية , فعندما كانت الحضارة الاسلامية هي الاولى عالميا كانت الثقافة الاسلامية هي مصدر إلهام للشعوب الغربية , لكن اليوم الثقافة الغربية هي مصدر إلهام الشعوب الاسلامية. وعلى الشعوب الاسلامية سواء على مستوى الفرد او المجتمع لا يبرر للقبول بالثقافة الغربية طالما هي الان صاحبة الحضارة العصرية , لأن تلك الثقافة بدأت بالفعل في التأكل وتكشفت الكثير من عيوبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهي الان سبباً لشقاء الشعوب الاسلامية .
وعلى الشعوب الاسلامية اليوم تحمل مسؤولية الوعي الحضاري بالإسلام, فالأمة اليوم ما زالت غير مقتنعة بمشروع الاسلام الحضاري وهي في حالة من الشك والريبة في قدرة الاسلام على قيادة العالم حضارياً, فما زال الخطاب الاسلامي غير مستوعب لخطورة اللحظة الحضارية التي تعيشها الامة الاسلامية, بل منشغلاً ببعض العناوين والممارسات البعيدة عن هموم وامال الانسان المعاصر, وهو ما ابقى الامة تعيش الاسلام في صورته التاريخية, بينما طبيعة الانسان والزمان يستوجبان فهماً اسلامياً يتناسب والصيرورة الحضارية للإنسانية, فاذا كان الوعي ماضوياً لا يتفهم ضرورات المرحلة فان التحجر والجمود سيكون هو المصير المحتوم.
فالحالة الثقافية العالمية التي يعيش في احضانها الانسان المسلم اليوم تفرض عليه نمطاً من الحياة لا يمكن مقاربته بالمفاهيم الاسلامية التراثية ,فمفهوم الحكم والحرية والعدالة والحقوق وغيرها من المفاهيم هي ذات دلالات عصرية لا اثر لها في التراث والمسلم مطالب بان يكون مساهما في بناء هذه الحياة .
فاذا لم تتمكن الامة من بلورة وعي حضاري للإسلام لا يمكنها ان تواجه الغزو الثقافي للحضارات الاخرى, وبلورة هذا الوعي يكمن في اهمية الاسلام بالنسبة لحياة الانسان ؟ فالرجوع الى الانسان والانطلاق منه يساعد في ايجاد ارضيه لمقاربة كل المفاهيم الشائكة ومن ضمنها المفهوم الحضاري للإسلام, وهذا الرجوع يحتاج الى التذكير الدائم والتنبيه المستمر بإنسانية الانسان ومحوريته وهذا ما اهمله الخطاب الاسلامي.
ولكي تقود الامة اي نوع من انواع المواجهة الثقافية فيجب ان يكون الاسلام في وعي الامة هو فلسفة للحياة والانسان وليس فلسفة تمنع الانسان من التفاعل المطلوب مع الحياة وهنا يبرز دور الامة ككل في هذه المواجهة الثقافية بتحمل مسؤولياتها وبإعادة ثقافتها في ثقافتها الاسلامية وتطوير وعيها الحضاري .فيمكن لها ان تقود هذا الصراع بقوة واقتدار اما اذا كانت ثقافة الامة مهزوزة او كانت ثقافتها مشوهة فان مصيرها سيكون الذوبان في ثقافة الحضارات الاخرى.