مقالات

الحريات العامة في لبنان بين القمع السعودي والدستور اللبناني،

كتب إسماعيل النجار

مَن يكفل حرية الرأي
في سابقة خطيرة تمسّ صميم الحريات العامة في لبنان، استُدعي رئيس تحرير جريدة الديار الأستاذ شارل أيوب أمام النيابة العامة التمييزية في بيروت للتحقيق، بموجب كتاب تبليغ صادر عن النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر، وذلك بجرم «تعكير صفو العلاقات اللبنانية  السعودية».
التهمة سعودية خالصة ومُعَلَّبَة!
إستندت النيابة العامة في اتهامها إلى مقال منسوب للجريدة، غير موقع باسم أيوب، وغير موجود في أرشيف الصحيفة، ويعود كما يُقال إلى سبع سنوات خلت. وهذا يطرح علامات استفهام كبرى حول جدّية الأساس القانوني للتهمة، ومدى احترام الأصول القضائية التي توجب أن تكون الأدلة واضحة، مباشرة، وحاضرة في ملف التحقيق، لا مبنية على اجتهادات أو ضغوط سياسية خارجية.
إن الدستور اللبناني، في مقدمته وفي المادة (13) منه، يكفل حرية الرأي والتعبير والنشر، ويضمن عدم تقييدها إلا في أضيق الحدود ووفقاً للقانون. وبالتالي، فإن أي إجراء قضائي يستهدف الصحافيين على خلفية التعبير عن الرأي أو نشر مادة صحفية، يجب أن يُنظر إليه بعين الريبة والحذر، لأن المساس بحرية الصحافة هو مساس بجوهر النظام الديمقراطي الذي ارتضاه اللبنانيون.
فوقعنا في ازدواجية المعايير وخطورة التبعية؟
إن تحويل الصحافي الكبير الأستاذ شارل أيوب إلى محكمة الجنايات بموجب المادتين 288 و25، إنما يشكّل تشدداً غير مبرر، ويعكس إصراراً على تحويل قضية رأي إلى قضية جنائية، في وقت يُفترض فيه أن يظل ميدان الصحافة والإعلام في إطار النقاش المفتوح والعلني، لا في أروقة المحاكم الجنائية. والأخطر أن هذا النهج يتقاطع مع سياسة “كمّ الأفواه” التي تسعى أطراف خارجية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، إلى فرضها على الساحة اللبنانية، عبر الضغط السياسي والمالي، لإسكات كل صوت معارض لسياساتها في المنطقة.
إن الذي بدأنا نراه ونسمع عنه في لبنان أصبح نسخه واحدة مقارنةً مع النموذج السعودي؟ ولا بد هنا من التوقف عند المفارقة الصارخة أنه في لبنان، وعلى الرغم من كل الضغوط، لا يزال الدستور يحمي حرية التعبير ويتيح مساحات للنقاش العام، فيما في السعودية نجد واقعاً مغايراً بالكامل. إذ إن السلطات هناك لا تكتفي بملاحقة الصحافيين والمعارضين، بل تلجأ إلى أحكام الإعدام والسجن المؤبد لمجرّد منشور على وسيلة تواصل اجتماعي، أو تغريدة تنتقد سياسة الدولة. وهذا ما وثقته منظمات دولية كـ”هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، حيث تحوّل التعبير عن الرأي إلى جريمة قد تودي بصاحبها إلى المقصلة. لذلك نحن نحذر من خطورة الانزلاق إلى هاوية التفكير السعودي القمعي!
إن لبنان، بتاريخه الصحفي العريق وبكونه منارة الحريات في المشرق العربي، لا يحتمل الانزلاق إلى النموذج السعودي في القمع وتكميم الأفواه. فإسكات الإعلام المعارض بحجة العلاقات الدبلوماسية، أو استرضاء دول خارجية، يشكل خطراً على السيادة الوطنية قبل أن يكون خطراً على الحريات. فالصحافة الحرة هي صمام الأمان الذي يحفظ الديمقراطية ويمنع الانفجار الاجتماعي.
إن إحالة الأستاذ شارل أيوب إلى القضاء بهذه الصورة، هو اختبار جدي لمدى التزام لبنان بدستوره ومواثيقه الدولية في حماية الحريات. فإما أن يثبت القضاء استقلاليته ويرفض تحويل لبنان إلى ساحة نفوذ تمليها إرادة دول خارجية، أو يُكرّس سابقة خطيرة تهدد مستقبل الصحافة والإعلام في البلاد.
إن حماية حرية الرأي والتعبير ليست منّة من أحد، بل هي حق دستوري أصيل، وركن لا غنى عنه لصون لبنان كبلد عاش وتنفّس الحرية منذ نشأته.

بيروت في،، 20/8/2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى